أملاً بعافية تصبو إليها بغداد منذ سنين طويلة هرباً من الإرهاب والعنف والمليشيات، حيث بعثر جمالها وذهبت زينتها، نظم مركز "باليت للثقافة والفنون" بالتعاون مع "دار الأزياء العراقية"، معرضاً مشتركاً تحت عنوان "أربع خطوات"، لأربعة فنانين، هم علاءالدين محمد، ووسام عبد جزي، وحيدر فاخر، ومثنى طليع، في قاعة الواسطي، وذلك ضمن محاولة تشكيلية جادة لإعادة تعريف "المكان" بكل تجلياته، من خلال تقديم رؤية بصرية جديدة ذات صياغة معاصرة قادرة على طرح تفسيرات فلسفية وجمالية حول المكان، أي العراق، كوطن وتأريخ وحاضر، وعلاقة الإنسان فيه.
العراق تاريخاً
يقول الفنان التشكيلي مثنى عباس طليع عن خطوته، في حديث إلى "العربي الجديد": "عملت في لوحاتي على حضارة العراق القديمة وربطتها بالرقعة الجغرافية لمهد الحضارة السومرية في الوقت المعاصر، وصورت مشاهد للأساطير القديمة وأخرى من العصر الحديث، وكانت المرأة هي محور أعمالي في "أربع خطوات" لأنها أساس المجتمع، وبالتالي نقلت حياتها ومعاناتها ومشاهد مختلفة على الرغم من البيئة الصعبة التي تعيش فيها، لكن حياتها لا تخلو من المشاهد الرومانسية والجميلة التي تحدث في حياتها".
من جهته، يوضح الفنان حيدر فاخر طلاسمه، في حديثه إلى "العربي الجديد": "أربع خطوات هو معرض مشترك لأربعة فنانين تشكيليين من الشباب، شاركنا بخمسة أعمال؛ كانت فكرتي هي الطلاسم، وأقصد بها الموروث الشعبي الإسلامي. قدمت بهذه التجربة إعادة صياغة لهذا الموروث من خلال إعادة العناصر الجمالية في اللوحة، وهناك بعض الثيمات، مثل الدائرة، ارتكزت عليها في هذا العمل، وتمثل بغداد الدائرية وما تملكه المدينة من موروث كبير وخفايا وأسرار جمالية. أحاول من خلال هذه الأعمال إظهارها للمتلقي بالشكل اللائق لجماليتها".
ويسير الفنان علاءالدين محمد على خطى أجداده البابليين مصوراً الحياة عبر فكره الخصب، قائلاً لـ"العربي الجديد": "اشتركت بخمسة أعمال تعبيرية رمزية، ساعياً إلى تسليط الأضواء، من خلال أعمالي، على حضارة العراق، وكيفية نهبها، وجرى أهمالها من قبل متسيدي القرار". يضيف الفنان: "وظّفت، أيضاً، في أعمالي، المصورات الأثرية بلوحات فنية معاصرة عبر أسلوب وتقنية خاصين، في محاولة لا أخفي فيها السعي إلى تمجيد الحضارة العراقية؛ لأني كفنان وجزء من المجتمع لا بد من أن أوثق مرحلة مهمة من تاريخ العراق التي استمر فيها الدمار والإرهاب، واستطعت إيصال فكرتي، ليس فقط محلياً وعربياً، بل تخطيتهما إلى العالمية".
سيرة مستمرّة للمكان
اختلف تناول الفنان وسام جزي للعراق أيضا، فذهب أكثر الى العمق الإنساني. في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول: "عملت في لوحاتي على تبسيط الأشياء الواقعية وجرها إلى عالمي الخاص، وهو عالم بسيط بعيداً عن تعقيدات الواقع الذي نعيشه، حاولت إظهاره بإخراجات فنية جديدة". يتابع: "أضاف لي هذا المعرض فائدة من خلال الحضور الجماهيري والفني وحصوله على أصداء جيدة. نأمل بمشاركات أخرى في عروض قادمة".
التقت "العربي الجديد" بالصحافية رفاه المعموري، التي كانت حاضرة في المعرض. تقول: "يمثل المعرض تجارب جديدة وواعدة للشباب. العنوان مميز؛ لأنه يشير إلى وجود أعمال فنية أنجزها شباب". تضيف: "أظن، من خلال رؤيتي للأعمال، أنها تمثل قصصاً مشرقة ومستقبلاً واعداً مبنياً على الماضي الجميل. لقد دأب مركز باليت للثقافة والفنون على إظهار الطاقات الشابة بمساحات عريضة تليق بخيالاتهم الخصبة".
وحول تجربة الفنان علاءالدين محمد، تقول: "يأخذني الحنين إلى ماض لم يكتمل، وحاضر معتم، لكنه ينشد الأمل". تضيف: "أما طلاسم حيدر، فوجدت فيها إعادة للإرث الإسلامي لجذوره الحقيقية، أي بغداد". أما بخصوص وسام عبد جزي، فتشير إلى أنه "حلّق بحمامات السلام حتى عانق القدس بكوفيتها الأنيقة، وحلّق على بساط ريح ينقلنا إلى عالمه المليء بالألوان". تختم: "ويظهر لنا مثنى عباس طليع المرأة بعذابها وجمالها وسحرها وسرها منتظرة غيث الحقيقة التي طال انتظارها".
ريشة تُشير إلى المستقبل
ومن جهته، يقول الفنان التشكيلي العراقي ناصر عبدالله الربيعي، في حديث إلى "العربي الجديد": "أربع خطوات هو الوصول إلى ضفاف حلم ينشده كل فنان، ألا وهو ناصية الإبداع. هكذا، يجمع المعرض أربع تجارب فنية شبابية واعدة من المؤمل أن تشكّل نواة لجيل فني عراقي جديد يضيف الكثير إلى التجارب العراقية السابقة طوال قرن من الحراك التشكيلي العراقي".
يضيف الربيعي: "يشكّل (أربع خطوات) نواة لجماعة فنية ستكبر وتتسع، لتكون هناك مجموعة من الفنانين الذين يمتلكون رؤى وفلسفة فنية، ربما تكون لها بصمة ننشدها جميعاً، ألا وهي تطوير الحراك التشكيلي العراقي بوعي وثقافة معاصرة، من شأنها أن تضيف إلى الحركة التشكيلية العراقية وإلى المخزون التشكيلي العراقي من حكايات وقصص عشناها جميعاً مع رواد التشكيل العراقي، مثل فائق حسن وجواد سليم وشاكر حسن آل سعيد ومحمد غني حكمت، وغيرهم. كل ذلك سيكون دافعاً كبيراً للجيل الحديث، ليبنوا على أساسه تجربة فنية جديدة يكتشفون من خلالها هويتهم الفنية، وصوتهم الخاص".