وخرجت بنقردان، جنوباً، مرة أخرى تسأل بالصوت العالي: هل من مجيب؟ وجاء صدى الصوت من فرنانة، شمالاً، إذ انتفض الأهالي، وقطعوا الطريق في انتظار مسؤول لم يأتِ بعد، ورفضوا أي حوار مع المسؤولين المحليين، لأن لا حول ولا قوة لهم. وهددوا بالعودة بعد العيد إذا لم يتحول وفد وزاري من العاصمة ليبحث مشاكل هذه المدينة المعزولة. وعندما سئل أحد شبابها عن المشاريع الموجودة في المدينة العطشى، على الرغم من مياهها الكثيرة، أجاب بكثير من السخرية، لدينا دكان ومقاهٍ كثيرة.
وفيما كان الناس البسطاء يسردون آلامهم على قنوات التلفزيون، لعل سيادة المسؤول يسمع ويتحرك، وينصت لمن انتخبوه أملاً في شيء ينجزه، كان كبار المسؤولين في تونس يتبادلون التهم بلغة تعيسة على صفحات التواصل الاجتماعي. وتابع التونسيون معركة بائسة بين مستشار الرئيس وبعض قياديّي حزب مشروع تونس، بسبب إشاعة مرض الرئيس الباجي قائد السبسي، ومن أطلقها. وكأن التونسيين مهتمون بصحة أي مسؤول إذا لم يكن في خدمتهم، أو بمحترفي الإشاعات ومروجيها، بينما تحتال العائلات لإنهاء شهرها بأقل ديون ممكنة.
وفي غمرة كل هذه الأحداث، يسأل التونسيون عن نخبتهم السياسية، ووعيها وإحساسها بآلام الناس ومشاكلهم، بينما التزم الجميع بأماكنهم في العاصمة، ولم يغامر منهم إلا القليل بالتوجه إلى المدن المنتفضة، ولم يكلفوا أنفسهم بشيء سوى بكلمات بسيطة على الفيسبوك، وكأن الفيسبوك هو الذي انتخبهم أو سينتخبهم. وعندما ستقترب الانتخابات، سنراهم من جديد بخطاباتهم ووعودهم الزائفة يلفّون الشوارع والقرى، بحثاً عمن يصفّق، لكن العتب سيكون على الشعب، وإذا ما كان سيتذكر كل هذه الأيام الصعبة.