تترقب سوق النفط العالمية اجتماعا لمنظمة أوبك وحلفائها يعقد يوم الخميس لوضع حد للفوضى الحالية في أسواق الطاقة، وإنهاء الحرب النفطية بين الرياض وموسكو.
وفي حين بدا منتجون متفائلين بالاجتماع، خاصة مع تسريبات أكدت إمكانية الاتفاق على خفض قياسي للإنتاج يتجاوز 10 ملايين برميل يوميا، وبالتالي إحداث قفزة في أسعار النفط وامتصاص الفائض الضخم، ظهر التشاؤم على منتجين آخرين، خاصة مع استمرار تراجع الطلب العالمي بسبب تفشي وباء كورونا.
التفاؤل عبّر عنه وزير النفط العراقي، ثامر الغضبان، الذي قال إنه متفائل حيال التوصل إلى اتفاق جديد لخفض المعروض بعد محادثات هاتفية مع بعض نظرائه في "أوبك+"، كما توقع توصّل منتجي النفط حول العالم إلى اتفاق تخفيض كبير بالإنتاج، مضيفا أن "الاجتماع سيُدار عبر دائرة تلفزيونية، وهذا الأمر يتطلب إعداداً جيداً".
لكن الغضبان عاد وأكد أن أي اتفاق جديد يتطلب دعم المنتجين الرئيسيين من خارج تحالف أوبك+، مثل الولايات المتحدة وكندا والنرويج، وهو ما يضع علامات استفهام حول نتائج الاجتماع المقبل.
ومن علامات التفاؤل، وإبداء نوع من المرونة تجاه المفاوضات المرتقبة، سارعت السعودية إلى تأجيل إعلان أسعار خاماتها النفطية للشهر المقبل (مايو/ أيار).
ونقلت وكالة رويترز عن مصدر سعودي رفيع قوله الأحد إن "أرامكو" سترجئ إعلان أسعار البيع الرسمية لخاماتها لشهر مايو حتى 10 إبريل/ نيسان لانتظار ما سيسفر عنه اجتماع (الخميس) بين أوبك وحلفائها بخصوص تخفيضات إنتاج محتملة.
ومع حالة الترقب تلك تقف السوق النفطية على حافة الغرق في بحر عميق من الكساد، وتتعلق الآن بنتائج الاجتماع المقبل ويد الإنقاذ التي مدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأسبوع الماضي بالتدخل مباشرة عبر المحادثة الهاتفية مع بوتين ثم لاحقاً مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والضغط عليهما لإجراء خفض يراوح بين 10 و15 مليون برميل يومياً لسحب الفائض الضخم المتراكم في السوق، وسط استمرار الإغلاق لأكثر من نصف الاقتصادات العالمية.
وفي أعقاب تغريدة ترامب حول مكالمته الهاتفية، ارتفعت أسعار النفط فوق 30 دولاراً ولا تزال، ولكن استمرارية هذا الارتفاع تعتمد على نتائج الاجتماع المقرر يوم الخميس.
ويرى خبير النفط بمركز دراسات الطاقة الدولي في جامعة كولومبيا الأميركية بنيويورك، روبرت ماكنلي، أن السوق باتت غارقة في النفط، ولا يوجد طلب على الخام الأسود يستوعب المعروض من النفط السعودي، وأن الحل الوحيد يتمثل في خفض الإنتاج وربما بنسبة كبيرة.
لكن حتى الآن هناك كثير من التفاصيل الغائبة حول اجتماع "أوبك +" الذي تم تأجيله من اليوم الاثنين إلى الخميس.
وهذا التأجيل يثير كثيراً من الشكوك في السوق النفطية، إذ ترى خبيرة النفط بمصرف "أر بي أس" البريطاني، هيلما كروفت، أن التأجيل يعني أن الخلاف بين موسكو والرياض لم ينته بعد، وربما تترجم هذه الشكوك في تراجع أسعار النفط حينما تفتح السوق الاثنين.
فالسوق النفطية باتت شديدة الحساسية لكل تعليق يصدر من واشنطن أو الرياض أو موسكو بشأن النفط.
هنالك قلق حقيقي وسط تجار النفط والمنتجين من الاتهامات المتبادلة بين موسكو والرياض حول من المسؤول عن الانهيار في السوق. وكانت أسعار النفط قد انهارت من مستوياتها فوق 55 دولاراً إلى نحو 33 دولاراً بسبب هذه الاتهامات التي انتهت بالحرب النفطية.
ويرى خبير النفط السابق في مركز دراسات الطاقة العالمية، روبرت لي، في مقال بوكالة بلومبيرغ، أمس الأحد، أن "السوق بحاجة إلى خفض كبير وسريع حتى تتمكن من وقف الدمار الكامل خلال العام الجاري".
وحتى الآن تنظر السوق النفطية إلى ثلاثة سيناريوهات، وهي أن يتم اتفاق على خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً وتشارك فيه السعودية وروسيا بنسب كبيرة وبقية الدول الأعضاء في "أوبك+" وربما تشارك الشركات الأميركية بخفض طوعي. وفي هذا الشأن، أعلن الكرملين أمس أن الرئيس الروسي يتطلع إلى إجراء مفاوضات بناءة بشأن الوضع في أسواق النفط العالمية.
ووفق مثل هذا السيناريو من المتوقع أن تواصل أسعار النفط تأرجحها بين 30 و35 دولاراً للبرميل. وهو السيناريو المرجح حتى الآن وبنت عليه السوق النفطية تعاملاتها في عقود النفط المستقبلية التي جرى التعامل فيها منذ يوم الخميس.
في هذا الشأن يرى خبير أسواق المال والرئيس التنفيذي لشركة "بروبيس سيكيورتيز"، جونثان بارات، أن هناك تفاؤلاً في السوق حول تنفيذ دول "أوبك +" لخفض الإنتاج في اجتماع الخميس.
ويرى محللون أن جميع الدول المنتجة للنفط، داخل أوبك وخارجها، والشركات الأميركية والعالمية التي تنتج أو تتاجر في النفط تعيش حالياً في مأزق مالي حقيقي بسبب انهيار أسعار النفط، وأن هنالك رغبة حقيقة في خفض الإنتاج، وتدعم هذه الرغبة تحذيرات ترامب بمعاقبة جميع دول أوبك، وعلى رأسها السعودية بفرض الرسوم على وارداتها.
أما السيناريو الثالث، وهو الخطر، فهو تواصل الخلاف بين موسكو والرياض واضطرار ترامب لفرض رسوم على السعودية وروسيا وبقية المنتجين داخل منظمة "أوبك". وسلاح الرسوم من أدوات العقاب التي يحبّذها ترامب.
وقال ترامب محذراً الرياض في تعليقات يوم السبت إنه لا يستبعد فرض رسوم جمركية على نفط السعودية، إذا تصرفت الرياض بشكل غير نزيه تجاه واشنطن. وأضاف في إحاطة إعلامية بواشنطن: "الرسوم تدر الكثير من المال على بلدنا، نحن فرضناها على الصين ودول أخرى، ودول أخرى فرضتها علينا".
ولدى ترامب السلطات الدستورية التي تخوله فرض رسوم على النفط المستورد ومشتقاته دون الرجوع للكونغرس. وهذه الرسوم تمت مناقشتها من قبل مسؤولين في البيت الأبيض مع كندا التي تحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية إنتاجها النفطي ضمن استراتيجية أمن الطاقة الأميركية.
بينما قال 31.1% منهم إنهم لا يعتقدون أنها ستساعد الصناعة النفطية، وقال 33.3% فقط إنهم يعتقدون أنها ستفيد الشركات الأميركية. كذلك يُعارض هذه الرسوم بعض المسؤولين في البيت الأبيض، ومن بينهم رئيس المجلس الاقتصادي بالبيت الأبيض، لاري كودلو.
ولكن في حال عدم إجراء كل من الرياض وموسكو الخفض المطلوب لإنقاذ الصناعة النفطية، فإن محللين يرون أن ترامب سيفرض هذه الرسوم وسيبحث حلولاً أخرى إلى جانبها لإنقاذ صناعة النفط الأميركية.
وتنتج أميركا حالياً أكثر قليلاً من 13 مليون برميلاً يومياً حسب بيانات إدارة الطاقة الأميركية، بينما تستهلك نحو 20 مليون برميل يومياً، وبالتالي فهي تستورد نحو 7 ملايين برميل من الخامات، لكن هناك واردات نفطية تنفذها الشركات الأميركية التي تتاجر عالمياً في المشتقات النفطية.
على صعيد الخلافات بين السعودية وروسيا، يرى خبراء في الصناعة النفطية أنه لا تلوح في الأفق حتى الآن بوادر اتفاق حقيقية حول حجم الخفض، لكن الخبير روبرت لي يرى أنّ أي اتفاق يحدث في اجتماع الخميس سوف يكون اتفاقاً طارئاً وليس طويل المدى. ويعتقد محللون أن السعودية لن تغامر بإغضاب ترامب في هذه المرحلة الحرجة التي يواجهها الاقتصاد الأميركي.
ورغم أن كلاً من موسكو والرياض متضررة من إغراق السوق بالنفط وحاجتهما الملحة للموارد المالية، إذ يعتمد كلا الاقتصادين، الروسي والسعودي، على مبيعات الطاقة، إلا أن روسيا تبدو أفضل حالاً من السعودية، إذ لديها علاقات استراتيجية مع الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، ويشهد اقتصادها بعض التعافي من تداعيات "كوفيد 19".
وتستورد الصين 10.1 ملايين برميل يومياً من النفط معظمها من روسيا ودول الخليج والسعودية، وذلك حسب بيانات مصلحة الجمارك الصينية في نهاية عام 2019.
وترغب الصين في ملء خزانات الاحتياطي التي تتسع لمليار برميل وتعكف على شراء 100 مليون برميل من السوق. وفي حال تواصل الانهيار النفطي، فإن بكين ستفضل الشراء من روسيا على حساب الحصة السعودية. كما أن لدى روسيا اتفاقات غاز مع الصين تقدر بنحو 400 مليار دولار.
ويرى خبراء أن الاختلال في السوق تخطى مرحلة الزيادة التي تتحدث عنها السعودية ورفع إنتاجها النفطي إلى 13 مليون برميل يومياً، حيث، لا يوجد طلب يذكر اليوم وتمتنع معظم المصافي عن شراء النفط وسط توقف الحركة والإغلاق والعزل.
في هذا الصدد يقول خبير النفط بمركز الطاقة الدولي في جامعة كولومبيا الأميركية، روبرت ماكنيللي، أن هنالك شبه "تسونامي" يضرب السوق النفطية، حيث تغرق السوق بالنفط والمخزونات في وقت ينهار فيه الطلب العالمي بسبب إغلاق النشاط الاقتصادي العالمي خاصة في الدول الرئيسية المستهلكة.
ويقدر ماكنيللي في تحليل مطول على موقع المركز، تراجع الطلب العالمي على الخامات النفطية في الربع الثاني من العام بنحو 16 مليون برميل يومياً، كما سترتفع المخزونات العالمية بنهاية العام الجاري إلى 2.5 مليار برميل.
وحتى قبل إعلان ترامب عن إنهاء الحرب النفطية، ما حفظ أسعار النفط فوق 25 دولاراً لبرميل برنت، ليس الطلب النفطي من المصافي، بقدر ما هو مشتريات التربح من التخزين في السفن النفطية الضخمة العائمة في البحار التي نفذها التجار والوسطاء ومصارف استثمارية، على أمل بيعها مستقبلاً بأسعار مرتفعة.