أي حدود للتعبير عن الرأي

05 فبراير 2015
ثمة فرق ما بين حرية التعبير وحرية نقل الخبر(Getty)
+ الخط -

طلب مني صديقي الغربي التحدث عن حرية التعبير في مصر وعمّا تعنيه لي.

صديقي، قبل أن أحدّثك عن حرية التعبير في مصر، بعد الانقلاب بشكل خاص، دعني أشير إلى هذه النقطة: ثمة فرق ما بين حرية التعبير وحرية نقل الخبر، فالتعبير عن الرأي لا بد أن تسبقه، غالباً، معرفة حول بعض الحقائق والأحداث، والتي نبني على أساسها، لاحقاً، رأينا الذي نعبّر عنه ونصيغه بشتى الطرق، وعليه فإن حرية نقل الخبر، أو الحدث، تسبق حرية التعبير عن الرأي فيه. وفي حالة "مصر"، هذه البلاد التي لا تحترم مهنة الصحافة، ولا تمكّن الصحافيين من أداء عملهم بمهنية وحريّة في نقل الحقيقة والصورة للناس، فإن الباحث عن حرية التعبير عن الرأي كمن يودّ صناعة فيلم وليس في جعبته كاميرا أو صور!

لعامٍ ونصف أقبع في زنزانة حقيرة تحت الأرض بتهمة الصحافة، وأحاكَم على نشر الأخبار، وتصور ماذا؟ اعترفتُ بالانضمام إلى مؤسسة صحافية!..

ورغم ذلك، وكإعلامي في بلادي: أحسبُ أنني أكثر حظاً بسجني هذا من صحافيين وإعلاميين غيري، ثمة صحافيون كُثر قد قُتلوا أثناء تأدية عملهم الصحافي دون أن يسأل عنهم أحد أو يُحاسب مَن قتلهم بتهمة القتل وبتهمة تقييد الحريات واستهداف الصحافيين، نسيهم هذا العالم أو تجاهلهم يا صديقي!

على مدار عام ونصف، سُجنت مع صحافيين كُثر، مصريون وأجانب من مختلف المؤسسات الصحافية المصرية والعالمية، فقد صحبني في السجن "عبد الله الشامي"، الصحافي في قناة الجزيرة، والذي ألقي القبض عليه أثناء تأدية عمله يوم فض اعتصام رابعة، وهو اليوم نفسه الذي قُتلت فيه "حبيبة محمد"، والتي كانت تعمل ضمن فريق الشامي لتغطية الأحداث في ذلك اليوم!

لا يعلم كثير من الناس أن العدد الحقيقي لمعتقلي مؤسسة رصد الإخبارية قد تجاوز 40 صحافياً، وتتحفظ المؤسسة عن إعلان أسمائهم خشية تعريضهم للخطر، فالأفضل للصحافي إن تم القبض عليه أثناء تغطيته للأحداث في مصر أن يسجن ويحاكم كمتظاهر على أن يحاكم كصحافي!

أتعرف، لقد كنتُ ساذجاً، ظننتُ في البداية أن العالم سيقف ضد حكومة الانقلاب في استهدافها للصحافيين والتضييق عليهم، لكن ما حدث هو التواطؤ والتجاهل، بل إن بعض الدول قامت بالقبض على بعض الصحافيين وسلّمتهم للسلطة في مصر، كما حدث مع الإعلامي "مسعد البربري"، مدير قناة أحرار 25، والذي اختطفته السلطة اللبنانية وسلّمته لنظيرتها في مصر، وها هو يُحاكم الآن بتهمة إدارة قناة إخبارية، وقد تكرر الحادث مع صحافيين آخرين.

ألم أخبرك أن العالم لا يهتم، ربما يعودُ الأمر إلى أن الصحافي المعتقل هو مصري الجنسية! معذرة يا صديقي فقد أطلتُ قبل إجابتك، فدعني أخبرك عمّا تعنيه لي حرية التعبير بعد كل هذه المدة في المعتقل!

حرية التعبير عندي، الآن، هي أن أكون حراً في الكتابة على جدران الزنزانة.. أو أن أتحدث بعلو صوتي شارحاً وجهة نظري بحرية تامة من خلف باب الزنزانة لزملائي في السجن!.. هي أن أملك حرية الحديث أمام قاضٍ عسكري يحاكمني بتهمة الصحافة.. أو هي أن أملك حرية الاختيار بين الوقوف صامتاً أو عدم التحدث خشية التنكيل بي في السجن وحبسي انفرادياً.. هي أن أتناقش أنا و20 صحافياً آخر عمّا آلت إليه الأوضاع أثناء المحاكمة ونحن في قفص الاتهام الزجاجي العازل للصوت والذي نتواجد به عقاباً على عملنا الصحافي!..

حرية التعبير، يا صديقي، هي التحدث عن قتلى صحيفة شارلي إيبدو، وغض الطرف عن قتلى الصحافة العربية، وأن يتظاهر القاتل تنديداً بمقتل الصحافيين الفرنسيين!

أسمع (حرية التعبير) فيتبادر إلى ذهني "أحمد عاصم" و"أحمد عبد الجواد" و"حبيبة أحمد" و"مصعب الشامي" و"ميادة أشرف"؛ هؤلاء الذين قُتلوا بسبب عملهم الصحافي.. يذكرني لفظ (حرية التعبير) أيضاً بقضية الماريوت وقضية غرفة عمليات رابعة، وقضية تسريبات رصد ومكملين، وأكثر من 100 صحافي مصري يقبعون في السجون بسبب تهمتهم الصحافية! تلك حدود حرية التعبير في بلادي الآن!


*معتقل في السجون المصرية

المساهمون