الزاحفون على أحلامنا

11 فبراير 2015
تمارس السواعد ذاتها أشكال زحف أخرى في أمكنة أخرى(الأناضول)
+ الخط -

بات التشابه صعب الإنكار، بل يكاد أن يكون بمقدار من الفجاجة يصعب الابتعاد عن تناوله، عند التعرض لمشهد أعداء الثورات العربية، أعداء الداخل بالطبع، إذ تكون الخطورة وحدية الموقف المضاد الذي يشكلونه في وجه الثورات أشد إيلاما على الثورة وشبابها مما يمكن أن يتهددها من الخارج، والأكثر شناعة في موقف هؤلاء وعداوتهم للثورة، أنهم يسوقون من المبررات ما يقنعون أنفسهم ويحاولون إقناع الآخرين بأنه الصواب، تارة بالغرف من معين المفردات الدينية، وتارة القومية، ومرة بحجج تتحدث عن "الإرهاب" ومكافحته، وأحيانا أخرى بتلقين الحديث عن الوقوف في وجه الاعتداءات والتدخلات الخارجية. وما كل هذا إلا تنويعات على مسمى واحد ووحيد، لا يمكن وصفه إلا "القتل". قتل الثورات الشعبية، قتل آمال الشباب العربي، وقتل كل من يسعى لما هو أفضل وأجمل واغتيال حلمه وتكريس الأمر الواقع ضده.

إذا ما تم النظر للحالة العنجهية، القادمة من حقب ما قبل التاريخ، وقبل أن يعرف الإنسان معنى للسياسة، ومعنى للمدنية والتعدد والمواطنة، القائمة في اليمن اليوم، فلا يشك ناظر بأن ما يعتمل أرض اليمن، إنما هو العربدة بأكثر وجوهها فجاجة. "زحف" غادر لاقتحام مدن ومحافظات لم تقل إلا لا للطائفية، ولا للعودة إلى حكم الطوائف والمليشيات، ولا للتدخل الخارجي، بما تمثل شعارات الرفض هذه من لقاء مع طموح من هبوا في فبراير/شباط قبل أربعة أعوام من اليوم، رافضين التسلط، ثائرين عليه وعلى آلته الأمنية وألعابه التفتيتية، مصرين على وحدة اليمن، الأرض والشعب.

وما أقرب الأمثلة، وما أوضح التقارب، فمن مارس الزحف والتموقع في ساحات وشوارع بيروت يوما، بحجج لا تزيد عن الرغبة والحلك بالاستحواذ، وفق قاعدة "كل ما هو ليس في صالحي، هو الشر المطلق". لنجد السواعد ذاتها، تمارس أشكال زحف أخرى، أكثر دموية، وأكثر "تشبيحا" نحو الشرق من بيروت، داخلة أرض من ثاروا فقصفوا واقتلعوا، واقفة سندا مؤازرا، بل ويدا سباقة، على يد محترف القتل المتسلط على شعبه ببراميل الموت التي يمطر بها شعبا عزيزا، أصر على إذلاله وإنكار ثورته.

وفي أمكنة ليست ببعيدة أيضا، هناك من نصب نفسه واليا وليا وحاكما بأمر الله "كما يدعي"، مقيما دولة باسم الإسلام، إسلامه هو، الدم شعارها، ليشكل حلفا أسود مع أشد دكتاتوريات العصر قتامة أمنية وعنصرية، ممارسا كل ما يمكنه، مستغلا كل ما أوتي من قوة، ليحارب من يحاربون حليفه في التسلط والدم.

وإن كانت هذه أمثلة على ما يمارس بحق ثورات الشباب العربي في اليمن وسورية، إلا أن هذا لا يعني حصريتها، وإن اختلفت المسميات، لكن الدلالات والجوهر واحد في غير مكان عربي. فمن خرج ليمارس أحد طقوس هواياته وجد نفسه مقتولا منكلا به في شوارع المحروسة، بكيد ثأري ضد جمهور "الأولتراس"، وكأن شباب يناير يجب أن يتحمل نزعات العسكر الثأرية حتى آخر قطرة دم في جسد آخر ثائر.

وليس بعيدا عن محروسة "الأولتراس"، هناك، واليوم، بعد أول انتخابات ديمقراطية، رئاسية وبرلمانية، في أرض "الفيراج" من يحاكم عسكريا من نشطاء الثورة، بدعوى انتقاد المؤسسة العسكرية، بينما من يستحق المحاكمة العسكرية، والمواجهة الحقة، يتبختر في الأرياف والجبال حول العاصمة تونس، مهددا مجتمعا بأكمله، بل والدولة بكامل قوامها بإرهابه واستعراضاته الدموية التي يستوردها من أمرائه من الدواعش الذين حلوا مجرمين ثقال الظل في أكثر من بلد عربي، وعلى صدر أكثر من ثورة.

ماذا بعد؟ ولماذا؟ وكيف؟ تساؤلات تطرح حول الحالة الدموية التي مني بها ربيعنا، دون أن تبرئ حلبة التسلط والاستبداد من واقع الدم الذي فرض على من حلموا فثاروا.

راسلونا على: jeel@alaraby.co.uk

المساهمون