تدمير إسرائيلي ممنهج لمقومات العيش في غزة... تجريف واسع للاقتصاد

29 سبتمبر 2024
طفل ينتظر الحصول على طعام تقدمه منظمة خيرية في رفح، 16 مارس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدمير شامل للبنية الاقتصادية: الاحتلال الإسرائيلي دمر 70% من المنشآت الصناعية والتجارية في غزة، مما أدى إلى شح السلع وارتفاع الأسعار نتيجة إغلاق المعابر.
- تأثيرات كارثية على الحياة اليومية: الهجمات تسببت في نزوح الفلسطينيين وتدمير مصادر رزقهم، مثل مشروع نافذ شويخ لتصنيع الأثاث ومحلات عبد الرؤوف وشاح للملابس.
- انعكاسات اقتصادية واجتماعية خطيرة: خسائر القطاع الصناعي تجاوزت ملياري دولار، وتراجع الإنتاج بنسبة 92%، مما أدى إلى زيادة البطالة والفقر بشكل كبير.

يتعمد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان على قطاع غزة اتخاذ إجراءات مباشرة وغير مباشرة، تهدف إلى تدمير الاقتصاد الفلسطيني وأعمدته الأساسية المتمثلة في القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية، من خلال القصف والتدمير والتجريف الذي طاول ما يزيد عن 70% منها.

ومنذ اليوم الأول للعدوان بدأ الاحتلال الإسرائيلي بتدمير المنشآت السكنية والمباني المدنية والأبراج التي تضم المحال التجارية ومقار الشركات، كذلك تدمير وتجريف المنطقة الصناعية التي تضم مئات المصانع التي توفر العديد من المنتجات للسوق المحلي أو للتصدير خارج القطاع، الأمر الذي ألقى بظلاله الكارثية على مختلف الجوانب الاقتصادية.

وشهدت الأسواق كذلك حالة واسعة من التدمير وتجريف المحال التجارية المتراصة بما فيها من بضائع بالتزامن مع الإغلاق التام للمعابر ومنع دخول أي بضائع بديلة، ما خلق حالة من الشح الشديد في مختلف السلع، خاصة في ظل تدمير المخازن التي تضم الكميات اللازمة لرفد المحال والتجار الثابتين والمتجولين والبسطات الشعبية المنتشرة في الأسواق.

وكان للقطاع الزراعي النصيب الأكبر من التدمير الممنهج الذي أصاب مختلف مقومات الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة، من خلال تجريف الحدود الشمالية والشرقية للقطاع والتي تشكل بمجملها السلة الغذائية للمواطنين، ما تسبب بمجاعة حقيقية ونقص شديد في الخضروات والفواكه وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق، كما شهد القطاع السياحي تدميراً واسعاً من خلال قصف وتدمير وتجريف الفنادق والمطاعم والمنشآت السياحية والترفيهية على طول الخط الساحلي غرباً.

وينعكس الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للقطاعات الاقتصادية وفي مقدمتها القطاع الصناعي على السوق المحلي بفعل الاعتماد عليه بشكل كبير في توفير البضائع والمتطلبات الأساسية، كالملابس والمواد الغذائية والألبان والأجبان والعصائر والأغطية والأقمشة والأخشاب والمستلزمات المنزلية والمطبخية، كذلك الأدوات الصحية ومواد التنظيف والتي تشهد جميعها حالة شديدة من النقص والارتفاع الجنوني في الأسعار نظراً لزيادة الطلب وقلة العرض.

يقول الفلسطيني نافذ شويخ وهو صاحب منجرة لتصنيع الكنبات والأثاث المنزلي إنه أجبر على النزوح في الشهر الثالث للحرب بسبب تواصل التهديدات الإسرائيلية والصعوبات المعيشية التي بات يفرضها العدوان والتي من أقساها حالة التجويع ونقص مختلف المتطلبات المعيشية اليومية.

يلفت شويخ في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه فقد عمارته السكنية في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة جراء قصف إسرائيلي مباشر، بما فيها من ماكينات قص وتجميع وسنفرة وتشكيل ودهان، موضحاً أن القصف لم يدمر مشروعه فقط، وإنما قطع أرزاق عشر أسر كانت تقتات منه، إلى جانب حرمانه السوقَ المحلي من منتجاته التي كانت تضاهي المنتجات المستوردة.

يشير شويخ إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يهدف من وراء استهدافه المباشر لمختلف القطاعات الاقتصادية وأبرزها القطاعات الصناعية إلى تركيع الشعب الفلسطيني والتنغيص عليه وخنقه، من خلال قطع مصادر رزقه، وتدمير آماله وأحلامه ومشاريعه التي بنيت بالتعب والعرق، إلى جانب تعطيش السوق لكل البضائع من خلال إغلاق المعابر وإحكام الحصار.

أما المزارع الفلسطيني خليل فضل وهو من سكان حي الشجاعية شرقي مدينة غزة فتعرض لخسارة مزدوجة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، حيث لم يتمكن من الوصول إلى أرضه المحاذية للحدود الشرقية للعناية بالأرض والطيور، ما تسبب في تلف محاصيله الزراعية، كذلك نفوق مئات الدواجن التي كان يعتمد عليها في إنتاج البيض واللحم الأبيض.

يقول فضل لـ"العربي الجديد" إن خسارته لم تتوقف عند هذا الحد، حيث قامت جرافات الاحتلال وآلياته العسكرية بتجريف وتدمير أرضه منذ بدء الاجتياح البري لمدينة غزة، الأمر الذي فاقم خسارته بعد تدمير بئر المياه المخصص للري والمولد الكهربائي كذلك شبكات الري والحمامات الزراعية التي كانت تغطي عشر دونمات من أرضه.

يوضح كذلك أن الحال لم يكن جيداً قبل بدء العدوان، حيث ساهم الحصار الإسرائيلي في إنهاك المعدات والآليات الزراعية وعدم القدرة على تجديدها بسبب الإغلاق المتواصل للمعابر، إلا أن مشروعه كان يعيل أسرته وأسر أبنائه الأربعة الذين يساعدونه إلى جانب سبعة عمال آخرين. ويقول "العدوان الإسرائيلي قضى على مصادر دخلنا جميعا، كذلك على إمكانية معاودة العمل بسبب خسارة وتدمير كل مقوماته".

وتعرض الفلسطيني عبد الرؤوف وشاح إلى خسارة كبيرة بفعل تدمير محل الملابس الجاهزة الخاص به، والواقع وسط سوق الشجاعية بعد تجريف الاحتلال لجميع مرافقه وتسويته بالأرض خلال اجتياح المناطق الشرقية، كما نزح برفقة أسرته عدة مرات وصولاً إلى المناطق الغربية لمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

يقول وشاح لـ"العربي الجديد" إنه خسر كل ما يملك بعد تدمير محله، حيث قام قبل الحرب بشراء كمية كبيرة من الملابس لتعبئة رفوفه ومرافقه تجهيزاً لموسم الشتاء الماضي، كما لم يتمكن من إفراغ المحل بسبب خطورة الحركة بفعل الاستهداف الإسرائيلي، وانعدام وسائل النقل والمواصلات، وتحديداً الشاحنات الكبيرة جراء اغلاق المعابر ومنع توريد الوقود اللازم لتشغيلها.

لم يقتصر النقص في الأسواق الفلسطينية على البضائع المستوردة، وإنما طاول البضائع والأصناف ذات الصناعة المحلية بفعل الاستهداف الإسرائيلي للمصانع، إلى جانب منع دخول المواد الخام الخاصة بتصنيع العديد من السلع الهامة، ما تسبب في خلق أزمة إضافية من خلال توفير بعض البدائل ذات الجودة المنخفضة وبأسعار مضاعفة.

وفي السياق ذاته، يؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، أن الاحتلال الإسرائيلي وضع نصب عينيه تدمير الاقتصاد الفلسطيني بمختلف قطاعاته بشكل ممنهج ومنظم ومستدام منذ بدء الحرب التي فرضت على غزة منذ عام، حيث قام بتدمير المصانع الفلسطينية والمدن الصناعية شرقي مدينة غزة وشرقي مدينة بيت حانون شمال القطاع كذلك دمر المدينة الصناعية شرق مدينة دير البلح في المنطقة الوسطى، إلى جانب تدمير كل ما له علاقة بالبنية الصناعية والإنتاجية إما بالقصف المباشر من الطائرات الحربية للمخازن والمصانع ومدن الإنتاج، أو بالتجريف والتدمير خلال عمليات الاجتياح.

يلفت أبو جياب لـ"العربي الجديد" إلى أن التدمير الواسع في القطاع الصناعي الذي حظى بخسائر أولية تزيد عن ملياري دولار، أدى إلى تراجع كبير في عمليات الإنتاج الصناعي وصل إلى نسبة 92% مقارنة بالربع الثالث من عام 2023، حيث كان القطاع الصناعي مساهماً مهماً في الناتج المحلي الفلسطيني بنسبة 12% ما قبل الحرب، وكان يضم عشرات الآلاف من العمال بمختلف تخصصاته وإمكانياته.

يوضح الخبير الاقتصادي أن الأوضاع الاقتصادية التي أفرزها العدوان صعبة ومعقدة للغاية وقد أنتجت عشرات الآلاف من العمال المتعطلين عن العمل والذين باتوا غير قادين على توفير قوت أسرهم، الأمر الذي انعكس على القطاع التجاري الذي تم تدميره بشكل ممنهج وكبير جراء تدمير عشرات الآلاف من المحال التجارية والمخارن والشركات ونقاط البيع في مختلف محافظات قطاع غزة.

أما بخصوص القطاع الزراعي والذي كان يساهم بنحو 11% إلى 12% من الناتج المحلي الفلسطيني، يوضح أبو جياب أنه تعرض لتدمير شبه كامل بعد توقفه عن العمل بنسبة 93%، وقد تجاوزت خسائره الأولية المليار دولار جراء تدمير الأراضي والحيازات الزراعية وآبار المياه والمزارع بأشكالها سواء البستنة أو الأشجار أو الخضروات أو قطاع الأسماك والاستزراع السمكي، إلى جانب تعطل عشرات آلاف العمال في هذا القطاع، والتأثير السلبي على قدرة الفلسطينيين للوصول إلى الغذاء.

ويشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يهدف من خلال تدمير القطاعات الاقتصادية إلى القضاء على قدرة الفلسطينيين على العودة إلى العمل والإنتاج والاستقلالية الاقتصادية بما يحقق استقلالية سياسية، مشدداً على أن التدمير الاستراتيجي لكل ما له علاقة بالبنية الاقتصادية الفلسطينية يأتي كذلك في إطار محاولة الاحتلال التحكم الكامل وتحطيم كل مقومات البناء والعودة من جديد أو تشكيل حالة نهوض جديدة لمختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والزراعية.

المساهمون