العملية الإرهابية قام بها أنديرس بيهرينج بريفيك حيث قتل بدم بارد 69 شاباً وشابة بإطلاق النار وهو يرتدي لباس شرطي، بحجة أن وطنه الذي "يسقط في أيدي المسلمين"، نتاج الكراهية التي يضمرها النازيون الجدد ضد الانفتاح والالتقاء بين شبيبة يؤمنون بالتنوع، حدث ذلك مع تفجير مقرات الحكومة في أوسلو في ذات النهار ليرتفع عدد الضحايا إلى 77 ضحية.
في "مهرجان برلين السينمائي" الذي انعقد في شباط/ فبراير الماضي، أبدى نقاد حماستهم لفيلم "أوتويا: 22 يوليو"، فرغم أن "الاسم بحد ذاته مفزع ومأساوي (نسبة إلى مذبحة أوتويا) إلا أنه "يأخذنا إلى حيث يجب أن نتحسس العنف مرة ثانية"، بحسب ما كتب الناقد السينمائي دافيد أرليك.
الناقد رأى أنه "بعد 72 دقيقة مشاهدة حقق الفيلم استجابة رهيبة للمآسي الجماعية التي سمحنا مع الزمن أن تصبح تجريدية، وتلك هي قدرة بوبا وأثره في فيلمه؛ تأثير رهيب شعر به الجمهور إثر سماع صوت طلقات الرماية وهي تحصد أرواح الشبيبة المذعورين، في ذلك المعسكر الذي ظنوا أن شيئاً لن يعكر صفوه".
الجمعة الماضية، كان النرويجيون على موعد في دور السينما لمشاهدة فيلمهم، الذي وزع على 22 بلداً حتى الآن، فأصيب بعضهم بصدمة أخرى، وبعضهم هنا يشمل كل من له علاقة بالضحايا الذين لم ينسوا.
ليست مجتمعات الشمال، بما فيها النرويج، بمنأى عن أمثال بريفيك، الذي بالمناسبة لم يذكره الفيلم لا اسماً ولا صورة، وكأنه أمر مقصود، ليس لإبقاء القاتل الإرهابي مجهولاً، بل ربما اختيار فني صادم، أو لعدم منحه فرصة الظهور، وهو حصل على الكثير منها أثناء محاكمته.
بالطبع انقسم النرويجيون، وبعضهم لم تعجبه فكرة عمل فيلم عن المأساة، فيما عاش آخرون حالة ذهول وفراغ. اختزلت المدرسة والناشطة النرويجية هيدي غرانبيرغ بتسع كلمات بلغتها أي شعور خرجت به بعد مشاهدة الفيلم، ويمكن ترجمتها حرفيا إلى العربية بـ "أنا في فراغ كامل، هذا شيء لا يمكن استيعابه".
يرى نقاد أن أي تجسيد فني لهذا النوع من التراجيديا الجمعية يصعب "أن تكون بعيون محايدة". في الصفحة الثقافية لجريدة "في غي" النرويجية يكتب مورتن ستولا نيلسن عن العمل مشيراً إلى أنه "في بلد صغير، حيث معظم الناس تعرف الضحايا، يبدو مستحيلاً أن تنظر إلى أوتويا بعيون محايدة أو ناقدة. بالتأكيد يمكنني أن أدعي بأنه فيلم نجح في تصوير 72 دقيقة بشاعة".
آخرون رأوا في الفيلم فرصة لفهم الضحايا ولو لم يظهر الإرهابي، إذ ذهب الناقد السينمائي النرويجي كيتيل ليسمون في "أفتن بوستن" إلى القول إنه شعر "بارتياح، فقد استطاع صناع العمل تقديم ما وعدوا به؛ فيلم حساس، ابتعد عن الإرهابي، وأتاح لنا أن نتابع ضحايا الإرهاب، إنها نقطة قوته وضعفه".
تنقل صحافة النرويج صباح السبت كيف أن الشابة الضحية، كايا، وعلى لسان ممثلة أخذت دورها، خاطبت الجمهور "أنتم لن تفهموا أبداً... القصة بسيطة جداً، لماذا مخيم شبابي على جزيرة مثالية يطارد قاطنيه من قبل قاتل جماعي فيفقد كل هذا العدد أرواحهم؟ فكّروا بالأمهات والآباء والأخوات والأحباء والأصدقاء والأقارب حين فقدوا أحبتهم بهذا الشكل الدموي".
في حين نشرت صحيفة "لاغيندالبوستن" بأنه "أبداً، مهما حاولنا، لن نتمكن من فهم كل ذلك الرعب والخوف والشعور بالذنب والآلام، وأي شيء آخر عما مر به هؤلاء الأطفال وقادتهم في ذلك اليوم 22 تموز/ يوليو 2011 إلى جزيرة أوتويا".
يذكر أن المخرج إريك بوبا اختار ممثلين هواة وغير محترفين، عكسوا تنوع المجتمع إثنياً، ومن شاركوا في المعسكر، ويبدو أن "أوتويا 22 يوليو" ليس الأخير، في محاولة تقديم المذبحة، ففي صيف 2017 أُعلن أن "نيتفليكس" ذاهبة لإنتاج فيلم عن سفاح أوسلو بالتعاون بين المخرج الأميركي بول غرينغراس، والكاتبة أوسنا سييرستاد.