البلديات العربية:ضعف الإدارة والرقابة يحوّلان هذه المرافق إلى بؤرإهمال

25 ابريل 2016
تقاعس البلديات عن القيام بدورها الأساسي(فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
"بلديتكن كريمة، كل يوم عندها عزيمة، طعميهن على حسابك، بيصير عندك شعبية، يا رئيس البلدية"، يصف هذا المقطع من الأغنية الشهيرة لفيروز "يا رئيس البلدية"، الحملات الدعائية التي تقوم بها البلدية قبيل الانتخابات، حيث لا يلمس معظم الناس وجود هذا المرفق العمومي إلا عند خروجه من سباته لأيام قليلة في محاولة لتعويض سنوات من التواجد الشكلي. وبعد إعلان نتائج الانتخابات، غالباً ما ينسحب المسؤولون والمعدّات من الشوارع والأحياء، تاركين المواطنين غارقين في المشاكل اليومية، على غرار سوء حالة الطرقات، شبكات الصرف الصحي، التصرف في النفايات، وغيرها من الخدمات المفقودة، التي تعمّق معاناة المواطن العربي المثقل أصلاً بشتى أنواع المشاكل.

نقص الموارد
يؤكد الخبير الاقتصادي، مالك سراي، أن البلديات في الجزائر تعاني من مشاكل كبرى، أبرزها العجز المالي، إذ إن أكثر من 1540 بلدية على امتداد التراب الجزائري تجد نفسها مكبّلة إزاء عدم قدرتها على الإيفاء بواجبها تجاه المواطنين، ليكون المواطن أول من يدفع ثمن هذه المشكلة التي لم تجد لها السلطات المركزية حلاً حتى هذه اللحظة.
ويقول سراي:"إن أولى العراقيل التي تواجه البلديات تتمثل في علاقاتها بالسلطة المركزية، حيث يرتبط عمل البلدية بمؤسسات وأجهزة تابعة للدولة تمارس الرقابة الإدارية والمالية على عمل البلديات. ورغم تمتع البلدية بشخصية معنوية واستقلال مالي باعتبارها قاعدة اللامركزية، إلا أن هذه اللامركزية تبقى نسبية وخاضعة لرقابة تمس أعضاء المجلس الشعبي البلدي، وأعمال البلدية، وتصرفاتها للمجلس البلدي كهيئة، ليتحول دورهم إلى واجهات للنظام المركزي ومنفذين لإملاءاته وسياساته".
وفي المقابل، فإن عدم تفعيل آليات مشاركة المواطنين في العمل البلدي التي حددها القانون وتمكينه من لعب دور فاعل في آلية العمل البلدي، وتدعيم مشاركته وتفاعله وتجاوبه مع القرارات والسياسات العامة المحلية عبر المشاركة والحضور لدورات المجلس الشعبي العادية والانضمام إلى اللجان الدائمة والمؤقتة، أثر بشكل واضح على الأداء البلدي بحسب سراي. ويعود هذا التخوف، وفق محدثنا، إلى طبيعة النخبة التي تتحكم فيها عوامل حزبية أو قبلية أو ثقافية، أو يمكن إرجاعه إلى التخوف من تزايد مطالب المواطنين التي قد تفوق إمكانيات البلدية.
أما على مستوى الموازنات، فينسب سراي عجز البلديات ورداءة خدماتها على صعيد تهيئة البنى التحتية والأنشطة البيئية والإنارة وغيرها، إلى صعوبة قيام البلديات باستخلاص مختلف الادعاءات، خصوصاً وأن حجم الإيرادات الجبائية العائدة من المؤسسات في بعض المناطق البلدية يصل إلى 30 % وحتى 50 % من حجم الموازنة السنوية للبلدية. وقد تنخفض تلك النسبة إلى ما دون 10% في البلديات الصغرى أو تلك الواقعة في جهات داخلية تفتقر إلى تواجد مكثف للمؤسسات، خاصة منها التابعة للقطاع الخاص.
أدّت هذه الوضعية إلى تدني الخدمات البلدية مثل النظافة ورفع الفضلات، وصيانة الطرقات أو مدّ طرقات جديدة، دفعت إلى توتر العلاقة بين المواطن والبلدية.

أما في الأردن، فتفيد الخبيرة سلوى مهاب، أنه رغم خفض عدد البلديات منذ عام 2001 من 328 بلدية إلى 93 بلدية، إلا أن المشاكل لم تتغير، بل تفاقمت رداءة الخدمات البلدية، وازدادت معاناة المواطن نتيجة النقص الواضح في جودة المرافق العامة. وتقول:" أضحت البلديات عاجزة عن تقديم خدمة النظافة بشكلها المتكامل، فاقتصر عملها على نقل النفايات فقط، بواسطة آليات غير مخصصة لهذه الغاية، كما تراجعت عمليات مكافحة الحشرات والقوارض"، ووصل الأمر ببعض البلديات إلى وقف صرف مرتبات موظفيها مما اضطرها للاقتراض ليصل إجمالي الديون عليها إلى 140 ألف دولار.
إلى ذلك، مثّل اللاجئون السوريون بدورهم، عبئاً إضافياً بحسب مهاب، حيث تسبب وجود أكثر من 70 ألف لاجئ سوري في ازدياد الضغط على جميع الخدمات والبنية التحتية عموماً في مناطق اللجوء المتمركزة في مناطق الشمال، مما ضاعف من أعباء البلديات، خصوصاً في مناطق مثل "الرمثا". وتفيد مهاب أن وزير الشؤون البلدية أعلن عن تفاقم عجز وزارته ليبلغ السنة الماضية نحو مليوني دولار.

التمييز السلبي
أولى المشاكل، التي يتطرق إليها الباحث الاقتصادي التونسي، عماد بن سليمان، كانت الاختلال الواضح في مستوى الخدمات البلدية المقدمة بين حي وآخر، إذ يشير هذا الأخير إلى أن البلديات في تونس والتي يبلغ عددها 264 بلدية لا تتساوى على صعيد الموازنات، ليس بسبب اختلاف عدد سكان كل دائرة بلدية أو اتساع رقعتها الجغرافي، بل للتفرقة التي تمارس بين أحياء وأخرى وأحياناً بين مدن بأسرها.

ويقول:"تقع نحو 18 بلدية في المناطق المحظوظة كالساحل والضاحية الشمالية الراقية في العاصمة التونسيّة، وتتمتع بنحو 51 % من المخصصات العامة للبلديات، في حين يتم تقسيم الباقي على 246 بلدية في مختلف مناطق البلاد. أي أنّ 7 % من بلديات تونس تحظى بأكثر من نصف ميزانية الجماعات المحلية بينما يوزع 49 % منها على 93 % من البلديات الأخرى.
هذا ويؤكد بن سليمان أن نصيب البلديات من الإنفاق العام لا يتجاوز 4 % رغم النقص الواضح في جميع المرافق الأساسية، خصوصاً في المناطق الداخلية .
ويضيف بن سليمان:" تفاقمت المشاكل البلدية بعد الثورة نظراً لغرق البلاد في التجاذبات السياسية، وانشغال المسؤولين بالمحاصصة والتحالفات والصراعات".

استشراء الفساد
كشف استطلاع للرأي أجراه البنك الدولي في تونس عام 2014 أن 64 % من التونسيين يعتقدون أن أعضاء مجلس بلديتهم لا يعملون من أجل تلبية مصالحهم، في حين أن 35 % من الأسر، لم تكن تعرف من هم أعضاء مجلس بلديتهم. يقول هشام ترويش، الناشط في جمعية "الأولوية للمواطن": "إن استقالة البلديات من واجبها تجاه المواطنين، أدت إلى انعدام الثقة ونشوء نوع من اللامبالاة تجاه أداء البلديات وطقمها الإداري"، بل وبلغ عدد التونسيين الذين لا تشملهم التغطية البلدية حوالى 3 ملايين ونصف المليون تونسي بحسب بيانات المعهد التونسي للإحصاء.
ويضيف ترويش: "إن أسباب تراجع الخدمات البلدية في أغلب الأقطار العربية واحدة، حيث يمثّل الفساد وغياب الشفافية في التسيير وصرف المخصّصات أحد أبرز العوامل المؤثرة في أداء البلديات. كما يمثل غياب الكفاءة معضلة أخرى، حيث أن جزءاً كبيراً من أعضاء المجالس البلدية لم يكن لهم تجربة في العمل الإداري".
ويلفت ترويش إلى أن العمل البلدي تأثر بنوع من القطيعة بين الأعضاء والإدارة في تونس، باعتبار أن الأعضاء دخلوا بعد الثورة بمنطق تغيير الإدارة واجتثاثها وفُقدت الثقة بين الطرفين، الأمر الذي كانت له آثار سلبية على سير الأعمال في البلدية.

ويوضح أن 80 بلدية من مجمل 240 بلدية في تونس تعيش من مساعدات الدولة وغير قادرة على توفير مداخيلها، في حين كشف تقرير دائرة المحاسبات أبرز التجاوزات المرصودة في سوء استخدام وسوء التصرف في المال العام في البلديات، خصوصاً على مستوى الصفقات العامة إلى جانب رصد تجاوزات في بعض المسائل التي تتعلق بمنح التراخيص واستغلال السيارات الإدارية ورخص السفر وصرف المكافآت.
ويختم قائلاً: "كانت النتيجة تفاقم ظاهرة البناء الفوضوي بمعدّل 64 %، حيث سجّلت كل البلديات تجاوزات متفاوتة الأهمية، خاصة على مستوى الأملاك العامة بسبب غياب كلّي لأعوان مراقبة التراتيب البلدية عن مباشرة مهامهم أو تغاضيهم عن تلك الأعمال بمقابل مادي".
كما ينفي ترويش مسؤولية أعوان البلدية، وخصوصاً صغار الموظفين عن الوضع الحالي، حيث ما تزال حقوقهم مهدورة، مؤكدا عدم توفّر الحماية المهنية لهم إضافة إلى الصعوبات المهنية وغياب التغطية الاجتماعية والتجهيزات الضرورية، مما أدى إلى تردي حالتهم الصحية، التي باتت مهددة أكثر مما كانت عليه بسبب تدهور الوضع البيئي للمدن، وفق تعبيره. وفي المقابل، ما تزال الأجور الزهيدة لا تتجاوز 150 دولاراً، ليذكر أن ما يشجع الرشوة أو الإهمال، هو هذه الرواتب الضعيفة التي لا تضاهي ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية.

الحكم المحليّ
تناول المعهد العربي لإنماء المدن، أواخر عام 2008، قضية اللامركزيّة ونشأة البلديات في الدول العربية بشكل كبير. حيث أشارت دراسة أعدها المعهد إلى أنّ المجتمعات العربية الأولى قد سبقت العالم في اتباع الحكم المحلي واللامركزية والديموقراطية في المجتمع القبلي، نتيجة تقاطع المصالح بين أفراد القبيلة، لينشأ مجلس القبيلة الذّي تولّى إصدار القرارات بدافع من المصلحة العامة واستناداً إلى توجّهات الرأي العام.
انعكس تطور أنظمة الحكم العربية، ونشأة الدول الوطنية، بعد منتصف القرن العشرين، على نظام إدارة الشؤون المحليّة، خصوصاً مع الانتقال من مرحلة القبائل إلى مرحلة تشكل التجمّعات الكبرى في المدن والبلدات. وتشير الدراسة الصادرة عن المعهد العربي لإنماء المدن إلى أنه بعد توسع العواصم والمدن الكبرى وتضخمها، أصبح من العسير على سلطة محلية واحدة أن تدير خدماتها بكفاءة وفاعلية، كما أن اتساع الرقعة الجغرافية للعواصم والمدن الكبرى والكثافة العالية لقاطنيها فرض نظام الأحياء والضواحي والبلديات الفرعية. هذا التطور سايرته معظم الدول العربية في تكييف إداراتها، ولم يوازه في المقابل الأداء نفسه والفاعلية على مستوى الخدمات البلدية المقدمة للمواطنين.
المساهمون