الزينوفوبيا في الصين... نشر رهاب الأجانب سينمائياً وتلفزيونياً

29 سبتمبر 2024
تصف وسوم على وسائل التواصل من يهاجمون اليابانيين بالأبطال (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعد الزينوفوبيا في الصين: شهدت الصين زيادة في حوادث استهداف الأجانب، خاصة اليابانيين والأميركيين، نتيجة لخطاب قومي متطرف يغذيه الإعلام الرسمي، مثل طعن صبي ياباني في شينزن وطعن أربعة أساتذة أميركيين في جيلين.

- دور الإعلام والدعاية القومية: الإعلام الصيني يساهم في تأجيج الكراهية ضد اليابانيين من خلال إنتاج مئات الأفلام والمسلسلات التي تركز على الفظائع اليابانية، مما يعزز النزاع الإقليمي بين البلدين.

- التوظيف السياسي لمشاعر الكراهية: الحزب الشيوعي الصيني يستخدم مشاعر الكراهية ضد اليابان لتعزيز التماسك الوطني والسيطرة على الرأي العام، مما يجعل من الصعب التراجع عن هذا العداء في المستقبل.

تتوالى عمليات استهداف الأجانب المقيمين في الصين، وعلى رأسهم اليابانيون في نمط يغذي ظاهرة "الزينوفوبيا" أو كراهية الغرباء التي ينمّيها خطاب قومي متطرف تنشره أفلام السينما ومسلسلات التلفاز من أجل أغراض حزبية سلطوية.

- في وقت مبكر من صباح يوم الخميس 19 سبتمبر/أيلول 2024، فوجئ صبي ياباني يبلغ من العمر عشرة أعوام بهجوم من أربعيني صيني، طعنه بينما كان في طريقه إلى مدرسته في مدينة شينزن جنوبي البلاد، ليتوفى في اليوم التالي، تزامناً مع إحياء الذكرى السنوية الثالثة والتسعين لما يُعرف بـ "حادث الثامن عشر من سبتمبر"، والذي وقع عام 1931، حين فجرت القوات اليابانية جزءاً من خط السكك الحديدية في مدينة شنيانغ شمال شرقي الصين. 

قبل هذا الحادث، تعرضت امرأة يابانية وطفلها، في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران الماضي، للطعن من قبل رجل صيني في محطة للحافلات المدرسية بمقاطعة جيانغ سو شرقي البلاد، ما دفع السفارة اليابانية في بكين إلى إصدار تنبيه أمني لرعاياها للحذر من حالات الطعن المتعددة، والتي تقع في المدارس والحدائق العامة، وشهدت ارتفاعاً في معدلات استهداف الأجانب وتحديداً مواطني اليابان والولايات المتحدة، إذ طعن خمسيني صيني في العاشر من يونيو الماضي، أربعة أساتذة أميركيين في مقاطعة جيلين شمال شرقي البلاد.

 

أنماط ظاهرة "الزينوفوبيا"

تصف وزارة الخارجية الصينية هذه الحوادث بـ"المعزولة"، مؤكدة عدم تأثيرها على العلاقات بين الصين واليابان والولايات المتحدة، لكنها تكتفي بهذا القدر من التعليق، ومن ثم تتكتم على ما جرى، على اعتبار أن السلطات المختصة تجري تحقيقات، إلا أنها لا تنشر بعدها أي تفاصيل عن تلك الحوادث التي تعد علامة على ظاهرة الزينوفوبيا xenophobia أي رهاب الأجانب، كما يعتقد الناشط شياو جينغ (يعمل في مركز شين جيا - مؤسسة استشارية حقوقية مقرها تايوان)، والذي يربط بين ما يجري وتصاعد خطاب الكراهية الذي يروجه الإعلام الرسمي للجمهور، خاصة مع تكرار الوقائع بأنماط مختلفة، ومن ذلك استهداف خمس مدارس يابانية في مقاطعة شاندونغ شرقي البلاد وقذفها بالحجارة والبيض، في اليوم التالي لبدء اليابان بتصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما للطاقة النووية في المنطقة البحرية المقابلة للصين.

وفي أواخر عام 2017، تم استهداف الكوريين الجنوبيين المقيمين في الصين والمطاعم والمصالح التجارية، نتيجة التحريض الإعلامي في أعقاب قبول سيول نشر منظومة الدفاع الجوي الأميركي (ثاد) على أراضيها، الأمر الذي اعتبرته بكين تهديداً مباشراً لها.

وقبلها في صيف عام 2016، تجمهر مئات من الصينيين الغاضبين في محيط السفارة الفيليبينية في بكين، تنديداً بقرار محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي بشأن النزاع بين مانيلا وبكين في بحر الصين الجنوبي، والذي قضى آنذاك بعدم أحقية المطالب الصينية بالسيادة على جزر متنازع عليها في المنطقة، ما استدعى تدخلاً من قوات حفظ النظام للحيلولة دون المساس بالعاملين داخل السفارة. وكل تلك الحوادث مرتبطة بجنسيات من دول يصنفها الإعلام الصيني في خانة الكيانات المعادية، كما يرصد شياو جينغ، مضيفاً إليهم ما تسمى "قوات استقلال تايوان"، والتي عملت الآلة الدعائية للحزب الشيوعي الصيني في السنوات الأخيرة بكامل طاقتها لتشويهها ومهاجمتها، لكن ما هي؟ لا أحد يعرف، يقول الناشط الحقوقي، فلا يوجد معنى محدد لذلك المصطلح، لذا فالدور على التايوانيين المقيمين في البر الرئيسي للصين، والذين قد يصبحون أهدافاً لهجمات المتأثرين بخطاب الكراهية.

الأداة الرئيسية للدعاية القومية المتطرفة

تأتي اليابان على رأس قائمة أكثر الدول استهدافاً من قبل وسائل الإعلام الصينية، نظراً للإرث الاستعماري والحروب التي خاضتها بكين في مراحل زمنية متفاوتة ضد الاحتلال الياباني لأراضيها، وما خلفه ذلك من مجازر، أشهرها مذبحة نانجينغ في عام 1937 والتي راح ضحيتها أكثر من 250 ألف قتيل، بحسب ما أوضحه لي يانغ، الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث (مؤسسة خاصة مقرها هونغ كونغ).

وخاضت الصين ما يُعرف بـ الحرب الصينية اليابانية الأولى عامي 1894 و1895، وكانت صراعاً بين إمبراطوريتين آنذاك، ومن ثم الحرب اليابانية الصينية الثانية بين عامي 1937 و1945، والتي انتهت مع نهاية الحرب العالمية الثانية وانسحاب القوات اليابانية، وبالتالي شكلت هذه الحقبة مادة دسمة للإعلام وصناع السينما في الصين، وما زالت حتى اليوم تطغى على الأعمال السينمائية الصينية التي تدور نسبة كبيرة منها حول مقاومة وبطولات الثائرين الصينيين للاستعمار الياباني، كما يوثق يانغ، مقدراً عددها سنوياً بـ 350 عملاً ما بين أفلام ومسلسلات ووثائقيات، ويقترب العدد مما ورد في تقرير صدر عن نقابة مخرجي الأفلام الصينية في السابع من يوليو/تموز عام 2021، بعنوان "نتذكر التاريخ، ونعتز بالسلام: مقدمة موجزة لتطور عصر الأفلام المناهضة للحرب اليابانية"، مؤكداً إنتاج 300 فيلم خلال العام ذاته، وكلها تتناول الأبطال المناهضين لليابان في فترات تاريخية مختلفة، ويمكن فهم هذا العدد بوضعه ضمن سياق إحصاءات التقرير السنوي للمصلحة الوطنية للسينما التابعة لقسم الدعاية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي، والصادر في عام 2023 إذ بلغ إجمالي إنتاج الأفلام 971 فيلماً، وبالتالي عندما يُعرض خلال عام واحد ما يزيد عن 30% من الأعمال السينمائية الموجهة ضد بلد وشعب محددين، يمكن لك أن تتخيل حجم التأثير السلبي على صورتيهما، يقول يانغ، مضيفاً أن الكراهية التي تخلقها هذه الأعمال أصبحت عامل تأجيج للنزاع الإقليمي بين الصين واليابان في بحر الصين الشرقي، حول جزر دياويو الصينية المعروفة باسم سينكاكو في اليابان، والذي يعد الأخطر بين البلدين منذ استسلام اليابان في عام 1945، لذا فصناع السينما يرون تلك المواضيع الأكثر قدرة على كسب تأييد الوطنيين ضيقي الأفق، حتى لو كانت تؤدي بطبيعة الحال إلى سلوك عدائي ضد الأفراد والمؤسسات اليابانية.

الصورة
استهداف الأجانب المقيمين في الصين

 

متى بدأ الخطاب المعادي للأجانب؟

أوائل ثمانينيات القرن العشرين، ومع انطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح، بدأ صناع السينما برفع القيود عن الأعمال التي تتناول جرائم اليابان، بعد سنوات من التحفظ في أعقاب إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1972، وفق ما يوضحه أستاذ التاريخ المشارك في جامعة سون بتايوان، لو جانغ.

أكثر من 300 عمل فني تستهدف اليابان سنوياً في الصين  

وقتها، كان الحزب الشيوعي بحاجة ماسة إلى استعادة هيبته بعد المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، لذا وجد أن خطاباً يقوم على الفظائع التي ارتكبها الجيش الياباني وسيلة لإلهاء الشعب، وبعد أحداث ميدان تيان آنمن عام 1989 والتي هزت أركان الحزب بسبب قمع المتظاهرين من الطلاب والأكاديميين، نمت رغبة المسؤولين الصينيين في خلق حالة من التماسك الوطني، عبر إحياء ذكرى الاضطهاد الجماعي من قبل عدو خارجي، وتوظيفها من أجل الالتفاف الشعبي حول الحزب، واستمر الأمر بحسب جانغ، منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، عبر الدولة التي تعد مسؤولة بشكل مباشر وصريح عن تعزيز خطاب الكراهية في البلاد، خاصة أن الحزب الشيوعي المهيمن على كل جوانب الحياة، لم يسيطر بشكل صارم على مشاعر كراهية اليابانيين والخطاب المناهض لهم، بما يتماشى أيضاً مع دبلوماسية الذئب المحارب التي اتبعها في السنوات القليلة الماضية، والتي تصور وتسوق صعود الجيش الصيني وقدرته على الدفاع عن مصالحه خارج حدوده، وتوازياً مع هذه الحالة أطلق العديد من النشطاء على شبكة الإنترنت، وسم "الأبطال" لوصف من يهاجمون اليابانيين المقيمين في الصين كما حدث أخيراً في مقاطعة جيانغ سو شرقي البلاد، ما يكشف عن سبب تكرار مثل هذه الحوادث.

مشاعر الغضب من الأجانب أداة للسيطرة والالتفاف حول الحزب الحاكم

يدعم ما سبق تقرير نشرته أكاديمية جيلين للعلوم الاجتماعية (حكومية) على موقعها الإلكتروني في السابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعنوان: "التعبيرات المعاصرة للأعمال السينمائية والتلفزيونية المناهضة لليابان"، إذ وردت فيه فقرة نُسبت إلى تقرير المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، جاء فيها: "إن تطوير واستخدام الأعمال السينمائية والتلفزيونية لاتحاد شمال وشرق البلاد المناهض لليابان يؤديان إلى إثراء العالم الروحي للشعب، ويعدان من الخصائص الأساسية لتحديث الأمة الصينية"، مشيراً إلى سلسلة سينمائية صينية مناهضة لليابان، تقوم على تاريخ المناطق الشمالية الشرقية التي كانت خاضعة للاستعمار الياباني.

 

لن ننسى دماء أجدادنا

من بين مشاهدي الأعمال السينمائية والتلفزيونية المناهضة لليابان، العشريني تشين جو الطالب في كلية العلوم بجامعة شينزن، الذي يرى أن ذلك "حتى لا ننسى دماء أجدادنا والتاريخ الأسود لاحتلال اليابان لأرضنا لأكثر من 14 عاماً"، مستدركاً: "بالطبع أنا لست مع استهداف المقيمين اليابانيين، لأن ذلك يسيء إلى سمعة بلادنا، لكني لا أتقبل فكرة التعايش معهم بصورة طبيعية".

نظرة جو إلى اليابان، يتجاوز حدودها مبرمج الكمبيوتر في مدينة دونغوان جنوبي البلاد ليانغ جينغ (42 عاماً)، إذ يعتبرها دولة معادية، وإن كانت الأعمال الدرامية المناهضة لليابانيين لا تستهويه بنفس درجة الشباب المتحمسين، لكنه يراها حقاً مكتسباً للحفاظ على إرث الأجداد الذين ضحوا وقاوموا الاحتلال وحرروا البلاد، وكانوا سبباً في نهضة الصين الحديثة، وهي أفكار سائدة وتنمو بين الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، ما يعني وفق لو جانغ، أن عقوداً من تأجيج المشاعر المناهضة لليابان والتي دعمها الحزب الشيوعي، تحاصر البلاد داخل فخ دعائي يدفع بكين بعيداً عن التفاوض أو التراجع عن العداء لجيرانها، وإذا أقدمت يوماً ما على هذه الخطوة، فسيكون الأمر صعباً للغاية بعد تعبئة موسعة على مدار العقود الماضية.