على مدار دوراته الثلاث الماضية، استطاع "أسبوع أفلام غوته" أن يصبح أحد المواعيد السينمائية في مصر. فبجانب ما يتيحه من عروض مجانية للأفلام الألمانية، يوفّر فرصة لمشاهدة العديد من الأفلام المصرية الجديدة التي لن تتيحها دور العرض السينمائية إما بسبب مواقفها السياسية أو لحالة التجريب والإطار الفني المغاير الذي لا يهضمه المشرفون على القاعات التجارية.
اختتمت دورة هذا العام قبل أيام، بعد أسبوع من العروض والأنشطة، وقد شهدت هذه الدورة انتقالها من مبنى "معهد غوته" في شارع البستان وسط القاهرة إلى المقر الجديد في حي الدقي، مما سمح بحضور نوعية مختلفة من الجمهور، فلم يعد الأمر مقتصراً على شباب المثقفين والفاعلين في المجال الفني، بل حضرت شريحة جديدة من الجمهور تتمثل في طلاب الجامعة، وكان لهم الحضور الأبرز في معظم العروض.
الحرب والهجرة واللجوء يمكن اعتبارها القضايا الثلاث التي كان لها الحضور الأبرز في قصص الأفلام العشرة التي عُرضت، وتضمنت سبعة أفلام ألمانية هي "أربعة ملوك"، و"كنا ثوارا"، و"توني إردمان"، و"منزل بلا سقف"، و"24 أسبوعا"، و"فريدلاند"، و"بعد الربيع يأتي الخريف"، وثلاثة أفلام مصرية هي "جان دارك مصرية"، و"واحد زائد واحد يصنع كعكة فرعون بالشوكولاته"، و"النسور الصغيرة".
بعد عرضه الأول في القاهرة، شهد الفيلم التسجيلي "النسور الصغيرة" لـ محمد رشاد نقاشاً دام لساعة ونصف، ورغم محاولات المخرج لدفع الثورة والمشهد السياسي إلى خلفية الأحداث محاولاً التركيز في عمله على الجوانب الإنسانية والاجتماعية ورحلته الشخصية مع الانتقال من الحياة في الإسكندرية للإقامة في القاهرة؛ إلا أن جمهور الفيلم وخاصة الشباب وجدوا في العمل فضاء للخروج عن النص، والتعبير عن حماس ثوري.
ينطلق الفيلم من رحلة ذاتية يخوضها مخرجه لمواجهة مخاوفه وأحلامه وبحثه عن ذاته، ويتحول تدريجياً إلى مساحة أوسع تروي حكايات أجيال مختلفة ومتنوعة اجتماعياً، من خلال سؤال مركزي مرتبط بالزمن وتغيّراته والعلاقة الشائكة والمتوترة بين الآباء والأبناء، هذه العلاقة التي يعاد صياغتها من جديد دون الوقوع في فخ الخطاب الدعائي أو إصدار أحكام إدانة مجانية على أي جيل.
في الفيلم الألماني الوثائقي "فريدلاند"، تسير الأحداث في خطّين دراميين، أحدهما يتعلق بوضع اللاجئين السوريين، والآخر يروي قصة المدينة الألمانية وتاريخها منذ الحرب العالمية الثانية باعتبارها واحدة من أكثر المدن تعددية وتسامحاً.
هذه الصورة اليوتوبية لفريدلاند تُقدّم عبر معالجة بصرية ممتعة وخادعة في آن واحد؛ فالكاميرا مفتوحة على أفق الطبيعة والحقول الشاسعة، بالإضافة إلى الشوارع الهادئة والنظيفة والحدائق المنتشرة في كل مكان تمنح شعوراً بالراحة والجمال.
إلا أنه على الجانب الآخر تتجاهل الكاميرا مساحة كبيرة من العنف والتمييز تُمارس على العديد من اللاجئين في ألمانيا، وهو ما شعر به عدد كبير من الجمهور حيث بدا لهم الفيلم كبرنامج سياحي ودعائي عن روعة ألمانيا وتحضّر شعبها.
على عكس هذه الصورة التي تبدو مفتعلة، يطرح فيلم "منزل بلا سقف" لـ سولين يوسف أسئلة حول الوطن والهوية والذاكرة؛ فالأسرة الكردية التي تعيش في ألمانيا منذ سنوات بعد أن هربت من قمع النظام العراقي في فترة صدام حسين، تعود مجدداً إلى إقليم كردستان تنفيذاً للوصية التي تركتها الأم بأن تُدفن هناك، عبر هذه الرحلة يُعيد كل فرد اكتشاف ذاته وتاريخه وهويته الشخصية.
جعل العمل الرحلة من ألمانيا إلى العراق عملية تكتشف من خلالها كل شخصية المتناقضات التي تحوّلت إلى مكوّن أصيل من حياتها وهويتها ووطنها؛ فتصبح رحلة دفن الأم رحلة حياة جديدة للأبناء، يُعيدون فيها ترتيب رؤيتهم ومعرفتهم بذاتهم ووجودهم.