حزبيون وبشمركة أكراد متورطون بتجارة النفط مع "داعش"

23 أكتوبر 2014
يسيطر "داعش" على حقول نفطية عدّة في العراق (Getty)
+ الخط -

يكشف البرلماني الكردي علي حمه صالح لـ"العربي الجديد"، عن ضلوع مسؤولين عسكريين وآخرين في الحزبين النافذين في إقليم كردستان العراق، "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني" بزعامة جلال طالباني، في تجارة النفط ومشتقاته مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ويصف الموضوع بأنّه "من أخطر القضايا في الإقليم، ذات الصلة بالحرب التي تخوضها قوات البشمركة الكردية ضدّ تنظيم "الدولة الاسلامية"".

ويؤكّد صالح توفّر معلومات وأدلّة عن قيام عدد من المسؤولين العسكريين في قوات البشمركة وآخرين في الأحزاب السياسية الكردية، بأعمال تجارية مع تنظيم "داعش" عبر إجراء عمليات شراء وبيع للنفط الخام والمشتقات النفطيّة معه، مشيراً إلى أنّ "الحكومة شكّلت لجنة وزاريّة للتحقيق في الموضوع، تضمّ في عضويتها وزراء الداخلية والبشمركة والثروات الطبيعية". ويوضح "أنّنا في البرلمان نحقّق بدورنا، ومتى وصلنا إلى نتائج، سنعلن التفاصيل"، لافتاً إلى "تلقّي البرلمان معلومات ومتابعتها، فضلاً عن لجنة من وزارات عدة تتولّى متابعة القضيّة لمحاسبة المتورطين".

وتكشف معلومات صالح، أرقاماً ومعلومات عن ثلاث شحنات من البنزين، نُقلت عبر مدينة كركوك الى مسلحي "داعش"، خلال يومي 27 و28 سبتمبر/أيلول الفائت، وقد تولّت إحدى السيّارات العائدة لمسؤول ميداني في قوات البشمركة توفير الحماية لانتقال الشحنات. وفي الحالة الثانية التي جرت ليلة 23 ــ 24 سبتمبر/أيلول الفائت، تمّ نقل أربع شحنات من البنزين، عبر مناطق خاضعة لسيطرة لواءين من قوات البشمركة، يتزعّم أحدهما مسؤول في الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، ويقود الثاني أحد مسؤولي حزب الاتحاد "الوطني الكردستاني"، وفقاً لمعلومات البرلماني الكردي.

ويؤكّد مصدر مطّلع على حيثيات القضيّة، وجود 11 متهماً في موضوع الإتجار مع "داعش"، عدد منهم أعضاء في قوات البشمركة. ومن المنتظر أن تتولّى محاكم عسكريّة ومدنيّة في إقليم كردستان النظر في قضايا المتورطين بالمتاجرة مع تنظيم "داعش"، بسبب وجود مدنيين وعسكريين متّهمين في القضية. ووفق القوانين العسكريّة المطبّقة في إقليم كردستان، سيواجه من يُدان من عناصر البشمركة بالتعامل مع تنظيم "داعش" عقوبة الإعدام، لأنّه سيُتهم بالخيانة العظمى الوطنيّة من دون أن يشمله أي عفو أو تخفيف للعقوبة.

ويشدد مدير منظمة "مترو للحريات"، رحمن غريب، لـ"العربي الجديد"، على وجوب التحقيق جدّياً بقيام مسؤولين أكراد بالمتاجرة مع تنظيم "داعش"، وتوفير محاكمات عادلة للمتّهمين، محذراً من حصول "تشويش" على القضيّة بصورة متعمّدة، ما يؤدي الى عدم التحقيق في الموضوع كما ينبغي.

وأشار الى أن "الرأي العام لو استُفتي عن رأيه في الموضوع لطالب بتصنيف كل من يتورط في التجارة مع "داعش" كجواسيس وخونة خدموا الأعداء وساعدوهم في محاربة الشعب الكردي"، معتبراً بالتالي أنه "يجب إنزال أقسى العقوبات بحقهم".

ويسيطر تنظيم "داعش" على حقول نفطية عدة في مناطق مختلفة من العراق، مثل نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك، إضافة الى بعض المنشآت النفطية كالمصافي التي يقوم باستغلالها منذ يونيو/حزيران الفائت ويحقق من خلالها ملايين الدولارات شهرياً.

ويقوم التنظيم ببيع النفط الخام الى سماسرة ووسطاء، كما يعمد إلى استبداله بمادة البنزين. وتنتهي كميات النفط الخام الى مشترين، ثم الى وجهة من اثنتين متوقعتين، إمّا الى مصافٍ تعمل على تكرير النفط الخام، شمالي العراق، أو إلى مشترين في الخارج كتركيا وإيران.

وتفيد تقارير بأنّ "داعش" كان يبيع نفطاً خاماً بما قيمته نحو مليوني دولار يومياً في العراق وسورية، قبل بدء طائرات التحالف الدولي بتوجيه ضربات جوية لحقول النفط ومنشآت الإنتاج، التي يسيطر عليها المسلحون. وبسبب تلك الضربات، لم يعد إنتاج النفط يتعدى 50 أو60 ألف برميل يومياً.

وبسبب الأسعار المتدنية التي يبيع بها "داعش" النفط الخام، والتي تتراوح بين 25 و60 دولاراً للبرميل، فيما السعر القياسي العالمي هو 85 دولاراً للبرميل، فإن أشخاصاً وشركات عدة، عمدت خلال الفترة الماضية، إلى شراء ذلك النفط، وهناك على الدوام مشترون جاهزون.

ويعمل ما لا يقلّ عن 70 من المصافي الصغيرة غير القانونية، شمالي العراق، من دون رخصة من حكومة بغداد أو اقليم كردستان، بسبب عدم التزامها بمعايير السلامة والبيئة وجودة الانتاج، وتشير مصادر متابعة إلى أنها مملوكة من قبل مسؤولين ونافذين، يُعتقد أنّ عدداً منهم يتعامل بالنفط الذي تبيعه "داعش".

ولا تقتصر قائمة أسماء الأشخاص الذين يتعاملون مع "داعش" في أعمال تجارية على أبناء مناطق شمالي العراق فحسب، فقد أشارت تقارير عراقية مؤخراً إلى أنّ أحد أقرباء رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، دخل هو الآخر في صفقات مع مسلحي "داعش". ويشير مصدر كردي إلى وجود تجار عراقيين عرب وتركمان وأكراد يتعاملون مع "داعش"، وينقلون النفط ومشتقاته بواسطة صهاريج من وإلى مناطق سيطرة التنظيم عبر وسطاء محليين، فيما لا يظهر التجار الأساسيون في الصورة.

وبحسب مراقبين، يبدو التحقيق في الموضوع وإنزال عقوبات بحق المخالفين صعباً، بسبب مواقع عدد من المتهمين وكونهم من النافذين، سواء في الأحزاب أو في الحكومة، أو من رجال الأعمال.

وتُعد عمليات التهريب والاتجار بالنفط الخام والمشتقات النفطيّة تجارة قائمة ومربحة في العراق، وقد بدأت وبشكل علني بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وإطاحة الحكم. ويشير مراقبون إلى عمليات تهريب في الكثير من المناطق العراقيّة في الجنوب والوسط والشمال. ففي الجنوب، يُهرَّب النفط بواسطة الزوارق والصهاريج، وفي وسط العراق وشماله بواسطة الصهاريج التي تجد طريقها إلى إيران وتركيا، ويتولى نافذون على صلة بمسؤولين حكوميين وحزبيين تلك التجارة ويدخل الجزء الأكبر من عائداتها إلى حساباتهم.

ويوضح مراقبون أنّ قسماً من المتورطين بالتعامل مع "داعش" في تجارة النفط الخام، يمارسون هذه التجارة منذ سنوات حتى قبل ظهور "داعش"، وكانت أعمالهم تتمّ مع جهات أخرى، أما الآن فقد تبدّل أحد طرفي العمليّة وحلّ "داعش" محلّه كبائع.

وإذا كانت عمليات تهريب النفط العراقي تتمّ منذ عام 2003، فإن توسّع هذه التجارة هو المستجد اليوم، منذ تمدد "داعش" في شمال العراق.

وقبل قضية تجارة النفط، كانت الأجهزة الأمنية في إقليم كردستان وفي تصريحات رسميّة لمسؤوليها، قد أكدت أنها تتابع عدداً من الأشخاص قاموا ببيع "داعش" مئات المركبات من نوع "تويوتا بيك آب"، خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين، لاستخدامها في عملياته العسكرية والتنقل بها.

وبسبب حساسية الموضوع، دخلت الولايات المتحدة على خط المتابعة، فقد وصل هذا الأسبوع المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوكستين ووفد مرافق له الى إربيل، في زيارة بحث خلالها مع رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني موضوع تجارة النفط التي يقوم بها "داعش".

وعلمت "العربي الجديد"، أنّ المسؤول الأميركي حثّ الجانب الكردي على اتخاذ كل السبل الضرورية لقطع الطريق أمام تجارة النفط من قبل "داعش". ووعد المسؤولون الأكراد بمتابعة جادة للقضيّة بهدف قطع الطريق على التنظيم المتشدّد للحصول على أموال من تلك التجارة.

المساهمون