حمدين حركات والأنا المزيفة

11 مارس 2016

حمدين صباحي.. ما حيلته أمام أناه؟ (Getty)

+ الخط -
يقول الحكيم الهندي أوشو "إن للأنا المزيفة حيلاً يدركها تماماً". والصنعة في العمل السياسي غالباً ما تكون مزيفة، فما بالك وصاحب الصنعة قد دخل سابقاً تجارب تزييف متعمّدة، مع سبق الإصرار والترصد، على الأقل، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأدت تلك التجارب إلى قتل مئات في مذابح شهد عليها التاريخ، فبات صاحب هذه الذات المتلوّنة عرضةً لكل تزييفٍ يستجدّ أو ينبت في جسد العمل السياسي، هذا إذا كان ما يمارسه حمدين هو سياسة أصلاً، وليس استعراضاً سياسياً أو سياسةً بالوكالة عن العسكر.
حمدين المشتاق دائماً للسلطة، وكأنها وجاهةٌ موروثةٌ لا بد أن يكون له فيها من نصيب، والمنتظر دائماً في شبّاك صنعة السياسة، كي يطلّ على الناس دائماً، محبة لعدم النسيان، وخوفاً من أن يفتقده الناس، أو يفقد بريق وجوده في مشهدٍ مرتبك، كان هو صاحب المعول الرئيسي في إرباكه. وبعد أن نام سنةً صامتاً على المذابح، والدماء تنهمر في الشوارع من أجساد أناسٍ وشبابٍ، عاد وارتضى لنفسه وتاريخه أن يكون وصيفاً مزيفاً في انتخاباتٍ رئاسيةٍ، هو يعرف نتائجها سلفاً، كما قال هو بنفسه، فهل الأنا المزيفة ترتضي لنفسها أن تكون ديكوراً؟ نعم، وأكثر من ذلك، وعلى الرغم من ذلك، كانت النتائج أكثر خيبة له من كونه ارتضى بالوصيف، لأن أصواته جاءت تاليةً للأصوات الباطلة، كي تزيحه، حتى عن شرف الوصيف، وذلك إمعاناً من السلطة في تزييفه داخل المشهد.
فهل أحسّ حمدين، كأنا، بذلك، حتى وإن أحسّ فالمنتحر بأناه التي أصابها الزيف لا تهمه النتائج، بل يتعدد الزيف حتى يتناقض بعضه على بعضه. ولكن، يظل الرجل في الشبّاك، منتظراً ريحاً مواتية.. ريحاً جديدة على المشهد، حتى وإن أحدثت للأنا مزيداً من التزييف. وهكذا إلى ما لا نهاية، فماذا يريد حمدين من الإطلالة الأخيرة، هو كما قال يريد وضعاً مدنياً، بدون أن تكون جبهة إنقاذ، ونسي حمدين أنه أعد وكوّن جبهة إنقاذه التي نسيتها أناه ضد أول رئيس مدني منتخب للبلاد، ثم وقف وسط جبهة إنقاذه تحت حماية الجيش، من ميدان التحرير حتى قصر الاتحادية، ثم عمل لعسكري وصيفاً صوريّاً. والآن، بعد سنةٍ ونصف، يريد رئيساً مدنياً، فهو الذي طبخ الطبخة، والآن يتبرأ منها! فأي حمدين نصدّق، الكاره أول رئيس مدني أم الذي يطالب الآن برئيس مدني؟
فما حيلة حمدين أمام أناه، وما حيلته أمام شبّاكه الذي أهانه، وحرمه حتى من أن يكون وصيفاً لضابط. الآن، يطل، مرة أخرى، من شبّاكه، علّ، هذه المرة، تتعطف عليه الأقدار بريحٍ طريّة تأتي للرجل بما يشتهيه. فهل من (أنا) أخرى غير مزيفة، حتى بعد الستين، تنقذ هذا الرجل من ذلك المرض اللعين، مرض انتظار السلطة، ومرض النظر إلى عسل السلطة ووجاهتها وقصورها، إلى درجة أنه وعد الفقراء والثّوار بأنه سوف لا يدخل قصر الاتحادية، إلا مع أم الشاب خالد سعيد، ثم بعد سنة وشهور، صار وصيفاً صورياً للضابط، وحوّل أيضاً أم خالد سعيد إلى ضيفة دائمة على قنوات رجال الأعمال، ومرحبة بشدة بحكم ضابطٍ قضى تماماً على دماء شباب الثوّار، ومن لم يمت رماه في السجن، ونسي تماماً الحديث حتى عن أحمد دومة، فأي حمدين نصدّق؟ هل نصدق حمدين صاحب الملايين الخمسة التي ظل يتباهى بها أمام أول رئيس منتخب شرعي، كان يدعوه شهوراً، سراً وعلناً، إلى الحوار والعمل معاً لإنقاذ البلاد، أم حمدين الذي صار متدارياً في الصفوف الخلفية في افتتاح قناة السويس، إمعاناً طبعاً، من السلطة، في مزيد من الإذلال لتلك (الأنا). الغريب أن الرجل كان جالساً يضحك في الصفوف الخلفية، وقد نسي تماماً ملايينه الخمسة التي حصل عليها في أول انتخاباتٍ نزيهةٍ في تاريخ مصر. الآن، انفضّت عنه ملايينه الخمسة، بعدما صار وصيفاً صورياً غلبته الأصوات الباطلة عدداً، ولكن الملهوف للسلطة لا يرتدع أبداً بشيء، لأنه، ببساطة، لن يتعقل كلمات الحكيم الهندي أوشو، حينما يقول له: إذا كان تفكيرك ممتلئاً بالأحلام، فلن تستطيع الرؤية بشكل واضح، ولن يسمعه أيضاً وهو يقول له: أنت تتحرّك في الماضي الميّت، أو المستقبل الواهن، الماضي لن يعود، والمستقبل لن يحدث الآن.
فهل يستمع حمدين للحكيم أوشو، أم سوف يواصل حركاته؟