كل المقدمات إلى فيلم "أنا الشعب" تنبئ بفيلم استشراقي من الطراز الأول: مخرجة فرنسية، قرية في الأقصر، متابعة الثورة المصرية في أعوامها الأكثر صخباً، فلاحون ومزارعون ونقاشات سياسية، وحتى أغنية "أنا الشعب" ذاتها التي تستخدم في عروضه الدعائية بحسٍ ملحمي... كل شيء يقول إنها ستكون رؤية أوروبية مصطنعة لحدثٍ مهم، ولكن ما يحدث في فيلم المخرجة آنا روسيون، والذي يعرض حالياً في سينما "زاوية" في القاهرة، هو العكس تماماً: شريط سينمائي يقطر جمالاً في كل تفاصيله ومراحله، ويتجاوز ــ بصدق قبل أن يكون ذكاء ــ كل العثرات المحتملة ويحولها لمزايا تجعله أنضج وأجمل الأفلام الوثائقية التي تناولت الحدث التاريخي الأهم في تاريخ مصر الحديث.
الحكاية الخلفية لصناعة العمل، والتي لا تظهر في الفيلم وإن ألقت بظلالها على صورته النهائية، بدأت في عام 2010، حين كانت روسيون تصنع فيلماً عن السياحة والقرى الصغيرة في محافظة الأقصر المصرية، تعرفت خلال تلك المرحلة على "فراج"، الفلاح المصري الذي يتحدث أكثر من لغة، وتطورت علاقة صداقة بينهما لدرجة شعوره أنها ابنته. تعرفت على زوجته وأبنائه وصارت شديدة القرب من حياته، وأثناء التحضير للفيلم المرتبط بالسياحة اندلعت الثورة المصرية، حيث يبدأ الفيلم نفسه، وحينها تغيرت الواجهة تماماً، عاشت روسيون في بيت فراج، ومع عائلته، لتصور فيلمها على مدار 3 سنوات، تبدأ من فبراير/شباط 2011 بعد سقوط الرئيس المخلوع حسني مبارك وحتى انقلاب يوليو/تموز 2013 وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي.
هناك عدة أسباب تمنح هذا الفيلم قيمته الكبيرة هذه، أولها المُعايشة والصدق. في الأفلام الوثائقية يمكن أن تأتي القيمة من كونِك تخوض رحلة وتكتشف شيئاً، ويمكن أن تكون مجرد معايشة الشخصيات والتقاط حياتهم اليومية، ومقدار الصداقة العالي بين روسيون و"فراج" الذي سمح لها أن "تعيش" لمدة 3 سنوات تقريباً في بيته، خلق درجة استثنائية من الحميمية وقدرة الاطلاع على كل شيء.
السبب الثاني أن روسيون تلتقط الفيلم من موقع "الصديقة" وليس من موقع "الغريبة"، وهو ما تجاوز بالفيلم عثرة أن يكون استشراقياً، فهي لا تذهب وراء التفاصيل التي تلفت نظرها كـ"فرنسية"، بل تتنساب تماماً مع الحياة التي يعيشها أبطالها، لا تذهب وراء المدينة أو القرية أو الزرع أو الآثار، فالبشر هنا هم المهمون، ولذلك لا تحاول تحريك مساراتهم خارج إطارهم المعتاد، لم تحاول مثلاً أن تذهب بـ"فراج" لميدان التحرير، أو تجعله أكثر تورطاً مع الثورة.
والسبب الثالث وراء قوة الفيلم هي الشخصية ذاتها، أي "فرّاج"، وعلاقته بمخرجة الفيلم، والتي تحمل ندية كاملة، تسمح بلحظات من النقاش والحدة، أن يقول لها "اسكتي" أو إنك "لا تعرفين شيئاً"، أن يتجادلا في السياسة، وأن تتغير آراؤه باستمرار، أن تتطور الشخصية بتلقائية تأثراً بحدث عظيم مثل الثورة في الخلفية طوال الوقت، بكل التشتت حتى الذي يصيبه أحياناً بين تأييد "مرسي" أو الفرح بعزله.
"أنا الشعب" هو فيلم يحمل كل ما سبق، يحمل المُعايشة والصدق والتقاط اليومي والدقيق، يحمل "الشعب" فعلاً كصورة بسيطة وحياتية ومنسابة، وهو أمر تعكسه "روسيون" حتى على المستوى البصري الفعَّال والناضج جداً.
اقــرأ أيضاً
الحكاية الخلفية لصناعة العمل، والتي لا تظهر في الفيلم وإن ألقت بظلالها على صورته النهائية، بدأت في عام 2010، حين كانت روسيون تصنع فيلماً عن السياحة والقرى الصغيرة في محافظة الأقصر المصرية، تعرفت خلال تلك المرحلة على "فراج"، الفلاح المصري الذي يتحدث أكثر من لغة، وتطورت علاقة صداقة بينهما لدرجة شعوره أنها ابنته. تعرفت على زوجته وأبنائه وصارت شديدة القرب من حياته، وأثناء التحضير للفيلم المرتبط بالسياحة اندلعت الثورة المصرية، حيث يبدأ الفيلم نفسه، وحينها تغيرت الواجهة تماماً، عاشت روسيون في بيت فراج، ومع عائلته، لتصور فيلمها على مدار 3 سنوات، تبدأ من فبراير/شباط 2011 بعد سقوط الرئيس المخلوع حسني مبارك وحتى انقلاب يوليو/تموز 2013 وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي.
هناك عدة أسباب تمنح هذا الفيلم قيمته الكبيرة هذه، أولها المُعايشة والصدق. في الأفلام الوثائقية يمكن أن تأتي القيمة من كونِك تخوض رحلة وتكتشف شيئاً، ويمكن أن تكون مجرد معايشة الشخصيات والتقاط حياتهم اليومية، ومقدار الصداقة العالي بين روسيون و"فراج" الذي سمح لها أن "تعيش" لمدة 3 سنوات تقريباً في بيته، خلق درجة استثنائية من الحميمية وقدرة الاطلاع على كل شيء.
السبب الثاني أن روسيون تلتقط الفيلم من موقع "الصديقة" وليس من موقع "الغريبة"، وهو ما تجاوز بالفيلم عثرة أن يكون استشراقياً، فهي لا تذهب وراء التفاصيل التي تلفت نظرها كـ"فرنسية"، بل تتنساب تماماً مع الحياة التي يعيشها أبطالها، لا تذهب وراء المدينة أو القرية أو الزرع أو الآثار، فالبشر هنا هم المهمون، ولذلك لا تحاول تحريك مساراتهم خارج إطارهم المعتاد، لم تحاول مثلاً أن تذهب بـ"فراج" لميدان التحرير، أو تجعله أكثر تورطاً مع الثورة.
والسبب الثالث وراء قوة الفيلم هي الشخصية ذاتها، أي "فرّاج"، وعلاقته بمخرجة الفيلم، والتي تحمل ندية كاملة، تسمح بلحظات من النقاش والحدة، أن يقول لها "اسكتي" أو إنك "لا تعرفين شيئاً"، أن يتجادلا في السياسة، وأن تتغير آراؤه باستمرار، أن تتطور الشخصية بتلقائية تأثراً بحدث عظيم مثل الثورة في الخلفية طوال الوقت، بكل التشتت حتى الذي يصيبه أحياناً بين تأييد "مرسي" أو الفرح بعزله.
"أنا الشعب" هو فيلم يحمل كل ما سبق، يحمل المُعايشة والصدق والتقاط اليومي والدقيق، يحمل "الشعب" فعلاً كصورة بسيطة وحياتية ومنسابة، وهو أمر تعكسه "روسيون" حتى على المستوى البصري الفعَّال والناضج جداً.