عندما يصفق نواب الأردن لعجزهم

07 يناير 2015
حادثة تمثل تسليماً علنياً من قبل النواب بعجزهم (الأناضول)
+ الخط -
صفق أعضاء في مجلس النواب الأردني، مساء الأحد الماضي، لزميلهم محمد الحجوج، حين قال: "عظم الله أجركم. لن يكون لنا قرار فيما اتخذته الحكومة. وقلة الحكي حكي". التصفيق جاء أثناء مناقشتهم قرار حكومة بلادهم رفع أسعار الكهرباء، وترافق مع شهادات مؤيدة من المصفقين لما أعلنه زميلهم، عبر قولهم "معك حق" و"أنت بتحكي الصحيح".

حادثة تمثل تسليماً علنياً من قبل النواب بعجزهم عن مواجهة قرارات حكومة بلادهم، وفشلهم في ثنيها عن قرار رفع أسعار المحروقات، الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، رغم مطالبهم السابقة بتجميد القرار، ثم لاحقاً التراجع عنه. وهي المطالب التي لم تلق آذاناً مصغية من الحكومة، التي أعلنت مسؤوليتها الكاملة عن القرار، تاركة للمجلس "العاجز"، حق استخدام أسلحته الدستورية في الرقابة على الحكومة، وهي الأسلحة التي أثبت المجلس عجزه عن استخدامها رغم إشهارها الدائم في وجه الحكومة.

السلاح الأقوى الذي يمتلكه النواب لمواجهة الحكومة يتمثل في قدرتهم على طرح الثقة بها، وهو ما ينظمه دستور بلادهم في المادتين 53 و54. وتنص الفقرة الأولى من المادة 53 على أنه " تعقد جلسة الثقة بالوزارة أو بأي وزير منها إما بناءً على طلب رئيس الوزراء وإما بناءً على طلب موقع من عدد لا يقل عن عشرة أعضاء من مجلس النواب". فيما تحدد المادة 54 عدد النواب الواجب لحجب الثقة عن الحكومة، وهي تنص على أنّه "إذا قرر المجلس عدم الثقة بالوزارة بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه وجب عليها أن تستقيل". والأكثرية المطلقة المطلوبة هي 76 نائباً، من أصل 150 عدد أعضاء مجلس النواب.

خلال جلسة الأحد الماضي، تحدث 80 نائباً أعلنوا جميعهم معارضتهم لقرار رفع الأسعار، وهدد غالبيتهم بسلاح حجب الثقة عن الحكومة، ووقع 24 منهم على مذكرة لطرح الثقة، غير أنّ الجلسة رُفعت بسبب فقدان النصاب القانوني الواجب توفره لاستمرارها والمحدد بـ 76 نائباً، ما يؤشر على عدم جديه النواب أو عجزهم عن إسقاط الحكومة التي وصفوها بـ "حكومة الجباية ورفع الأسعار".
عجز مجلس النواب بدا واضحاً عندما انتقل عدد من أعضائه في مداخلاتهم من جلد الحكومة إلى جلد الذات، فتكرّرت على لسانهم عبارات من قبيل "لو كنا رجالاً لأسقطنا الحكومة"، و"دعونا نطرح الثقة بالحكومة، ونكشف ضعف مجلسنا". فيما ذهب آخرون إلى حدّ اتهام زملاء لهم بالتآمر على المجلس بتعليمات مباشرة من الحكومة، وبلغ اليأس بآخرين أن علقوا حضورهم للجلسات كي لا يكونوا شركاء في جريمة العجز.

قوة الحكومة أو عجز النواب له أسبابه؛ فالمجلس الذي طغى الدور الخدمي لأعضائه على دورهم التشريعي والرقابي، يجد نفسه في حاجة دائمة للحكومة، التي تملك أمر تسهيل تنفيذ طلباتهم الخدمية كي يغازلوا فيها قواعدهم الانتخابية، والعودة مجدداً إلى قبة المجلس في الانتخابات المقبلة، وهو ما تجيد حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور استثماره أفضل استثمار، لتكون جيشاً من النواب الذين يعملون على إسنادها وضمان بقائها وتمرير ما تريد من قوانين، مقابل تسهيل ما يريدون من خدمات.
ويزيد من قوة الحكومة، وعجز النواب، ائتلاف نيابي أعلن عن تشكيله الشهر الماضي، يضم 82 نائباً، يحمل على عاتقه دون أن يعلن ذلك صراحة، حماية الحكومة وضمان تمرير سياساتها، وهو الائتلاف الذي أصبح محل نقد من قبل النواب المعارضين لبقاء الحكومة سرّاً وعلانية.

وليست المرة الأولى التي يلوح فيها النواب بإشهار سلاحهم، الذي باتوا يدركون عجزهم عن استخدامه. إذ سبق لهم أن طرحوا الثقة بالحكومة خلال الدورة العادية الثانية للمجلس التي انطلقت مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني، على خلفية صفقة استيراد الغاز من إسرائيل.
وثبت عجز النواب عن استخدام سلاحهم بشكل صارخ في مارس/آذار الماضي، عندما قرروا بالإجماع طرح الثقة بالحكومة احتجاجاً على عدم تنفيذ توصياتهم بقطع العلاقات مع إسرائيل وإلغاء معاهدة السلام الاردنية الإسرائيلية، التي اتخذوها للردّ على اغتيال إسرائيل للقاضي الأردني رائد زعيتر أثناء توجهه لزيارة مدينة نابلس في الضفة الغربية، إذ إنّهم فشلوا يوم التصويت في إسقاط الحكومة التي حصلت على ثقة 81 نائباً.