خليك في حالك!

08 يناير 2015
عمل لـِ(سواركو أيفوكير)
+ الخط -

بعدما بدأت الفرقة بين مَن شاركوا في الثورة، ظهر نقد كل طرف للآخر، وكانت الإجابة المعدّة للناقد، خاصة الطرف الأقوى، "خليك في حالك"، والحق أن مَن توجه إليه النقد لو كان انتبه لحاله وتصرفاته، وعزل نفسه "جزئياً" عمّا حوله من مؤثرات، لكان الإنتاج والأداء مختلفاً، إلا أن كل طرف كان يعمل وعينه على غيره وما يحققه من مكاسب، أو ما يبتغي فرضه من آراء وتوجهات على المجتمع فصار الفكر والأداء والإنتاج مشوشاً.

كان النقد مرفوضاً والرغبة من الجميع لتحقيق المكاسب أعمتهم عن مكسب الوطن، وأمْثل الجميع طريقة من اعتقد أن رؤيته هي الأشمل والأوفق لصلاح البلد ولا بد من جبْر المجتمع عليها، فعاند المجتمع ورغبته في "الاستقرار" على أمل تحقيقه في ما بعد، ولكنه لم ينتبه لطريقة الإنجاز.

كل طرف "الانتهازي والمتعجل" عندما كان يوجه له النقد أو النصح يرد بأنه أدرى بما يصنعه و"كل واحد يخليه في حاله"، وكأنه وحده القادر على معرفة الصواب وسبل تحقيقه، ولم يقْدر أحد على الالتزام "بالحد الأدنى" من التكاتف الذي كان بالميدان، فاستمراره غير متصوَّر لما أصاب الجميع من تشوهات فترة مبارك، بخلاف التشوهات الذاتية في المعارضة، لكن وجود من يقدر على الحفاظ على بعض منها وكذلك لو كان أحد استمع للنقد الموجّه له باعتباره نصحاً لا هجوماً، لما صرنا لذلك الواقع المرير الذي أصاب الثورة في ما حلمنا بتحقيقه بل حتى في ما تحقق وفقدناه.

استدعاء ذلك الكلام ليس لجلد الذات ولا البكائيات، بل لأن الحال لم يتغيّر بعد؛ فكل طرف حتى الآن يتحرك ولا يريد الالتفات لما يكسر الحالة الراهنة ولا يلتفت لنصح، بل أصبحت الشعارات المرفوعة، أن يتحرك كل واحد كما يريد "كل واحد في حاله"، وأي ممارسة خاطئة تصدر عنه يرفض النصح فيها ويرى ذلك تدخلاً في شؤونه باعتبار أنه لم يتدخل في شأن غيره، ولم يعد مقبولاً أن يُطالب أحد بالسكوت "ويبقى في حاله" ولْيفعل الآخر ما يشاء، فلو كان نقدنا للأطراف الوطنية داخل الإخوان أو جبهة الإنقاذ أو التيار الثالث أشد ممّا كان، فلربما ما وصلنا لما نحن فيه، ولو كانت تلك الأطراف تريد أن تصم آذانها ففضح ممارساتها يجعلها تعيد الحسابات ولو قليلاً، وأي ممارسة خاطئة قد تزيد من استتباب الوضع الحالي تحتاج لوقفها بأي وسيلة، فحالة الوطن لم تعد تحتمل تصرفات المراهقين وسلوكيات الأطفال، وكذلك الحراك الآن يحتاج للتوقف عن حالة التفرّد وينتقل للترشيد أو الدفع إذا استدعى الأمر أياً منهما.

في الهدي النبوي نجد ما يعالج تلك الحالة الاجتماعية المتردية، قوله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقاً ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعاً، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعاً"، إلا أن أحداً لم يمْتثل لهدْي اجتماعي وسياسي قبل كونه شرعياً، حتى من زعموا أنهم حَمَلَتُه، فلما أرادوا أن يخرقوا الخرق في سفينة الوطن ونُصحوا، أبوا النصح وكأن النص لا يتدارسوه ليل نهار، واستنكفوا عن قبول النصح ممّن هم "دونهم"، وكذلك من ادّعى حمايته للحريات، سحقها لأجل خرافات ملكت عليه كيانه، واليوم يُسحق على يد من حنى له ظهره.

النصح وقبوله لم يعودا رفاهية لأي طرف، وفلسفة "خليك في حالك" أضرت بصاحبها قبل ضررها بالمجتمع، وكذلك من في السلطة الآن يرفعها شعاراً يبيع به الوهم لأنصاره باعتبار "المعركة" التي يخوضها "وطنهم"، وإحدى خطوات التغيير التعامل بمبدأ حديث أصحاب السفينة.


*مصر

المساهمون