"الأكاديميات الرياضية" تبيع الوهم للمصريين وتستنزف البسطاء

02 يونيو 2024
تمثل الأكاديميات الرياضية في مصر فرصة لعوائل المواهب الشابة (العربي الجديد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأكاديميات الرياضية في مصر تقدم فرصًا للشباب لتحقيق حلم الاحتراف مثل محمد صلاح، مع توفير برامج تدريبية وبنية تحتية متطورة، لكن تكاليف الاشتراك تمثل عائقًا للعائلات.
- تواجه الأكاديميات مشاكل في الإدارة والتدريب تعرض الأطفال لمخاطر جسدية ونفسية، بما في ذلك التدريبات الخاطئة والعنيفة، مما يؤدي إلى شكاوى من الأهالي.
- هناك حاجة ماسة لتنظيم ومراقبة الأكاديميات بشكل فعال من قبل الجهات المختصة لضمان تقديم تدريبات آمنة واحترافية، وإصدار قوانين تضمن جودة البرامج وسلامة الأطفال.

تمثل "الأكاديميات الرياضية"، فرصة ذهبية لعوائل اللاعبين الشباب، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الطبقات المتوسطة والفقيرة في مصر، لأنها تعلن باستمرار توفير برامج تدريبية احترافية وبنية تحتية متطورة، إلى جانب فرص الاختبار والاكتشاف أمام الأندية الكبرى، داخل البلاد وخارجها، كما حدث مع ابن قرية نجريج المصرية الفقيرة، والتابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية (90 كيلو متراً شمال القاهرة)، اللاعب العالمي، محمد صلاح، والذي أضحى أحد أهم لاعبي العالم.

وما إن توفر الأسرة بصعوبة ثمن الاشتراك في إحدى "الأكاديميات الرياضية"، حتى تصطدم طموحاتها بواقع مغاير، إذ تُدار هذه الأكاديميات من أشخاص غير مؤهلين تعليمياً أو مهنياً، ما يعرّض الأطفال لمخاطر جسدية ونفسية، فضلاً عن ضياع وقتهم وجهودهم، من دون تحقيق أي نتائج إيجابية على مستوى التنشئة الرياضية السليمة.

شكوى ضد "الأكاديميات الرياضية"

وقالت والدة الطفل، عادل مرتضى، ذي الـ 10 سنوات من العمر، في حديثها مع "العربي الجديد": "كان طفلي متحمساً للغاية للانضمام إلى أكاديمية كرة القدم، وكنا نأمل أن تكون هذه البداية لمسيرته الاحترافية في المستقبل، ولكن أثناء أحد التدريبات الخاطئة والعنيفة، التي قام بها أحد المدربين غير المؤهلين في الأكاديمية، تعرض لإصابة بالغة في قدمه، ما عصف بأي مستقبل رياضي ينتظره، وعندما حاولت البحث عن المسؤول وتقديم شكوى، لم أجد أي اهتمام من وزارة الشباب والرياضة. لقد كان الأمر محبطاً للغاية أن نكتشف أن هذه الأكاديمية، التي وضعنا فيها ثقتنا، تُدار من هواة، من دون أي إشراف أو ضوابط حقيقية".

وطالبت تلك السيدة، بتدخل السلطات المختصة، لضبط هذا القطاع، وحماية الأطفال من المخاطر البدنية والنفسية، التي قد تعرّضهم لها الممارسات غير المنظمة، مضيفة: "ما حدث لطفلي يجب ألا يحدث لأي طفل آخر، لقد آن الأوان لاتخاذ إجراءات فعّالة لضمان سلامة أبنائنا ومستقبلهم"، فيما أضاف أمجد السعيد، والد لطفلين في إحدى الأكاديميات الخاصة بمحافظة الإسكندرية (183 كيلومتراً شمال غربي القاهرة): "نضحي بالكثير، ونقتطع من أقواتنا لدفع تكاليف هذه الأكاديميات، وندفع مبالغ باهظة للانضمام إليها، بعد سماع الكثير من الوعود الكاذبة بإمكانية إلحاق أبنائنا بأحد النوادي الكبرى، ونتوقع في المقابل أن نحصل على تدريب احترافي وبيئة آمنة لأطفالنا، لكن للأسف ما نراه لا يعدو كونه اجتهادات عشوائية ذات هدف تجاري، ولا تخدم إلا أصحابها الراغبين في الربح، من دون أي خبرة أو مؤهلات كافية". 

وتابع السعيد قائلاً "نشعر بالإحباط، لأننا لم نحصل على القيمة مقابل المال الذي دفعناه، ويجب على وزارة الشباب والرياضة أن تفرض معايير احترافية صارمة على هذه الأكاديميات الرياضية، وتراقب جودة التدريب المقدم، ولا يمكن أن يُترك أطفالنا معرضين للخطر، أو أن ينسوا تماماً حلم الوصول للاحترافية".

بدوره، قال وكيل كلية التربية الرياضية بجامعة الإسكندرية، وعضو اللجنة الفنية باتحاد الكرة المصري السابق، الدكتور حسن أبوعبده، في حديثه مع "العربي الجديد"، حول "الأكاديميات الرياضية": "هذه الأكاديميات تتنوع وتختلف مستوياتها المادية، سواء كانت تابعة للأندية المصرية أو خاصة، وهي الأكثر انتشاراً وإقبالاً، خاصة في فصل الصيف، أثناء العطلة المدرسية للطلاب، نظراً إلى أسعار اشتراكاتها المتاحة للطبقة الفقيرة والمتوسطة في مصر". وأشار في حديثه، إلى أن الكثير من "الأكاديميات الرياضية"، يشرف عليها مدربون هواة بصورة غير رسمية، ولأهداف ربحية فقط لمجرد زيادة دخلهم، من دون الاهتمام بجودة التدريب أو سلامة الأطفال.

 وأوضح  أبوعبده، أن تلك الأكاديميات غالباً ما تُقام في أماكن غير مناسبة لا تقدم إلا تدريبات عشوائية هزيلة، من مدربين غير حاصلين على رخص لمزاولة التدريب، وملاعب غير مجهزة، وهو ما يسبّب في قتل المواهب، وضعف النمو البدني والفني للأشبال أو البراعم، ويصبح ضررها أكثر من نفعها، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق، مطالباً بتطبيق القرار، الذي اتُّخذ قبل 8 سنوات، من اللجنة الفنية لاتحاد الكرة المصري، بضرورة فرض شروط صارمة على هذه الأكاديميات، لضمان أن المدربين المؤهلين والحاصلين على التراخيص الرسمية، هم فقط من يدرّبون فعلياً.

وأكد خبير طب الملاعب، الدكتور محمد فودة، أن السنوات الأخيرة شهدت إقبالاً متزايداً على "الأكاديميات الرياضية" في مصر، خاصة تلك المتخصصة في لعبة كرة القدم، فالأسر ترى فيها فرصة نادرة لتغيير مسار حياتهم من خلال تألق أبنائهم لاعبين محترفين، وهذا الحلم يدفعهم إلى الاستثمار قدر الإمكان في تطوير مواهب أطفالهم الرياضية، ولفت إلى أن غالبية الأكاديميات الموجودة في البلاد، لا تقوم بعملية الترخيص، بسبب ما وصفه بالشروط التعجيزية، خاصة في الرسوم أو التجهيزات اللازمة لأي لعبة، التي لا يستطيع الحصول عليها، وهو ما سوف يضطره إلى التهرب أو اللجوء إلى التحايل للاستمرار في العمل، ومشاركة عدد كبير من المدربين غير المؤهلين للتعامل مع الأطفال.

وأضاف لـ "العربي الجديد": "في حال عدم وجود إشراف مدربين مؤهلين وحصول الأطفال على تدريب سيئ أو غير آمن، فإنهم معرضون للإصابات الخطيرة، والتي قد تؤثر على صحتهم البدنية على المديين القصير والطويل، كما أن ممارسة الأنشطة البدنية بشكل غير صحيح قد تؤدي إلى مشكلات في النمو والتطور الجسماني للأطفال".

وفي السياق نفسه يتفق معه اللاعب، والمدرب السابق في نادي الاتحاد السكندري، الخبير الرياضي، إبراهيم عوض الله، الذي قال "بالإضافة إلى الإصابات البدنية، فإن التدريب غير المراقب والممارسات الخاطئة قد تؤدي إلى آثار سلبية على الصحة النفسية والاجتماعية للأطفال، فالضغط المفرط أو المنافسة غير الصحية قد تسبب لهم القلق والتوتر والإحباط، وتؤثر سلباً على ثقتهم بأنفسهم، وتطورهم النفسي والاجتماعي، الأمر الذي يتطلب أن يشرف عليها أصحاب خبرات ومؤهلات متخصصة للتعامل مع الأطفال، إلى جانب تطبيق أسس علمية معتمدة على مستوى العالم للتدريب".

وطالب بإصدار قانون لتنظيم ترخيص الأكاديميات لوقف استغلال حلم الشباب والنشء في أن يكونوا لاعبي كرة محترفين، على أن تكون تحت إشراف الوزارة ومديرياتها بالمحافظات، لافتاً إلى أن كثيراً من تلك الأكاديميات يفتقر إلى الإمكانات اللازمة لاكتشاف المواهب، لأن القائمين على إداراتها يعملون وفق أسس استثمارية في المقام الأول، بغرض تحقيق منفعة مادية فقط.

وأكد مصدر في وزارة الشباب والرياضة بمحافظة الإسكندرية، لـ "العربي الجديد"، أن الوزارة ليس لها إشراف سوى على "الأكاديميات الرياضية"، التابعة للأندية الكبرى، أما الخاصة، التي تنشأ بمعرفة أشخاص معظمها مخالفة للوائح والقوانين، ولا يوجد حصر دقيق لأعدادها أو أماكن وجودها، كونها غير مرخصة، وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه "لا توجد قوانين أو لوائح في مصر تمنع من إنشاء أكاديمية رياضية"، مبيناً أن هناك أهمية لفرض إجراءات رقابية وتفتيشية مستمرة، والتأكد من أن الشخص الذي حصل على الترخيص هو بالفعل من يشرف على التدريبات، وأن جميع المدربين لديهم المؤهلات والتراخيص اللازمة، كما يجب وضع معايير واضحة لضمان سلامة الأطفال، والحفاظ على جودة البرامج المقدمة، وتقديمها من خلال أصحاب خبرات مؤهلات متخصصة للتعامل مع الأطفال، فهذا هو السبيل الوحيد للقضاء على هذه الممارسات السيئة في التنشئة الرياضية".

المساهمون