الثأر

25 مايو 2016
يعود التوتر إلى لبنان مجدداً (حسين بيضون)
+ الخط -
جريمة ثأر. انتقام. السن بالسن والعين بالعين. ارتاح الشهيد بقبره. هذا ليس أول قتيل ولن يكون الأخير. عينة من بعض العبارات التي استعادها اللبنانيّون يوم أمس، إن عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو محطات التلفزة.
استعادة العبارات لا تعني أن مبدأ الثأر تقليد بائدٌ لبنانياً. الثأر جزء من أدبيات الحاكم الفعلي للبلد، وسياسييه وفئات واسعة من المجتمع اللبناني. الانتقام فخر لبناني. الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، كان يُريد الانتقام من إسرائيل، عقب كل اغتيال يتعرّض له مسؤول فيه. واليوم يُريد الانتقام من "التكفيريين". أي سؤال حول فعل الانتقام، يُعرّض صاحبه لاتهامات بالخيانة. هل هو فعل يهدف لتطوير المجتمع؟ أم أنه مجرد إشفاء لغرائز؟ الجواب سهل. هو ترجمة لغرائز بدائية.
جوهر فكرة الانتقام تُكرّسه القوانين المحليّة. القانون الذي يعفي المُغتصِب من العقاب، إذا ما تزوّج المُغتَصَبَة، نموذج ذكوري على الانتقام المكرس قانوناً. السجون ترجمة أخرى لهذا الانتقام. لا بل يُمكن وصفها بأكثر من ذلك لسوء حالها، ونتائجها السلبية على المجتمع.
في الانتخابات البلديّة التي جرت ثلاث جولات منها، وتُستكمل يوم الأحد بجولة رابعة ونهائيّة، استطاع العامل العائلي مواجهة الأحزاب في أحيانٍ كثيرة. توحّدت العائلات بشكلٍ عشائري. حمت الفاسدين من أبنائها، تماماً كما تحمي الطوائف الفاسدين من سياسيين وموظفي الدرجات العليا.
القتل، أحد أعلى مستويات الانتقام. يُصبح الأمر أكثر سوءاً، عندما يُوضع في سياق الصراع المذهبي السني والشيعي، نتيجة انتماءات القاتل والمقتول. لا يُمكن استيعاب ردود الفعل بشكلٍ حاسم. سيخرج المتشددون من هنا ومن هناك، ويُهددون ويتوعدون. ربما يُسكتهم "الحكماء". سيُحلّ الأمر "حبياً". وفي الظلّ، سيُحضّر أحدهم لعملية ثأر أخرى.
في الأيام المقبلة، سنسمع الكثير من الإدانات لمبدأ الثأر، ودعوات لضبط النفس. سيُرددها ساسة ومسؤولون وأمنيون ورجال دين. هؤلاء بذاتهم، يتحمّلون مسؤوليّة أساسيّة في ضرب سيادة القانون. ولو راجعنا تاريخهم، لوجدنا في سجلاتهم رفضاً لإلغاء عقوبة الإعدام، أو لإقرار قانون فعال لمنع العنف ضد النساء، أو لتشريع الزواج المدني. ستجد بأرشيف هؤلاء، مطوّلات عن مديح سلاحٍ غير شرعي هنا أو هناك، أو دفاعاً عن متورّط بسرقة المال العام لأنه ابن "الملّة". ستجد الكثير مما يُدينهم، ويجعل منهم مسؤولين عن دوامة العنف التي نعيشها.