إيران والرد على الاغتيالات الإسرائيلية... خلافات ونقاشات حادة

29 سبتمبر 2024
مسيرة غاضبة في طهران تندد باغتيال نصر الله، 28 سبتمبر 2024 (مرتضى نيكوبازل/Getty)
+ الخط -

تعيش إيران حالة من من الصدمة والغضب الشديدين عقب الإعلان رسمياً، أمس السبت، عن استشهاد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة إسرائيلية يوم الجمعة الماضي، وسط دعوات شعبية ونخبوية إلى الثأر وانتقادات تجاه السلوك الإيراني بشأن التصرفات الإسرائيلية السابقة مثل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران، في 31 يوليو/تموز الماضي، والحديث عن أن هذا السلوك شجع الاحتلال الإسرائيلي على التمادي أكثر في جرائمه واغتيالاته، وبالمقابل تبرز تحذيرات من نخبة وساسة إيرانيين من الوقوع في "فخ الحرب" الذي ينصبه على حد قولهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لطهران.

وكان حسن نصر الله معروفاً بقربه الشديد من المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، وولائه العقائدي له بوصفه الولي الفقيه، وهو ما عبّر عنه نصر الله في أكثر من مناسبة، غير أنه كان كذلك من أهم رموز ما يُعرف بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة، ما دفع الإيرانيين إلى تسميته بـ"سيد المقاومة".

وتبدو إيران المعنية الأولى باغتيال نصر الله، وهذا ما عكسته تصريحات نتنياهو الذي تحدث عن استهداف "المحرك الرئيسي" للمحور الإيراني، فضلاً عن إطلاقه تهديدات لإيران باستهدافها اذا ما أقدمت على فعل انتقامي في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة قبيل ساعات من اغتيال زعيم حزب الله.

الشخصية الأجنبية الأكثر شعبية في إيران

وخرجت في إيران يومي السبت والأحد مسيرات غاضبة نادت بالثأر والانتقام وسط انقسام في أوساط النخب الإيرانية وخلافات في وجهات النظر، بين من يرى ضرورة الرد القوي لإيقاف إسرائيل ومن يقول إنها تريد جرّ إيران إلى فخها وإشعال حرب أميركية إسرائيلية غربية ضدها. ويقول الباحث الإيراني في الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية هادي برهاني لـ"العربي الجديد" إن نصر الله "كان يتمتع بشعبية كبيرة في إيران لدرجة يمكن القول إنه كان الشخصية العربية الأكثر شعبية بين الإيرانيين، وحتى كان البعض يعتبره الخليفة المحتمل لآية الله علي خامنئي كولي فقيه قادم"، مؤكداً أن رحيل نصر الله سبّب "جرحاً كبيراً للجمهورية الإسلامية الإيرانية"، مشيراً إلى حالة من "الألم الشديد في إيران رسمياً وشعبياً بسبب اغتيال نصر الله بهذه الطريقة الوحشية".

وانتقد برهاني الموقف العربي الرسمي تجاه الاغتيال والعدوان الهمجي على لبنان، واصفاً إياه بـ"الضعيف جداً"، وأضاف أن حزب الله ليس هو المستهدف الوحيد، بل لبنان بلداً وشعباً، "كذلك فإن الحزب خاض هذه الحرب إسناداً لشعب عربي (غزة)"، واتهم برهاني أطرافاً عربية بالسعي لـ"استغلال العدوان على لبنان لتصفية حسابات سياسية مع حزب الله"، قائلاً إن "ذلك يهدد المصالحة في إيران في المنطقة".

ورغم دعوات الثأر لنصر الله خلت التصريحات والبيانات الرسمية الصادرة عن كبار قادة إيران السياسيين والعسكريين للتنديد بالاغتيال من التهديد بالرد المباشر، وركزت على أن غياب نصر الله سيجعل حزب الله أقوى وأن جبهة المقاومة ستوجه ضربات أكثر قوة وإيلاماً للعدو الإسرائيلي كما ورد على لسان أكثر من مسؤول إيراني.

وفي جلسة مغلقة خُصصت لبحث أبعاد اغتيال نصر الله، اليوم الأحد، ناقش البرلمان الإيراني وفق عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، أحمد نادري، "مقترحات بشأن طريقة الرد" على الاغتيال، وتقرر أن يرفعها رئيس البرلمان إلى المجلس الأعلى للأمن القومي لمناقشتها واختيار أفضل السبل للرد من دون الكشف عن طبيعتها.

ويوضح الباحث الإيراني برهاني أن الأجواء العامة في إيران تغلب عليها دعوات الثأر والانتقام ومعاقبة إسرائيل، "المشاعر مستفزة جداً حيث عدد كبير من مؤيدي المقاومة في إيران طالبوا بإرسالهم إلى جبهة القتال في لبنان دفاعاً عن حزب الله والشعب اللبناني". ويشير إلى أن إيران اليوم تمتلك مبررات كافية وقوية سياسياً وحقوقياً للرد على إسرائيل، منها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس على أراضيها، وكذلك اغتيال العميد عباس نيلفروشان، قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني في عملية اغتيال قيادة حزب الله في ضاحية بيروت، فضلاً عن إصابة سفيرها في لبنان مجتبى أماني في تفجيرات أجهزة الاتصال.

وحول الانقسام بشأن الرد من عدمه، قال برهاني إن بعض الخبراء والسياسيين ينظرون إلى تطورات لبنان والعدوان عليه بـ"عقلية باردة" ويتحدثون عن "اختراقات أمنية خطيرة في جبهة المقاومة سواء في لبنان أو إيران، ما منح الاحتلال الإسرائيلي ميزة أمنية للقيام بالاغتيالات"، ويرى الخبير الإيراني أنه من دون حل سريع لهذه المشكلة من الصعب التخطيط لـ"عملية ناجحة" ضد إسرائيل في هذه الظروف "لكونها يمكن أن تصبح مكشوفة لها قبل تنفيذها"، موضحاً أن هذه الفئة من النخبة الإيرانية على قناعة بأن "هذا الوقت ليس مناسباً للتصعيد والرد". غير أن إيران حالياً "مفعمة بالثأر والانتقام وفي أي فرصة ستقدم عليه" وفق برهاني الذي يضيف أن "نقاط ضعف إسرائيل ليست قليلة رغم امتلاكها التكنولوجيا والأسلحة المتطورة، لكنها ضعيفة لانعدام عمق جيوبوليتيكي لها، ولذلك لا تحتمل الخسائر، وخصوصاً البشرية".

أسباب التردد الإيراني

من جهته، يقول الخبير الإيراني صلاح الدين خديو إن "هناك خلافات في وجهات النظر بين مؤسسات الحكم بشأن طريقة الرد" على عدة حوادث، وخصوصاً اغتيال الأمين العام لحزب الله، باعتباره "أهمّ حليف لإيران ورمزاً لنفوذها الإقليمي"، وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن جذور المشكلة تعود إلى السلوك الإيراني المتردد منذ عدة سنوات، وبالأحرى منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني مطلع عام 2020، موضحاً أن هذا السلوك مرده "قرار استراتيجي من صناع القرار، غير أنه ربما هناك خلافات في التكتيك بين الحكومة الإصلاحية الحالية وبقية أركان الحكم".  

ويشير خديو إلى أن الحكومة "مرنة" في الموقف بشأن الرد على إسرائيل بسبب رؤيتها حول السياسة الخارجية ومسؤولياتها في تأمين أمن البلاد واقتصادها، لكن أصوات الاحتجاج باتت تخرج من الشريحة الاجتماعية المؤيدة للنظام التي تُعتبر "رصيده الاستراتيجي" بسبب عدم الرد على إسرائيل، داعية إلى اتخاذ توجه أكثر حزماً تجاهها.

ويضيف المتحدث أن هذا السلوك المتردد "لم يحقق نتائج إيجابية لإيران ولم يؤد إلى تقليل هجمات إسرائيل، بل زادت وأصبح هذا الكيان يتجاوز الخطوط الحمراء واحداً تلو الآخر ولا يتردد في القيام باغتيالات، سواء داخل إيران أو خارجها"، مشيراً إلى أن إيران "أصبحت تخسر الساحة الأمنية لصالح الكيان الإسرائيلي، سواء بسبب الاختراق أو التقنيات المتقدمة التي تمنح الإسرائيليين ميزة أمنية".

وتُظهر الاغتيالات أن عملية "الوعد الصادق" التي نفذتها إيران خلال إبريل/نيسان الماضي لم تحقق الردع المطلوب بحسب خديو الذي يقول إن طهران بعد العملية "أصبحت أكثر تردداً" في الرد على إسرائيل، وأشار إلى عقبات أمامها مثل الوضع الاقتصادي المتردي "حيث إن الاقتصاد القوي أهم سند في أي حرب محتملة"، بالإضافة إلى تراجع الرصيد الشعبي الذي عكسته الاحتجاجات والمشاركة المتدنية في الانتخابات خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن الكيان الإسرائيلي يستغل "نقاط الضعف هذه" للمضيّ قدماً في إجراءاته ضد إيران وتخطي الخطوط الحمراء.