"قرنقعوه قرقاعوه... عطونا الله يعطيكم... بيت مكّة يودّيكم... يا مكّة يا المعمورة... يا أمّ السلاسل والذهب يا نورة"... كلمات يتغنّى بها الأطفال في قطر، ومعظم دول الخليج العربي، في ليلة "القرنقعوه" التي توافق منتصف شهر رمضان من كلّ عام.
وقد طاف الأطفال، أمس السبت، شوارع العاصمة القطرية الدوحة، من بعد صلاة المغرب يطرقون أبواب الجيران في الحي، حاملين في أيديهم أكياساً فارغة من القماش، ليعودوا إلى منازلهم وقد جمعوا كافة أنواع المكسّرات والحلوى فيها.
وليلة "القرنقعوه"، عادة اجتماعية لها أشباه عالمية كما "الهالويين" الغربي، كما لها نسخ تشبهها في دول الخليج، وإن اختلفت التسمية، ففي الإمارات يطلق عليها "حق الليلة" ويحتفل بها في منتصف شهر شعبان، وفي عُمان يطلق عليها "الطَلْبة"، وهي ليلة "القرقيعان" في السعودية والكويت، أما في البحرين وقطر فتُعرف بليلة "القرنقعوه".
ويخرج الأطفال في هذه الليلة في أبهى حللهم، يرتدون الملابس التقليدية الزاهية، حيث ترتدي الفتيات "الثوب الزري"، وهو عبارة عن ثوب زاهي اللون مطرّز بخيوط ذهبية، يرتدينه فوق الملابس، ويضعن "البخنق"، وهو أيضاً قطعة من القماش تغطي رؤوسهن، وتزيّنها خيوط ذهبية على الأطراف، وعادة يكون لونه أسود، بالإضافة إلى التقلّد بالحليّ الخليجية.
أما الأولاد فيرتدون عادة الأثواب الجديدة، ويضعون على رؤوسهم "القحفية"، وهي عبارة عن طاقية مطرّزة يرتديها الأولاد في الخليج، وقد يرتدون كذلك "السديري" المطرّز.
وعن معنى كلمة "قرنقعوه" أو "قرقيعان" هناك روايتان معروفتان، الأولى تذكر أنّها "قرّة العين"والقرّة هي ابتداء الشيء، وبمرور الزمان تحوّرت الكلمة، وصارت تُنطق "قرقيعان"، والثانية، أكثر قرباً للمنطق، تقول إنّ الكلمة مشتقة من الصوت الذي يحدثه الأطفال والمحتفلون بهذه المناسبة من قرقعة وقرع على الأبواب والطبلة، وقديماً أواني المطبخ.
كان الاحتفال بهذه الليلة يتّسم بالبساطة والمحلّية، حيث كانت الأسر تكتفي بشراء المكسرات والحلويات اللازمة لتوزيعها على أطفال الأسرة، وخياطة الملابس والأكياس للأطفال، أمّا اليوم فتقوم مؤسسات تجارية وجمعيات خيرية بالاحتفالات الواسعة، ترافقها التغطية الاعلامية للحدث الخليجي الذي يراد به الإضاءة على التراث والتقاليد المتوارثة، وصارت ترافق هذه المناسبة نشاطات ترفيهية أخرى، منها نقش الحنّة على أكفّ البنات وتلوين الوجوه والألعاب الشعبية الخليجية وتوزيع الحلويات الشعبية من لقيمات وهريس ومجبوس... وباتت العائلات تشتري الملابس من الأسواق وكذلك الأكياس، إذ خفّت كثيراً عمليات الخياطة المنزلية.
تزايد مؤخراً إقبال العائلات القطرية على زيارة الأماكن العامة التي تحتفل بالقرنقعوه، لكنّها لم تتنازل عن الطابع التقليدي الذي يقضي أن ينتظر الكبار في بيوتهم حتى يأتي الأطفال ويقرعوا الأبواب ويطلبوا الحلوى والمكسّرات، فيضعون "الجفير" عند الحوش ويوزّعون ما فيه للأطفال، وبعدها ينطلقون إلى الاحتفالات العامة التي تتوزّع في أرجاء الدوحة، تحديداً المرافق السياحية، وكان أبرزها هذا العام في الحي الثقافي كتارا، وسوق واقف...