عن نوال السعداوي

05 ابريل 2015

نوال السعداوي .. تكريم تونسي

+ الخط -

إبّان كنّا طلاباً في الجامعة، في النصف الأول من الثمانينيات، كنا نقرأ نوال السعداوي للتدليل على تقدميّتنا، أو لتظهير سمْتنا التحرري، لا باتجاه فلسطين فحسب، بل أيضاً باتجاه مجتمعاتنا العربية، على ما كنا نقول. لا تُستدعى هذه الإشارة هنا، لحنينٍ إلى شرخ الشباب الذي كنا فيه. ولكن، للسؤال عمّا إذا ما زال لمؤلفات الكاتبة المصرية (العالمية عن حق) تلك الجاذبية لدى الشباب العربي الراهن، العشريني والثلاثيني مثلاً، أم أن الثورة المهولة في تنوع مصادر المعرفة والأفكار أزاحت السعداوي من موقعها ذاك، على الرغم من أنها، متّعها الله بالصحة، توالي إصدار الكتب (نشرت ثلاثة في العامين الأخيرين، أحدها رواية عن ثورة يناير)، كما أن الأخبار عن مشاركاتها في ملتقيات ثقافية في غير بلد لا تتوقف، عدا عن مقالات تنشرها بين وقت وآخر، ومقابلات تجريها مع الصحف والتلفزات. وتُغبط نوال السعداوي (84 عاماً) على هذه الحيوية، وقد كُرّمت من تونس، قبل يومين، بأعلى وسام وطني للاستحقاق الثقافي، من الرئيس الباجي السبسي. وقبل هذا التكريم وبعده، مستحقٌ للكاتبة الكبيرة التسليم بأنها كانت صوتاً ضرورياً في الثقافة العربية، لما أحدثه دويه من ارتجاجاتٍ كانت مطلوبةً، فيما يتعلق بالمرأة ومجتمعاتنا ونظم السلطة في بلادنا، وإنْ لا يعني الجهر، هنا، بهذه الحقيقة، موافقةَ السعداوي، الطبيبة والناشطة والروائية والكاتبة، على كل ما قالت وما جاءت عليه، في أزيد من خمسين كتاباً.

ليس تكريمها التونسي الجديد، ولا فيلم وثائقي أنجزته، أخيراً، مخرجةٌ ألمانية عنها، وعرض قبل أيام في لاهاي، ولا استضافاتها في الأسابيع الماضية، في تظاهرات ثقافية في لندن ودبي، ليس هذا كله وحده مناسبة تخصيص هذه السطور عن نوال السعداوي، بل أيضاً، ثمة الململة التي صارت تبدو عليها بشأن الحكم الراهن في مصر، وهي التي ناصرت عبد الفتاح السيسي بلا حدود، لأنه "خلّص المصريين من حكم الإخوان المسلمين"، و"لأن التاريخ سيذكُر له أنه قضى على خرافات إقامة المشروع الإسلامي". وفيما عداؤها التاريخي للإسلاميين، أياً كانوا، والذي يصل إلى مرتبة العقيدة لديها، على ثباته، إلا أنها صارت تلحظ تراجع الشعبية الشديدة التي كانت للسيسي مع عودة نظام مبارك، وترى أن ثورة 25 يناير أجهضت، وأن براءة حسني مبارك وسجن شباب الثورة واتهامهم بالفساد والخيانة "الجنون بعينه"، وأن الحكم بحبس أحمد أبو دومة "عار". أما قولها إن البرلمان المصري المقبل سيكون نكسة جديدة، فإنها تبدو فيه أكثر تطيراً من محمد البلتاجي.

العجيب في أمر صاحبة "الأنثى هي الأصل" أنها أقامت في الولايات المتحدة فترة، وتعرف الغرب جيداً، واستضيفت في منابر وازنة فيه، لكنها تستهجن رفض جامعة في لندن دعوتها، بدعوى مساندتها الحكم العسكري الحالي في مصر، وتستغرب أن إعلامياً بريطانياً شاركها منصة ندوةٍ في لندن، بمناسبة يوم المرأة العالمي الشهر الماضي، يرى ما حدث في مصر في 30 يونيو انقلاباً، لإطاحته رئيسا منتخباً. عجيب أن يفاجئها هذا الكلام في منابر غربية، والأغرب أنها تفسره بأن "أصحابه فقدوا البديهيات البسيطة، خوفاً من القوى الحاكمة، أو تملقاً للقوى الإسلامية التي ترعرعت في ظل الحكومات المتعاقبة في بريطانيا وأميركا، منذ ريغان وتاتشر". العجيب في نوال السعداوي أنها منشغلة بالمجتمع المصري منذ عقود، لكنها لا تحدّق جيداً في خيارات هذا المجتمع وتنوعها، وأنها لا تعرف أن لتنزيل النظريات والتصورات، بكل وجاهتها وضرورتها، على الأرض، تعقيدات أخرى، تغاير الطمأنينة في تمارين ذهنية وحماس فكري قد نقيم عليهما. فضلاً عن أن التخلص من "الإخوان" لم يأت بما اشتهته نوال السعداوي لمصر، وهي تتظاهر في ميدان التحرير إبّان ثورة يناير، بل استقدم الذين أنجزوا هذا الخلاص نظام مبارك ثانية، على ما أوحى كلام جديد لها، أطال الله عمرها.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.