تونس... امتحان تلو الآخر

15 فبراير 2016
+ الخط -
لا تكاد التجربة التونسية ترفع رأسها، وتتنفس قليلاً، حتى يظهر امتحان جديد. يبحث التونسيون منذ سنوات، عن هدنة صغيرة، تمكنهم من التقاط الأنفاس ورصد التجربة وتقييمها في هدوء. مهلة أشهر فقط، بعيداً عن الضغط المسلط على الجميع، دولة ومؤسسات وأحزاب ومواطنين. بضعة أشهر فقط تمكّن من فهم ما جرى، وما يجري، بلا ضغط دولي ولا قرارات فورية تتعامل مع الشأن العام بمنطق يوميّ، يكفي لسدّ رمق ليلة واحدة، لتعود ذات القضايا في صباح اليوم التالي على مكاتب وزراء أصبحت مهمتهم الوحيدة إدارة الأزمات التي تطلع عليهم من كل مكان. بالكاد يبدأ التونسيون في نسيان ضربة من ضربات المجموعات الإرهابية، حتى تبادرهم أزمة سياسية داخلية، وما إن تهدأ، حتى تنفجر سلسلة احتجاجات اجتماعية، وإذا نجحت في تهدئتها مؤقتاً، باغتتهم استحقاقات التغييرات الحكومية.

بدأ التونسيون يعتادون على نسق الحياة السياسية الجديدة، ومتطلباتها، بكل أوجاعها ولذاتها، غير أن ما لم يكن بحسبان الدولة ولا أحزابها، ما فرضه عليهم مصاصو الدماء: حرب جديدة على أبوابهم، تستهدفهم بذات الدرجة التي تستهدف بها ليبيا. وبمجرد أن بدأ "المجتمع الدولي" في تسخين الأجواء تمهيداً لحرب وشيكة في ليبيا، دبّ الخوف في صفوف الجميع؛ دولة لا تستطيع أن تتنصل من واجبها نحو الأشقاء، وأحزاب مناضلة تعي أن الدمار في ليبيا هو دمار للمنطقة بأكملها، ومواطنون لا حول لهم ولا قوة، يعرفون أن رغيف الخبز سيُصبِح أغلى.

غير أن كل هذه التحديات مقدور عليها، وسيلجأ التونسيون إلى صبر أصبح رياضتهم المفضلة، وسيتسع المكان للجميع، على ضيقه، غير أن الخوف هو أن تكون تجربتهم الوليدة في مرمى القناصين، فقد ذاق التونسيون طعم الحرية، ولذّة التعبير عن الرأي، وأصبح بإمكان أضعف مواطنيها أن ينتقد الرئيس والحكومة والأحزاب وكل الدنيا، من دون أن يعترض أحد. الخوف كل الخوف، أن تكون تونس مرة أخرى وحيدة في مواجهة مصيرها، وأن تواجه كل هذه الامتحانات المتتالية وحدها، وأن تتعرض تجربتها للخطر، غير أن التونسيين سيعرفون كيف يحمون حريتهم، فقد قال شاعرهم ذات يوم، "إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر".