العصفور الأبيض... صباح الخير (3)

17 سبتمبر 2018
+ الخط -
أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
ما زال صوت عصفوري الفرحان بالأمس في أذني وهو يصيح أنا فرحان ويرددها حتى اختفى عن ناظري.. ولكن أين عصفوري؟ ما لي لا أسمع شدوه. أسرعت إلى النافذة حيث مكانه المعتاد ولكن يا للعجب، إنه ليس في مكانه الذي لم يتخلف عنه في الصباح مذ عرفته وتصادقنا.

طال انتظاري فناديت طيراً في السماء؛ أين عصفوري الأبيض، فقال متجهماً لقد طار مع عصافير الغابة إلى غابة أخرى بعيدة جداً أشجارها لم تُقطع حتى يبنوا لهم أعشاشا، وأيضاً مشيت البطة لتبحث عن نهر آخر غير الذي جف لتستطيع العيش وتكون لها أفراخ غير التي ماتت، أما أنا فسألحق بباقي إخواني الطيور الذين مروا مثلي من هذا المكان ليقدموا بعض الطعام للعصافير، فإذا بالصقر الحاكم يرسل حاجبه، فأخذوا منا الطعام على أن يسلموه للعصافير التي هاجرت.

جلست حزينا على فراق عصفوري وبني جنسه من غابتنا، فكم أسعدونا بشدوهم، وكم أعطونا من خيرهم، وكم أكلنا من لحمهم وهم راضون غير متذمرين، والبطة أيضا ذهبت.. يا له من يوم حزين.


نزلت من بيتي وفكري مشغول تتملكني الشجون، ولكن ما هذا، ما الذي تراه عيني، إن عصفوري الأبيض وقع على الأرض وهو يتنفس بصعوبة من شدة التعب.. يا لهول ما أرى! باقي العصافير تتساقط بجانبه متعبة.

برهة يسيرة حتى قام عصفوري والآخرون واتخذوا وضع الطيران، فقلت لهم ماذا حدث وإلى أين تذهبون قبل أن تخبروني ماذا حدث، فقال عصفوري الأبيض: الحمد لله على نعمة وجود الصقر ليحكمنا، فلولاه لكنا الآن جميعاً إما متسولون أو مساجين أو قتلى.

قلت مندهشاً: لماذا؟ قال عصفور من العصافير: تركنا غابتنا التي تربينا فيها بعد قطع أشجارها وهدم أعشاشنا، باحثين عن غابة أخرى نبني عليها أعشاشنا، وعندما وصلنا إلى نهاية حدود غابتنا، فوجئنا بعدد كبير جداً من جنود حاكمنا الصقر ينتفون ريشنا ويجرحون لحمنا فمات بعضنا وعدنا نحن أدراجنا إلى حيث مقر حاكمنا الصقر، ولكنه بعد أن تفحص الجروح بأجسامنا، والريش المنتوف من على ظهورنا ضحك ضحكة عالية، وقال: الحمد لله يا أولادي أن عدتم سالمين. لقد خفت أن يتخطفكم الطير إذا خرجتم من أرضكم وتركتم غابتكم.

فقلنا: ولكن أين ستقام الآن بيوتنا ومن أين نأتي بطعامنا؟ فقال: دعكم من الكلام الكثير، ليس يعنيني كم منكم مات، وليس مهماً البيت، وليس ضرورياً الطعام.. المهم أنكم عدتم سالمين.

قال العصفور مسترسلاً مبتسماً، والعصافير حوله فرحين مبتسمين: فعلاً وجود الصقر حاكما لنا نعمة كبيرة.. فلولاه لمات منا الكثير.

وقبل أن أنطق بكلمة سبقني العصافير قائلين بصوت عالٍ جداً جداً جداً: عاش الصقر حاكماً لنا.

ها هي البطة التي مات فراخها بعد خلو النهر من مائه تعود أدراجها كذلك وهي تجر رجلها وتهتف مع الجميع: عاش الصقر حاكماً لنا.. عاش الصقر حاكماً لنا.. عاش الصقر حاكماً لنا.. عاش الصقر حاكماً لنا..
59257FF4-4542-4A2B-849A-E42302D56A06
مجدي جودة

مستشار قانونى ومحام.. لى مؤلفين بدولة قطر أولهما المحاماة بين الماضى والحاضر، والثانى القضاء بين الشريعة والقانون.أحلم بوطن يسع الجميع لا إقصاء فيه لأحد ولا تمييز لأحد على حساب أحد.