27 أكتوبر 2024
"أزمة الأقصى"
أيّاً كانت نتيجة المواجهة الراهنة في المسجد الأقصى، على خلفية إصرار حكومة نتنياهو على وضع ممرّات كهربائية لتفتيش المصلّين، فإنّ هنالك دلالات حيوية ومؤثّرة، يمكن الوصول إليها من سياق التطورات والأحداث، بدايةً من المواجهة المسلّحة في منتصف شهر يوليو/ تموز الحالي في باحات المسجد الأقصى، وما تلاها من منع الإسرائيليين الصلاة في المسجد.
هل المسألة مرتبطة، كما يذهب أغلب التحليل السياسي الذي نقرأه اليوم في الإعلام العربي، نحو "بالونات اختبار" إسرائيلية لردود فعل الشارع الفلسطيني بخاصة، والعربي بعامة، على أي محاولات إسرائيلية لـ"تغيير الوضع القائم هناك"؟
ربما، لكن هل تحتاج إسرائيل إلى "اختبار" ردود فعل الأنظمة العربية، فالواقع مثل الشمس في رابعة نهار صيفي، لأنّ هذه الأنظمة تخلّت تماماً عن القضية الفلسطينية، حتى ولو على وجه الحياء، في حساباتها وخطابها السياسي والإعلامي، وحتى في رسم علاقاتها الإقليمية، ولم يعد التناقض مع "إسرائيل" يمثّل، ولو شكلياً، أي اهتمام لدى هذه الأنظمة المشغولة في صداماتٍ إقليمية داخلية، على غرار أزمة الخليج العربي، أو في التناقض مع إيران الذي تعتبره السعودية "صراعاً وجودياً"، أو بأزماتها الداخلية وصراع البقاء في الحكم لدى بعض الأنظمة، كما الحال في مصر وسورية والعراق واليمن وليبيا!
لا تحتاج إسرائيل لاستكشاف حجم الفراغ الاستراتيجي في النظام الإقليمي العربي، فلم يعد هنالك أي نظامٍ يرفع الشعارات القومية أو الثورية في مواجهة إسرائيل، كما كانت الحال لدى عبد الناصر أو صدام حسين أو حتى حافظ الأسد، ربما الطرف الوحيد المتبقي عربياً، ممن يتحدّث عن القدس والقضية الفلسطينية بوصفها أولوية دبلوماسية هو الأردن، الذي يخوض المعركة وحيداً، وذلك أيضاً لاعتبارات استراتيجية وتاريخية وسياسية واجتماعية، تدخل في صلب المصالح الوطنية والحيوية للنظام الأردني.
ما عدا ذلك، فإن الدولتين الوحيدتين اللتين تظهران ندية وخشونة مع إسرائيل، على الأقل على صعيد الدعاية السياسية والإعلامية، هما إيران وتركيا، وهي مفارقةٌ تختزل حجم الهشاشة الهائلة في الحالة العربية الراهنة.
هل تحتاج إسرائيل لاستكشاف ردود فعل الشارع العربي واختبارها؟ أظن أنّ قدرتها على قراءة المشهد تغني عن أي محاولاتٍ جديدة، فالسوريون اليوم مشغولون في حربٍ أهلية طاحنة، وما عانوه من دمار شامل وتهجير وتقتيل يفوق حجم الكارثة الفلسطينية، على يد "النظام الممانع"، وعلى يد إيران التي تدّعي مناصرة القضية الفلسطينية، والحال في العراق لا تختلف في "الحرب الأهلية"- الطائفية الصامتة، وتتفوق في خطورتها وأهميتها على كل ما هو خارج الحدود العراقية
وكذلك الأمر لدى المواطن اليمني، والمواطن الليببي، والمصري ليس بعيداً، وحتى المغرب العربي، الذي يبدو داخلياً أفضل حالاً، فإنّ الأزمة الاقتصادية والقلق من المستقبل والهموم اليومية تحتل لديه أغلب مساحة الرؤية.
هل الأمر مختلفٌ في السعودية، حيث التيار السلفي العارم، وهي الدولة التي ناصرت تقليدياً وتاريخياً القضية الفلسطينية، ولو معنوياً ومالياً ورمزياً؟ من الواضح أنّ الحسابات الإقليمية، المرتبطة بالأزمة الخليجية، والداخلية المرتبطة بالتغييرات الجديدة، وأولوية العلاقة مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كل ذلك يجعل من ردود الفعل الرسمية والشعبية محدودة جداً!
نعود إلى نقطة البداية، ربما لم تكن إسرائيل تريد أن تختبر الحالة العربية، لأنّ هذه الحالة ليست بحاجة إلى اختبار، بقدر ما أنّها تريد أن تتأكّد من أنّ الوضع العربي وصل إلى مرحلة مستفحلة من الصراعات الداخلية، لكن ما هو أهم من الاستكشاف الإسرائيلي، أنّها مستمرة في مخطط تهويد وتغيير الأمر الواقع والزحف اليومي المستمر نحو مخططها، من دون أن تنتظر ردود فعل رمزية أو سياسية.
الاستكشاف الحقيقي هو للعرب أنفسهم، وللفلسطينيين، لما وصلت إليه حالة النظام الإقليمي العربي، الذي لم يعد قادراً حتى على الادعاء بفعل شيء ما، والشارع العربي المثقل بأولوياته وهمومه ومصائبه، وبنتائج التحولات التاريخية في العالم العربي على القضية الفلسطينية.
بالرغم من ذلك، فرب ضارة نافعة، وأظن أنّ هذا ما تدركه بعض الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي عارضت خطوات نتنياهو الأخيرة، إذ إنّ الأزمة الراهنة الحالية ربما تكون فرصة فلسطينية وعربية لإيقاظ الشعوب وإعادة حفر القضية الفلسطينية وأهمية المسجد الأقصى في المشهد العربي والفلسطيني مرّة أخرى، بعد أن كاد الجميع ينسى "القضية" لولا هدية نتنياهو للفلسطينيين.
ربما، لكن هل تحتاج إسرائيل إلى "اختبار" ردود فعل الأنظمة العربية، فالواقع مثل الشمس في رابعة نهار صيفي، لأنّ هذه الأنظمة تخلّت تماماً عن القضية الفلسطينية، حتى ولو على وجه الحياء، في حساباتها وخطابها السياسي والإعلامي، وحتى في رسم علاقاتها الإقليمية، ولم يعد التناقض مع "إسرائيل" يمثّل، ولو شكلياً، أي اهتمام لدى هذه الأنظمة المشغولة في صداماتٍ إقليمية داخلية، على غرار أزمة الخليج العربي، أو في التناقض مع إيران الذي تعتبره السعودية "صراعاً وجودياً"، أو بأزماتها الداخلية وصراع البقاء في الحكم لدى بعض الأنظمة، كما الحال في مصر وسورية والعراق واليمن وليبيا!
لا تحتاج إسرائيل لاستكشاف حجم الفراغ الاستراتيجي في النظام الإقليمي العربي، فلم يعد هنالك أي نظامٍ يرفع الشعارات القومية أو الثورية في مواجهة إسرائيل، كما كانت الحال لدى عبد الناصر أو صدام حسين أو حتى حافظ الأسد، ربما الطرف الوحيد المتبقي عربياً، ممن يتحدّث عن القدس والقضية الفلسطينية بوصفها أولوية دبلوماسية هو الأردن، الذي يخوض المعركة وحيداً، وذلك أيضاً لاعتبارات استراتيجية وتاريخية وسياسية واجتماعية، تدخل في صلب المصالح الوطنية والحيوية للنظام الأردني.
ما عدا ذلك، فإن الدولتين الوحيدتين اللتين تظهران ندية وخشونة مع إسرائيل، على الأقل على صعيد الدعاية السياسية والإعلامية، هما إيران وتركيا، وهي مفارقةٌ تختزل حجم الهشاشة الهائلة في الحالة العربية الراهنة.
هل تحتاج إسرائيل لاستكشاف ردود فعل الشارع العربي واختبارها؟ أظن أنّ قدرتها على قراءة المشهد تغني عن أي محاولاتٍ جديدة، فالسوريون اليوم مشغولون في حربٍ أهلية طاحنة، وما عانوه من دمار شامل وتهجير وتقتيل يفوق حجم الكارثة الفلسطينية، على يد "النظام الممانع"، وعلى يد إيران التي تدّعي مناصرة القضية الفلسطينية، والحال في العراق لا تختلف في "الحرب الأهلية"- الطائفية الصامتة، وتتفوق في خطورتها وأهميتها على كل ما هو خارج الحدود العراقية
وكذلك الأمر لدى المواطن اليمني، والمواطن الليببي، والمصري ليس بعيداً، وحتى المغرب العربي، الذي يبدو داخلياً أفضل حالاً، فإنّ الأزمة الاقتصادية والقلق من المستقبل والهموم اليومية تحتل لديه أغلب مساحة الرؤية.
هل الأمر مختلفٌ في السعودية، حيث التيار السلفي العارم، وهي الدولة التي ناصرت تقليدياً وتاريخياً القضية الفلسطينية، ولو معنوياً ومالياً ورمزياً؟ من الواضح أنّ الحسابات الإقليمية، المرتبطة بالأزمة الخليجية، والداخلية المرتبطة بالتغييرات الجديدة، وأولوية العلاقة مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كل ذلك يجعل من ردود الفعل الرسمية والشعبية محدودة جداً!
نعود إلى نقطة البداية، ربما لم تكن إسرائيل تريد أن تختبر الحالة العربية، لأنّ هذه الحالة ليست بحاجة إلى اختبار، بقدر ما أنّها تريد أن تتأكّد من أنّ الوضع العربي وصل إلى مرحلة مستفحلة من الصراعات الداخلية، لكن ما هو أهم من الاستكشاف الإسرائيلي، أنّها مستمرة في مخطط تهويد وتغيير الأمر الواقع والزحف اليومي المستمر نحو مخططها، من دون أن تنتظر ردود فعل رمزية أو سياسية.
الاستكشاف الحقيقي هو للعرب أنفسهم، وللفلسطينيين، لما وصلت إليه حالة النظام الإقليمي العربي، الذي لم يعد قادراً حتى على الادعاء بفعل شيء ما، والشارع العربي المثقل بأولوياته وهمومه ومصائبه، وبنتائج التحولات التاريخية في العالم العربي على القضية الفلسطينية.
بالرغم من ذلك، فرب ضارة نافعة، وأظن أنّ هذا ما تدركه بعض الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي عارضت خطوات نتنياهو الأخيرة، إذ إنّ الأزمة الراهنة الحالية ربما تكون فرصة فلسطينية وعربية لإيقاظ الشعوب وإعادة حفر القضية الفلسطينية وأهمية المسجد الأقصى في المشهد العربي والفلسطيني مرّة أخرى، بعد أن كاد الجميع ينسى "القضية" لولا هدية نتنياهو للفلسطينيين.