لا تختلف أجواء شهر رمضان المبارك عند اللاجئين الفلسطينيين المسنين، في مخيم برج البراجنة، في ضاحية بيروت الجنوبية، عن مثيلاتها في مناطق أخرى من العالم، إلا أنها تتميّز عند "أطفال النكبة"، الذين تجاوزوا الـ75 من العمر، بتمسكهم بأرضهم وقضيتهم الفلسطينية في هذا الشهر أكثر من أي وقت من العام.
"أطفال النكبة" الذين هُجّروا من أرضهم على أيدي العصابات الصهيونية قبل حوالي 67 عاماً، ما زالوا صامدين في مخيمات اللجوء الفلسطينية في لبنان، ومنها مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت، الذي يضم بين جنباته "دار الشيخوخة النشطة"، التابع لـ"جمعية الدعم الاجتماعية"، المتخصصة بتقديم الخدمات المختلفة للمسنّين والمسنّات، في المخيم، خصوصاً خلال رمضان المبارك.
يمكن لزائر الدار، أن يشم رائحة العبق الفلسطيني، وأن يلمس تمسك هؤلاء المسنين بقضيتهم. فالمفاتيح التي ترمز للعودة إلى الأرض، ما زالت تزيّن الجدران، إلى جانب الأعلام الفلسطينية، وصور من رحلوا عن هذه الحياة، وكانت أقصى أمنياتهم أن يدفنوا في أرضهم فلسطين.
قبيل وقت الإفطار، وطيلة أيام الشهر الفضيل، تتجمع حوالي 25 مسنة في مقر الدار، حيث يشاركن في تحضير الطعام، الذي يتناولونه مع أذان المغرب، في أجواء من الألفة والمحبة ممزوجة ببساطة "أطفال النكبة"، وحرقة البُعد عن الوطن.
وحول طاولة الإفطار تتجمع المسنات، اللواتي يُرى في وجه كل واحدة منهن قصص المقاومة والصمود والأمل بالعودة، يتناولن الإفطار في جلسة هي "الأجمل"، بحسبهن، بعضهن لا يتمكن من الحضور إلى الدار بسبب المرض، فتقوم المشرفات بإيصال الطعام إلى منازلهن قبيل الإفطار بدقائق.
نوال الجمل، إحدى مؤسِّسَات الدار والمشرفة فيه، منذ تأسيسه عام 2006، تحدثت عن ارتباط المسنين الفلسطينيين اللاجئين بأرض فلسطين، مشيرة إلى أن إحدى المسنّات هجّرت من فلسطين بعد أن قتل زوجها على أيدي العصابات الصهيونية، وهي اليوم في الـ95 من عمرها، تتمسك بجملة وحيدة ترددها دائماً "أنا مستعدة للعودة إلى فلسطين الآن حافية القدمين".
وأوضحت أن "الجميع عامة وفي الدار خاصة يتمنون لو أنهم يصلون إلى أرض فلسطين ليموتوا فيها ويدفنوا هناك.. المهم أن نعود إلى أرضنا"، واصفة تمسك المسنين والمسنات بقضيتهم وأرضهم بـ"الغريب والقوي". وأشارت إلى أنهم يطلقون على هؤلاء المسنين لقب "أطفال النكبة"، حيث إن معظمهم أتوا إلى لبنان وهم بأعمار دون العاشرة، أي كانوا أطفالاً.
كما شددت على أن أهم ما تركز عليه الدار والمسنون "الأنشطة الوطنية التي نحيي من خلالها المناسبات الفلسطينية كافة. فنحن نهتم كثيراً بالتراث الفلسطيني الذي يحفظه المسنون بكل تفاصيله"، لافتةً إلى أنّ "التراث الفسطيني حاضر بقوة خلال رمضان المبارك، وذلك بالمأكولات الفلسطينية التي نحافظ على وجودها دائماً على مائدة الإفطار".
وأشارت الجمل إلى أنّ المشكلة الأبرز التي تواجهها الدار "تكاليف العلاج الخاصة بالمسنين"، وأنّ "تأمين جزء من هذه التكاليف يتم من خلال بيع بعض الأشغال اليدوية لزوارنا".
بدورها، اللاجئة الفلسطينية مريم شرقية، من عكا (شمال فلسطين)، قالت: "أجواء رمضان هنا تذكّرنا بقضيتنا وبأسرانا"، مشددة "نحن نزرع في أطفالنا حب الوطن والأرض وعدم التخلي عنها مهما حصل ومهما طال الزمن". ووصفت الأجواء الرمضانية في الدار بأنها "أجواء جميلة جداً"، مضيفة أن "هذه أجمل سنة عندي، فنحن مجموعة نشعر بالأخوّة في جَمْعَة مباركة، وكل شيء تمام".
اقرأ أيضاً: بيسان في ذاكرة أهلها