"قبضة حديدية" بين الجزائر والاتحاد الأوربي لمراجعة اتفاق الشراكة

27 سبتمبر 2024
جرة شوكولاتة المرجان بمتجر وسط مرسيليا الفرنسية في 17 سبتمبر 2024 (ميغيل ميدينا/فرانس برس)
+ الخط -

 

ظهرت مؤشرات قوية لقبضة حديدية تجارية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بدأت بشكولاتة المرجان التي ذاع صيتها ومنعت من دخول بلدان القارة العجوز، وانتهت بانتقادات حادة من بروكسل لإجراءات جزائرية تتعلق بوارداتها من اللحم الحلال من دول التكتل، قد تعجل بمراجعة سريعة لاتفاق الشراكة بينهما بعد نحو 20 عاما على دخوله حيز التنفيذ.
وترتبط الجزائر والاتحاد الأوروبي باتفاق الشراكة الذي هو عبارة عن معاهدة تجارية وقع عليها عام 2002، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر/ أيلول 2005، خلال عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
وينص الاتفاق على تفكيك تدريجي للتعريفات الجمركية للسلع والبضائع في الاتجاهين، لكن الشركات الجزائرية (حكومية وخاصة) لم تقدر على منافسة نظيرتها الأوروبية لكون اقتصادها مصدرا للمشتقات النفطية بشكل رئيسي.
ومنذ سنوات تطالب الجزائر بمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، الذي وصفته بأنه "مجحف" وغير "متوازن" وتسبب في خسائر مالية كبيرة لها.
وخلال ولايته الأولى، وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أكثر من مرة بضرورة إعادة النظر في الاتفاقيات التجارية لا سيما مع الاتحاد الأوروبي.
وحسب أرقام غير رسمية، فإن الجزائر تكبدت خسائر بنحو 30 مليار دولار منذ 2005، خصوصا جراء عمليات التفكيك الجمركي وبقاء حركة السلع والبضائع في اتجاه واحد من أوروبا نحو الجزائر.
 

حظر شوكولاتة المرجان 

بداية التوتر بين الجزائر وبروكسل بدأت بحظر شوكولاتة المرجان، التي ذاع صيتها منذ الصيف الماضي، مدعومة بفيديوهات شخصيات مؤثرة على المنصات الاجتماعية.
وجاء الحظر أولا في فرنسا التي شهدت رواجا كبيرا لهذا المنتج الجزائري واسع الاستهلاك لدى أفراد الجالية المغاربية خصوصا، بقرار من وزارة الزراعة التي اعتبرت أن الجزائر لم تستوف الشروط اللازمة للسماح لها بتصدير سلع تحتوي على مشتقات حليب مخصصة للاستهلاك البشري في الاتحاد الأوروبي.

وخلص قرار وزارة الزراعة الفرنسية الذي صدر قبل أسابيع قليلة إلى أن استيراد منتج المرجان ليس مسموحا به في فرنسا بموجب ما قالت إنه "الإطار التنظيمي المعمول به".
ولاحقا جرى تعميم هذا القرار لباقي الدول الاتحاد وجرى بموجبه منع دخول شوكولاتة المرجان الجزائري إلى الأسواق الأوروبية.


تصعيد أوروبي لتصدير اللحم الحلال

امتد الخلاف بين الطرفين إلى قضية تصدير اللحم الحلال من دول الاتحاد إلى الجزائر.
في هذا السياق عبر المفوض الأوروبي للتجارة فالديس دومبروفسكيس، قبل أيام عن انزعاج واضح لبروكسل من اعتماد السلطات الجزائرية منذ العام 2023 على تراخيص يصدرها فقط مسجد باريس الكبير (يتبع للجزائر وتموله سنويا بـ 2 مليون يورو)، شرطا لتصدير اللحوم من دول التكتل نحو البلد العربي.
وذكر المسؤول الأوروبي في هذا الشأن أن "المفوضية قد اتصلت بالسلطات الجزائرية في عدة مناسبات، وأعربت عن قلقها الشديد بشأن هذا الإجراء وحثتها على إعادة النظر فيه"، مضيفا أن بروكسل تدرك ما قال إنها "الآثار السلبية الخطيرة على تصدير المنتجات الغذائية الزراعية إلى الجزائر".
وشدد مفوض التجارة الأوروبي على أن "المفوضية لا تدخر جهدا للعمل على تحسين العلاقات التجارية والاستثمارية مع الجزائر"، موضحا أن "السلطات التنفيذية للاتحاد الأوروبي تعمل على المستويين الفني والسياسي لمعالجة جميع الجوانب التي تعيق وصول المنتجات الأوروبية إلى السوق الجزائرية".
وخلص دومبروفسكيس، إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتقد بأن تطبيق الجزائر في يونيو/ حزيران عام 2023، للإجراء الإضافي لإصدار شهادات الحلال، سيعرقل التجارة مع الاتحاد الأوروبي بشكل كبير باعتباره عائقا لا يبعث على الرضا ويعكر صفو العلاقات الثنائية.
 

سجال مستمر منذ 2010

في هذا السياق يعتقد وزير أسبق للتجارة في الجزائر ما بين 2010 و2014، مصطفى بن بادة، أن ما وصف بالقبضة الحديدية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في الأيام الأخيرة وتحديدا قضية شوكولاتة المرجان وتراخيص اللحم الحلال، ما هو إلا حلقة من حلقات سجال بين الطرفين منذ زمن طويل على خلفية تطبيق اتفاق الشراكة الذي يجمعهما منذ 2005، والذي باتت مراجعته أمرا حتميا، لكونه سار تقريبا في اتجاه واحد وكبد خزينة الجزائر خسائر بمئات مليارات الدنانير.
وأوضح بن بادة في حديث لـ "العربي الجديد"، أن الجزائر ومنذ السنوات الخمس الأولى لتطبيق الاتفاق وتحديدا سنة 2010، انطلقت في حوار مع الاتحاد الأوروبي على خلفية عدم تكافؤ الفرص في إطار اتفاق الشراكة، وأفضى الحوار إلى تأجيل نهاية التفكيك الجمركي المنصوص عليه من 2017 إلى 2020.
ولفت المتحدث إلى أن أزمات كانت قد طفت إلى السطح بين الطرفين وأخرى بقيت خفية، على خلفية منع الاتحاد دخول عدة شحنات لمنتجات جزائرية تحت ذرائع وحجج مختلفة من بينها قضايا المعايير العالمية والبيئية وغيرها.
وعلق بالقول: "الجزائر كانت تنظر إلى هذه التصرفات على أنها مجحفة وأن الاتحاد يريد ابتزاز الجزائر وتحقيق مصالحه".
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي أبدى امتعاضه منذ 2020، عندما باشرت الجزائر إجراءات تهدف إلى تنويع الاقتصاد من خلال ترشيد الواردات وتشجيع الصادرات وسياسات التفضيل الوطني لتشجيع الإنتاج المحلي، وأيضا إجراءات لتنظيم مشاركة الشركات الأجنبية في الاستيراد وتراخيص الاستيراد، وهي التدابير التي نظرت إليها بروكسل على أنها "تقييدية".

وردت الجزائر، وفق بن بادة، بأن هذه الإجراءات تدخل في إطار السيادة الاقتصادية من منطلق أن البلاد عازمة على تنويع اقتصادها، وتقليل الاعتماد على المحروقات، بالنظر إلى أن كل الدول تدافع عن مصالحها الاقتصادية، وهذا أمر متعارف عليه حتى بين القوى العظمى في العالم، على غرار الاتحاد الأوروبي والصين وقضية السيارات الكهربائية والولايات المتحدة والصين وغيرها من الدول.
وقال في هذا الصدد "الجزائر بحكم مؤشراتها الاقتصادية وبحكم أيضا معطياتها الاقتصادية الايجابية عندها أوراق لتقف الند للند مع الاتحاد الأوروبي".

بروكسل أخلت بالاتفاق

ولفت بن بادة إلى أن الجزائر وعلى لسان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عبرت منذ 2020 بأنها تنوي حتى الذهاب إلى مراجعة بنود اتفاق الشراكة، وهذا حق من الحقوق يكفله نص المعاهدة الموقعة بين الطرفين.
ويشرح وزير التجارة الجزائري الأسبق، أن الممارسة على الميدان، أثبتت فيما يتعلق بالشق التجاري، أن اتفاق الشراكة سار في اتجاه واحد.
وقال في هذا الصدد "فقدت الخزينة العمومية عشرات إن لم أقل مئات مليارات الدنانير كرسوم جمركية لصالح الاقتصاد الأوروبي بينما كل مرة تريد شركات جزائرية أن تخترق الأسواق الأوروبية تجد عدة عراقيل".
وحسب بن بادة، فإن الاتحاد الأوروبي هو الذي لم يلتزم بروح اتفاق الشراكة، وحاول أن يوهم الجميع أن الجزائر هي من تخرق المعاهدة بتركيزها على الشق التجاري، وفي الحقيقة الشق التجاري ما هو إلا جزء بسيط من اتفاق الشراكة المبرم بين الطرفين.
وعلق بالقول: "من حق الجزائر وأرى أنه من واجب الجزائر اليوم أن تراجع اتفاق الشراكة مع بروكسل بما يضمن التوازن في المصالح لا سيما الاقتصادية مع هذا التكتل الاقتصادي المهم الذي يجمع بيننا حجم تبادل تجاري يفوق 20 مليار دولار".

المساهمون