ينتمي شاهر عبد الحق بشر وشقيقه عبدالجليل، إلى طبقة العائلات التجارية الثرية في اليمن، والتي تسيطر على جزء حيوي من الاقتصاد اليمني، بعد تنامي نفوذها خلال حكم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وسمح التحالف، المتواري عن الأنظار، بتمدد استثمارات هذه العائلة إلى دول عدة في الشرق الأوسط، أفريقيا وأوروبا؛ مصر، السودان، ليبيا، إثيوبيا والصومال ثم ماليزيا وبريطانيا.
وتتنوع أنشطة العائلة التجارية بين الاتصالات، النفط، السياحة، الإنشاءات والوكالات التجارية، وعلى الرغم من أنّ نجل شاهر عبد الحق مطلوب من السلطات القضائية في بريطانيا والنرويج بتهمتي القتل والاغتصاب للفتاة النرويجية مارتين ماغنوسين، إلاّ أنّه ما يزال يدير بعض استثمارات والده ضمن إمبراطورية العائلة المالية الخفية في جزر وملاذات أوروبا الآمنة من على أريكته في صنعاء.
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي الجانب الآخر لشركات "بشر" المخفية، في ملاذات ضريبية آمنة تمنح عملاءها سرّية تامة على حساباتهم وتعاملاتهم المصرفية، ما يوفر لهم مزايا عديدة مثل التهرب الضريبي في بلدانهم الأصلية، حتى إن تم ذلك بطرق قانونية. ويتعقب التحقيق التعاملات السرية لعائلة "بشر" عبر شركاتها "الأوفشور" المرتبطة بشركات معلنة وأخرى مخفية تشكّل واجهات لكبار المتنفذين في اليمن، يسهل استخدامها للتحايل الضريبي ونقل أموال من دون التعرض لأي مساءلة قانونية.
اقــرأ أيضاً
من هما الأخوان بشر؟
يلقب رجل الأعمال اليمني شاهر عبدالحق بشر، في وسائل الإعلام الغربية بأنه "الرجل الحديدي"، و"ملك السكر" في الصحف العربية. هو صديق شخصي للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، ومبعوثه في مهمات سرية، آخرها زيارته الزعيم الليبي معمر القذافي، أثناء الثورة التي اندلعت ضد صالح في عام 2011. بالطبع نفت الحكومة اليمنية آنذاك تلك الزيارة، بينما أكدها التلفزيون الليبي الرسمي بعنوان "وصول مبعوث شخصي للرئيس اليمني" في مارس/آذار 2011، وظهر في مقطع فيديو مسجل مع القذافي.
شاهر عبدالحق، بعيد عن عين الإعلام وقريب من صنّاع القرار السياسي في دول كثيرة. يمتلك في الظاهر الحصة الأكبر في بنك اليمن الدولي وشركة اتصالات في اليمن والسودان وشركات نفطية في اليمن والقرن الأفريقي، إلى جانب فنادق سياحية، وشركات مقاولات وإنشاءات هندسية. كما أنه وكيل لشركات عالمية منها مرسيدس بنز (اليمن) وكوكا كولا للمشروبات الغازية.
وارتبطت شركاته بفضائح عقود تبادل النفط العراقي مقابل الغذاء، أثناء الحصار الذي فُرض على العراق بعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم (661) في 6 أغسطس/آب 1990 وألغي عملياً بسقوط نظام الرئيس صدام حسين في عام 2003، بحسب تقرير للأمم المتحدة.
أما عبدالجليل عبدالحق بشر، فهو الشقيق الأصغر لشاهر، ويحمل جوازي سفر ألمانياً وبريطانياً، إلى جانب جواز سفره اليمني. حاصل على الماجستير في الهندسة المعمارية من ألمانيا في عام 1972. يعمل عبدالجليل حالياً مديراً تنفيذياً لمجموعة شركات شاهر للتجارة (STCO) ورئيساً لمجلس إدارة شركة تعبئة كوكاكولا في مصر واليمن وليبيا. كما يرأس مجلس إدارة شركة الشرق الأوسط في مصر لصناعة الزجاجات المستخدمة في تعبئة الأغذية والمشروبات الغازية. بحسب معلومات أُرفقت عند تأسيس الشركات في "الأوفشور".
وأدى غياب علي عبدالله صالح عن المشهد السياسي إلى اختفاء التسهيلات المقدمة لعائلة بشر تدريجياً، والتي كانت تحصل عليها بفضل علاقاتها المتينة معه. تأثرت مصالح العائلة وبدأت ملفاتها تُفتح وأُحيل بعضها إلى القضاء من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في اليمن، بتهمة التهرب الضريبي في ملف شركة الاتصالات "إم تي إن يمن" التي تملك عائلة بشر أسهماً فيها.
وكانت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في اليمن، قد اتهمت في عام 2014 شركة "إم تي إن يمن"، والتي تأسست في عام 2000 كشركة مساهمة محلية وأجنبية تحت الاسم التجاري سبيستل يمن، بالتهرب الضريبي، وطالبت بتحويل ملفها إلى القضاء لقيام الشركة بتغيير اسمها "سبيستل يمن" المسجل رسمياً لدى السلطات اليمنية إلى "إم تي إن يمن"، دون دفع أي مستحقات مطلوبة عند تغيير الاسم وضريبة المبيعات المفروضة.
يقول عبدالواحد الصايدي، محام متخصص في قضايا الشركات التجارية، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن الشركة لا تعمل بشكل طبيعي منذ عام 2006 عندما اندمجت مع شركة "إم تي إن" العالمية، لأنها مسجلة تحت اسم "سبيستل يمن" وترخيصها تحت هذا الاسم، وبالتالي فالشركة لم تعد موجودة فعلياً، إلا في حال تم إعلام وزارة الاتصالات والمواصلات وتم الاتفاق على تغيير الاسم، ومن ثم تدفع الشركة رسوم تغيير الاسم وتدفع ضريبة مبيعات ناتجة عن عملية الدمج وتغيير مالكيها، وهو ما لم يحدث.
الملاذات الضريبية الآمنة
تمتلك عائلة بشر مجموعة شركات "أوفشور" في جزر العذراء البريطانية وتستخدمها لمأسسة أنشطة تجارية بصورة قانونية في اليمن وغيرها من الدول التي تنشط فيها. ووفقاً لما وثقه معد التحقيق، يتم ذلك عن طريق إنشاء شركات مخفية في الأوفشور، لشراء شركات تسمى Shelf Co، مسجلة منذ زمن طويل في بلدان الأوفشور، ومن ثم التقدم باسمها لعطاءات حكومية مشروطة بسنوات خبرة طويلة في بلدانهم الأصلية. وكذلك إبرام عقود استشارية وهمية بين شركاتهم الأصلية في بلدانهم وتحويل أموال لشركاتهم في "الأوفشور" على أنها قيمة تلك العقود، وذلك بهدف التهرب من ضريبة الأرباح في بلدانهم الأصلية.
عملية تتبع أنشطة الأخوين بشر كانت صعبة ومعقدة بسبب تنوع شركاتهما واتساع دائرة انتشارها. إذ عمد مُعد التحقيق إلى قراءة مئات الوثائق والبيانات وآلاف الرسائل الإلكترونية التي حصل عليها من الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ICIJ وصحيفة SZ الألمانية ( سوددويتشه تسايتونغ) من خلال شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) لملفات شركة (موساك فونسيكا) التي تخصصت في تسجيل شركات الأوفشور.
وتكشف الوثائق الخاصة بتسجيل الشركات والمراسلات، الصادرة عن بنوك ألمانية ومصرية، امتلاك الأخوين بشر 18 شركة في جزر العذراء البريطانية. يحمل تسجيل بعض تلك الشركات ذات الاسم الذي تعمل به الشركة على أرض الواقع؛ مثل جبل صلب، سبأ، البشائر وشركة شاهر للتجارة المحدودة. هذه المعادلة تمنح الأخوين بشر أماناً أكثر في حال تم الحجز على شركاتهم الأصلية في بلدانهم عن طريق تحويل جزء من أموالهم في شركاتهم الأصلية بشكل دوري إلى حسابات بنكية لشركاتهم في "الأوفشور"، وهو ما يعطيهم مرونة أكبر عند تحويل تلك الأموال وتجنب هيئات التحقق من عمليات غسيل الأموال، بحسب مصادر قانونية.
وتُدار تلك الشركات بيد مديرين أجانب ويملكها الشركاء ذاتهم، بحسب الوثائق الرسمية الصادرة من الجزر العذراء البريطانية وهم: Linda blampied ،James Wetherall ،Jullian Griffiths، لكن تلك الوثائق تظهر أن المالك الأساسي، صاحب الحق بهذه الشركات "Beneficial Owner"، هما الأخوان شاهر وعبدالجليل والشركات المرتبطة بهما، وهي بحسب الوثائق: أسوشيتد ألايد للخدمات المحدودة، البشائر للاتصالات، برمنستون انتربرايز المحدودة، جريشنج المحدودة، هاي ساين المحدودة، ماك للمشروبات المحدودة، ميتكو المحدودة، ريوريو القابضة المحدودة، شاهر للتجارة، اس تي سي برمودا المحدودة، تيم اب للخدمات المحدودة، تو فور وان للخدمات المحدودة، ويربلسدون للاستثمارات المحدودة، شركة يفيرا، سبأ القابضة للاستثمارات المحدودة، ويشنج ويل القابضة المحدودة، النيل الأزرق للاتصالات القابضة المحدودة، شركة جبل صلب.
وتشير السجلات التي حصلت عليها "العربي الجديد" إلى أن أربع شركات موثقة تعمل ضمن أنشطة شركات الأخوين بشر الظاهرة والمعلنة و14 شركة أخرى تُستخدم في عمليات سرية. وتابع مُعد التحقيق بيانات جميع الشركات التي ظهرت في وثائق شركات الأوفشور المملوكة للأخوين بشر، بدءاً من شركة جبل صلب المسجلة في الأوفشور بذات الاسم "JabalSalab Company"، والتي تعمل في الاستكشافات النفطية وتطوير خامات الزنك والرصاص في اليمن ودول القرن الأفريقي مثل الصومال وإثيوبيا وتدخل في مناقصات استكشاف النفط الحكومية في تلك الدول.
وبعد تتبع بيانات هذه الشركة التي تحمل ذات الاسم في الجزر العذراء، وجد مُعد التحقيق أنها شركة بريطانية-يمنية ومقرها صنعاء. ويملك شاهر 48 % من أسهم شركة جبل صلب.
وتعمل شركة سبأ المسجلة في الأوفشور "Sheba Investment Holding Limited" بتاريخ 31 أغسطس/آب 1999، والمملوكة للأخوين بشر، في مجالات متعددة بما فيها النفط والسياحة ومقرها الرئيسي في أديس أبابا، إثيوبيا. لهذه الشركة وجود فعلي في دول أخرى، إذ تمتلك فروعا في اليمن ومصر، بحسب 60 وثيقة تخص هذه الشركة في الجزر العذراء البريطانية. وتتضمن تلك الوثائق تسجيل الشركة وتوزيع الحصص ووثائق خاصة بالمديرين (الأخوين بشر وبيتر كاربنتر) إضافة إلى فواتير، شيكات، مراسلات بين المالكين وشركة المحاماة أثناء عملية تسجيل الشركة.
شركة أخرى لها نشاط فعلي باسم "شركة شاهر التجارية" ومسجلة في الأوفشور "Shaher Trading overseas Limited"، بتاريخ 12 إبريل/نيسان 1999.
وتمتلك شركة شاهر التجارية فروعاً في اليمن ومصر والسودان وإثيوبيا. وتعمل في مجالات تجارية في اليمن؛ منها القطاع المصرفي مثل بنك اليمن الدولي، وسياحية واتصالات ونفط. كما تحتكر وكالات عالمية مثل كوكا كولا للمشروبات الغازية ومرسيدس بنز وزيروكس. وتظهر الوثائق أن شاهر للتجارة مسجلة في الجزر العذراء البريطانية بأسماء شاهر عبدالحق وعبدالجليل عبدالحق، بيتر جيمس كاربنتر وسكاتليف براين.
وتلقت هذه الشركة تسهيلات من نظام الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح. ولسنوات طويلة مُنحت عقوداً مع وزارة الدفاع اليمنية لإمدادها بمدرعات وعربات ألمانية وتسهيلات جعلتها من أكثر الشركات التي حازت على عقود توريد وصيانة، بحسب وثائق مسربة من وزارة الدفاع اليمنية في ديسمبر/كانون الأول 2012.
نشاط رابع معروف بشركة البشائر للاتصالات والمسجلة في الأوف شور "Al BashairTelecom SA" بتاريخ 3 أغسطس/آب 2005. تنشط البشائر في السودان بعد أن فازت بعقد إشكالي أصبحت بموجبه المشغل الثاني للهواتف النقالة في السودان. وثارت القضية ضدها في الرأي العام في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2002 عندما نشرت صحف سودانية أسماء (13) شركة تأهلت لنيل رخصة المشغل الثاني للهاتف المحمول.
في البدء، لم تكن شركة البشائر ضمن قائمة الشركات المعلنة، لكنّها أضيفت لاحقا بعد انتهاء المدة المقررة للتنافس على العطاء. وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2003، استبعدت الهيئة القومية للاتصالات جميع الشركات ووقعت العقد مع شركة البشائر، بحسب الهيئة القومية للاتصالات في السودان التي علّلت فوز شركة البشائر بسبب تقدمها بمبلغ كبير للحصول على رخصة التشغيل والمقدرة بـ 150 مليون يورو، مقابل عروض أقل بكثير من شركة البشائر؛ منها شركة أوراسكوم (30 مليون يورو) والمجموعة العربية السودانية (70 مليون يورو).
تظهر الوثائق أن الشركة مسجلة تحت ذات الاسم في جيرسي (جزيرة تقع في القنال الإنجليزي شمال غرب أوروبا) وتُدار من قبل (ليندا بلامبيد، جوليان مارك، جيمس ويثرال).على أن مالك الشركة الحقيقي "Beneficial Owner" هو شاهر عبدالحق.
مئات الوثائق وآلاف الرسائل
تتبع معد التحقيق مئات الوثائق الصادرة عن جهات رسمية في بلدان الملاذات الضريبية الآمنة وبنوك عالمية إضافة لمراسلات إلكترونية صادرة عن مديري شركات الأوفشور التابعة للأخوين بشر، وتكشف عملية تحليل الوثائق عن شهادات لتوزيع الحصص في شركات الأوفشور ووثائق تسجيلها ونسخ من جوازات السفر ووثائق مطلوبة من شركات المحاماة المتخصصة في تسجيل وإدارة تلك الشركات، واتفاقيات موقعة لعقود الشركات وضمانات بنكية وفواتير كهرباء لإثبات محل السكن.
حصل معد التحقيق على وثيقة بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2010 تتضمن طلبا لنقل ملكية أسهم شركة Wishingwell Holding Limited فوراً إلى ملكية عبدالجليل بشر مع الإقرار بتحمل أي تكاليف خاصة بالضرائب، أو أي مسؤولية قد تنشأ عن أي معاملة ذات صلة بنقل الأسهم. ذيّلت الرسالة بأرقام هواتف وعناوين عبدالجليل بشر في القاهرة.
وثيقة أخرى صادرة عن البنك العربي الأفريقي الدولي بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 وموجهة إلى Mossfon Trust Corporation، (شركة محاماة تقوم بعملية تسجيل وإدارة شركات الأوفشور)، توضح أن عبدالجليل عميل للبنك منذ 1996 وأن وضعه المالي جيد.
شهادة ثانية صادرة عن بنك Bank Med بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 إلى شركة المحاماة ذاتها توضح بأن عبدالحليل عميل للبنك منذ 15 عاما، وأن حالته المالية وتعاملاته البنكية جيدة. وفي رأي البنك، فإن عبد الجليل "رجل أعمال لا يمكن أن يأخذ التزامات تجاه شيء لا يستطيع أن ينفذه أو يلتزم به، ويضمن البنك استكمال نقل ملكية أسهم شركة أوفشور لتصبح بالكامل ملك عبدالجليل بشر".
ويظهر كشف حساب لشاهر عبد الحق بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2009 صادر من بنك CommerzBank، ضمن وثائق أخرى لتأسيس شركة أوفشور وترتبط بحساباته في عمليات التهرب الضريبي. ويعد هذا البنك، ثاني أكبر مصارف ألمانيا، وارتبط العام الماضي بفضيحة ذات صلة بمساعدة عملاء متهربين ضريبياً واستمر لسنوات طويلة في مساعدة عملائه على إخفاء أموالهم في بلدانهم الأصلية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، أقر بنك CommerzBank بتسهيله لعملائه في عمليات التهرب الضريبي وأعلن عن تعاونه الكامل مع السلطات الألمانية وموافقته على دفع (20) مليون دولار كغرامة، بموجب صفقة عقدها مع الادعاء الألماني لإغلاق الملف وتعهده بتغيير إجراءاته الخاصة بالتسهيلات التي كانت تعطى لعملائه والتي مكنتهم من التهرب الضريبي.
شاهر والديون المعدومة
في عام 2013، سرّب موظف في البنك المركزي اليمني قائمة سوداء تضم 522 شركة وشخصية تجارية يمنية سحبت قروضاً ولم تسددها، ما أدى إلى تصنيفها ضمن خانة "ديون معدومة"؛ أي غير قابلة للاسترجاع، بموجب التعميم الصادر عن البنك.
شاهر عبد الحق احتل نصيب الأسد فيها لجهة الشركات التي قرر البنك المركزي اليمني وقف التعامل معها أو منحها أي تسهيلات بنكية، ومنها: شركة شاهر التجارية، شركة جبل صلب اليمنية المحدودة، الشركة المتحدة للهندسة والسيارات، الشركة العالمية للتجارة والاستثمار، الشركة المتحدة لصناعة المنظفات، شركة سن رايز التجارية، شركة سن سيت، شركة صنعاء للمرطبات، شركة عدن للمرطبات، فندق تاج سبا، وكالة زيروكس.
مرسيدس بنز
بحسب ما وثقه معد التحقيق، فإن تسجيل شركات بشر في الملاذات الآمنة سهّل لها التهرب من تنفيذ حكم قضائي في قضية نزاع على ملكية وكالة مرسيدس بنز بين شركة محمد سعيد غالب السفاري وأولاده وشركة شاهر للتجارة المحدودة (التابعة للعائلة) في قضية امتدت بين 1989 و 2015 عندما سجل شاهر الوكالة في وزارة الصناعة والتجارة.
خلال تلك الفترة لم ينفذ شاهر عبدالحق الأحكام الصادرة ضده بدءاً بالقرار الأول عام 1990 وانتهاء بالحكم النهائي غير القابل للطعن أو النقض والصادر عن محكمة الاستئناف/الشعبة الثانية بأمانة العاصمة بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2014. قضى ذلك القرار بإلزام شركة شاهر المحدودة، دفع خمسة ملايين مارك ألماني وعشرة ملايين ريال يمني، للوكيل السابق (شركة محمد سعيد غالب السفاري وأولاده).
وبعد صدور الحكم، أصدر قاضي التنفيذ في القضية قرارا حمل رقم (584) بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول 2014 يأمر فيه بنك اليمن الدولي الذي يملك شاهر عبدالحق الجزء الأكبر من أسهمه بالحجز على المبلغ من أرصدة شركة شاهر للتجارة المحدودة لديه. إلا أن البنك رد على طلب المحكمة مؤكداً "عدم إمكانية تنفيذ الحكم لأن أرصدة شركة شاهر مدينة، ومن ثم لا يملك البنك محلاً لتنفيذ أمر الحجز على المبلغ".
يقول رجل الأعمال محمد السفاري لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن يكون حساب شاهر مدينا لدى البنك، هذه الحركة واحدة من أساليب شاهر للتهرب والتحايل على القانون والاستهتار بالقضاء اليمني".
يضيف السفاري: "خلال عقود ناضلت للحصول على حقوقي بقوة القانون وبالطرق الصحيحة والشفافة، لكني لم أجد شيئاً ملموساً، رغم حصولي على حكم نهائي. وسأواصل رغم تكبدنا خسائر وصلت لعشرة مليارات ريال بسبب قضية مرسيدس وبسبب تعنت شاهر عبد الحق". ونجح شاهر في "جعل القضاء يعيد القضية إلى الاستئناف رغم صدور حكم قضائي نهائي وعدم وجود أي صفة قانونية لإعادتها للاستئناف من جديد"، حسبما يشتكي السفاري.
نجل شاهر عبدالحق والفتاة النرويجية
في مارس/آذار من عام 2008، وجدت الشرطة البريطانية جثة الفتاة النرويجية مارتين ماغنوسين في قبو تابع لشقة فاروق، نجل شاهر عبدالحق في لندن. كشفت التحقيقات أن ماغنوسين شوهدت آخر مرة مع فاروق قبل اختفائها بيومين.
غادر فاروق بريطانيا بعد ساعات من الجريمة إلى مصر بواسطة طائرة والده الخاصة ما حرم المحققين البريطانيين من التحقيق معه. من مصر سافر إلى اليمن حيث يعمل بحماية الحكومة ويدير بعض أعمال والده بحسب المحققين النرويجيين والبريطانيين. وخلال الأعوام 2008 و 2015 تواصلت الجهات النرويجية والبريطانية مع السلطات اليمنية لتسليم فاروق ليتسنى التحقيق معه، لكن السلطات اليمنية رفضت بدعم مطلق ومباشر من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح ولكون اليمن لم يوقع على اتفاقية تبادل المطلوبين بين بريطانيا واليمن.
الدعم الذي تلقاه شاهر عبدالحق في قضية مقتل ماغنوسين تجاوز حماية فاروق في اليمن، ليصل إلى قيام وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي بالتوسط لدى السلطات البريطانية لإيقاف ملاحقة فاروق. وفي عام 2010 قامت الخارجية اليمنية بمنع دخول الصحافية النرويجية ماريان فيكاس من صحيفة (VG) النرويجية إلى اليمن لاستكمال كتابها حول مقتل ماغنوسين.
لم تُمنح فيكاس تأشيرة دخول من سفارتي اليمن في هولندا وألمانيا. ثم طُلب منها التواصل مع وزارة الإعلام اليمنية والتي ردت عليها عبر المسؤول الإعلامي أحمد اللهبي، أن شاهر عبدالحق لا يرغب في زيارتها إلى اليمن. وعند سؤاله عن كيف يستطيع رجل أعمال منعي من دخول اليمن، أجاب اللهبي: نعم شاهر يستطيع منعكِ بحسب ما روت فيكاس لصحف بريطانية ونرويجية.
وعلقت وزارة الإعلام اليمنية على قرار السفارتين حجب الفيزا عن فيكاس بالقول إن المنع "ليس بأوامر من شاهر عبدالحق"، وإنما بسبب إجراءات مطلوبة لدخولها إلى اليمن، ولا سيما أن السبب الرئيسي لزيارتها كان مقابلة شاهر عبدالحق الذي بدوره رفض مقابلتها.
سببت القضية مشاكل عدة لشاهر عبدالحق الذي حاول دفع مبلغ مالي لوالد ماغنوسين مقابل إيقاف ملاحقة نجله فاروق، وهو ما رفضته أسرتها، بحسب ما صرح به الوالدان في مارس/آذار الماضي في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية. كما أعلنت شركة كوكا كولا في عام 2011 عن إيقاف تعاملها مع شاهر عبدالحق في اليمن ومصر وليبيا بعد أن رضخت لحملات دولية أطلقها نشطاء نرويجيون.
لكن مُعد التحقيق وثق كون عبدالجليل شقيق شاهر ما زال يدير الشركة، إذ يرأس مجلس إدارة الشركة في اليمن ومصر وليبيا والعمل مستمر في فروعها في الدول الثلاث تحت نفس الإدارة ولم يتغير شيء، وفق ما تظهره البيانات المسجلة على الموقع الإلكتروني للشركة.
تجاهل الرد
تواصل مُعد التحقيق مع عائلة بشر عبر رسائل إلكترونية تضمنت استفسارات عن معظم ما ورد في التحقيق؛ مثل امتلاكه لشركات أوفشور وعلاقته بمديري تلك الشركات وطبيعة عملها. لكن معد التحقيق لم يحصل على أي إجابات عن تلك الأسئلة رغم تنبيه العائلة إلى اقتراب موعد نشر هذا التحقيق، حتى موعد نشر التحقيق.
بسبب الوقائع السابقة وغياب المساءلة يمكن القول إن وضع اليمن ضمن قائمة البلدان العشرين الأكثر فساداً والأقل شفافية في العالم بحسب التقرير الصادر عن منظمة الشفافية العالمية في عام 2015، يعد أمرا طبيعيا وواقعيا.
وتتنوع أنشطة العائلة التجارية بين الاتصالات، النفط، السياحة، الإنشاءات والوكالات التجارية، وعلى الرغم من أنّ نجل شاهر عبد الحق مطلوب من السلطات القضائية في بريطانيا والنرويج بتهمتي القتل والاغتصاب للفتاة النرويجية مارتين ماغنوسين، إلاّ أنّه ما يزال يدير بعض استثمارات والده ضمن إمبراطورية العائلة المالية الخفية في جزر وملاذات أوروبا الآمنة من على أريكته في صنعاء.
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي الجانب الآخر لشركات "بشر" المخفية، في ملاذات ضريبية آمنة تمنح عملاءها سرّية تامة على حساباتهم وتعاملاتهم المصرفية، ما يوفر لهم مزايا عديدة مثل التهرب الضريبي في بلدانهم الأصلية، حتى إن تم ذلك بطرق قانونية. ويتعقب التحقيق التعاملات السرية لعائلة "بشر" عبر شركاتها "الأوفشور" المرتبطة بشركات معلنة وأخرى مخفية تشكّل واجهات لكبار المتنفذين في اليمن، يسهل استخدامها للتحايل الضريبي ونقل أموال من دون التعرض لأي مساءلة قانونية.
من هما الأخوان بشر؟
يلقب رجل الأعمال اليمني شاهر عبدالحق بشر، في وسائل الإعلام الغربية بأنه "الرجل الحديدي"، و"ملك السكر" في الصحف العربية. هو صديق شخصي للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، ومبعوثه في مهمات سرية، آخرها زيارته الزعيم الليبي معمر القذافي، أثناء الثورة التي اندلعت ضد صالح في عام 2011. بالطبع نفت الحكومة اليمنية آنذاك تلك الزيارة، بينما أكدها التلفزيون الليبي الرسمي بعنوان "وصول مبعوث شخصي للرئيس اليمني" في مارس/آذار 2011، وظهر في مقطع فيديو مسجل مع القذافي.
شاهر عبدالحق، بعيد عن عين الإعلام وقريب من صنّاع القرار السياسي في دول كثيرة. يمتلك في الظاهر الحصة الأكبر في بنك اليمن الدولي وشركة اتصالات في اليمن والسودان وشركات نفطية في اليمن والقرن الأفريقي، إلى جانب فنادق سياحية، وشركات مقاولات وإنشاءات هندسية. كما أنه وكيل لشركات عالمية منها مرسيدس بنز (اليمن) وكوكا كولا للمشروبات الغازية.
وارتبطت شركاته بفضائح عقود تبادل النفط العراقي مقابل الغذاء، أثناء الحصار الذي فُرض على العراق بعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم (661) في 6 أغسطس/آب 1990 وألغي عملياً بسقوط نظام الرئيس صدام حسين في عام 2003، بحسب تقرير للأمم المتحدة.
وأدى غياب علي عبدالله صالح عن المشهد السياسي إلى اختفاء التسهيلات المقدمة لعائلة بشر تدريجياً، والتي كانت تحصل عليها بفضل علاقاتها المتينة معه. تأثرت مصالح العائلة وبدأت ملفاتها تُفتح وأُحيل بعضها إلى القضاء من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في اليمن، بتهمة التهرب الضريبي في ملف شركة الاتصالات "إم تي إن يمن" التي تملك عائلة بشر أسهماً فيها.
وكانت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في اليمن، قد اتهمت في عام 2014 شركة "إم تي إن يمن"، والتي تأسست في عام 2000 كشركة مساهمة محلية وأجنبية تحت الاسم التجاري سبيستل يمن، بالتهرب الضريبي، وطالبت بتحويل ملفها إلى القضاء لقيام الشركة بتغيير اسمها "سبيستل يمن" المسجل رسمياً لدى السلطات اليمنية إلى "إم تي إن يمن"، دون دفع أي مستحقات مطلوبة عند تغيير الاسم وضريبة المبيعات المفروضة.
يقول عبدالواحد الصايدي، محام متخصص في قضايا الشركات التجارية، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن الشركة لا تعمل بشكل طبيعي منذ عام 2006 عندما اندمجت مع شركة "إم تي إن" العالمية، لأنها مسجلة تحت اسم "سبيستل يمن" وترخيصها تحت هذا الاسم، وبالتالي فالشركة لم تعد موجودة فعلياً، إلا في حال تم إعلام وزارة الاتصالات والمواصلات وتم الاتفاق على تغيير الاسم، ومن ثم تدفع الشركة رسوم تغيير الاسم وتدفع ضريبة مبيعات ناتجة عن عملية الدمج وتغيير مالكيها، وهو ما لم يحدث.
الملاذات الضريبية الآمنة
تمتلك عائلة بشر مجموعة شركات "أوفشور" في جزر العذراء البريطانية وتستخدمها لمأسسة أنشطة تجارية بصورة قانونية في اليمن وغيرها من الدول التي تنشط فيها. ووفقاً لما وثقه معد التحقيق، يتم ذلك عن طريق إنشاء شركات مخفية في الأوفشور، لشراء شركات تسمى Shelf Co، مسجلة منذ زمن طويل في بلدان الأوفشور، ومن ثم التقدم باسمها لعطاءات حكومية مشروطة بسنوات خبرة طويلة في بلدانهم الأصلية. وكذلك إبرام عقود استشارية وهمية بين شركاتهم الأصلية في بلدانهم وتحويل أموال لشركاتهم في "الأوفشور" على أنها قيمة تلك العقود، وذلك بهدف التهرب من ضريبة الأرباح في بلدانهم الأصلية.
عملية تتبع أنشطة الأخوين بشر كانت صعبة ومعقدة بسبب تنوع شركاتهما واتساع دائرة انتشارها. إذ عمد مُعد التحقيق إلى قراءة مئات الوثائق والبيانات وآلاف الرسائل الإلكترونية التي حصل عليها من الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ICIJ وصحيفة SZ الألمانية ( سوددويتشه تسايتونغ) من خلال شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) لملفات شركة (موساك فونسيكا) التي تخصصت في تسجيل شركات الأوفشور.
وتكشف الوثائق الخاصة بتسجيل الشركات والمراسلات، الصادرة عن بنوك ألمانية ومصرية، امتلاك الأخوين بشر 18 شركة في جزر العذراء البريطانية. يحمل تسجيل بعض تلك الشركات ذات الاسم الذي تعمل به الشركة على أرض الواقع؛ مثل جبل صلب، سبأ، البشائر وشركة شاهر للتجارة المحدودة. هذه المعادلة تمنح الأخوين بشر أماناً أكثر في حال تم الحجز على شركاتهم الأصلية في بلدانهم عن طريق تحويل جزء من أموالهم في شركاتهم الأصلية بشكل دوري إلى حسابات بنكية لشركاتهم في "الأوفشور"، وهو ما يعطيهم مرونة أكبر عند تحويل تلك الأموال وتجنب هيئات التحقق من عمليات غسيل الأموال، بحسب مصادر قانونية.
وتُدار تلك الشركات بيد مديرين أجانب ويملكها الشركاء ذاتهم، بحسب الوثائق الرسمية الصادرة من الجزر العذراء البريطانية وهم: Linda blampied ،James Wetherall ،Jullian Griffiths، لكن تلك الوثائق تظهر أن المالك الأساسي، صاحب الحق بهذه الشركات "Beneficial Owner"، هما الأخوان شاهر وعبدالجليل والشركات المرتبطة بهما، وهي بحسب الوثائق: أسوشيتد ألايد للخدمات المحدودة، البشائر للاتصالات، برمنستون انتربرايز المحدودة، جريشنج المحدودة، هاي ساين المحدودة، ماك للمشروبات المحدودة، ميتكو المحدودة، ريوريو القابضة المحدودة، شاهر للتجارة، اس تي سي برمودا المحدودة، تيم اب للخدمات المحدودة، تو فور وان للخدمات المحدودة، ويربلسدون للاستثمارات المحدودة، شركة يفيرا، سبأ القابضة للاستثمارات المحدودة، ويشنج ويل القابضة المحدودة، النيل الأزرق للاتصالات القابضة المحدودة، شركة جبل صلب.
وبعد تتبع بيانات هذه الشركة التي تحمل ذات الاسم في الجزر العذراء، وجد مُعد التحقيق أنها شركة بريطانية-يمنية ومقرها صنعاء. ويملك شاهر 48 % من أسهم شركة جبل صلب.
وتعمل شركة سبأ المسجلة في الأوفشور "Sheba Investment Holding Limited" بتاريخ 31 أغسطس/آب 1999، والمملوكة للأخوين بشر، في مجالات متعددة بما فيها النفط والسياحة ومقرها الرئيسي في أديس أبابا، إثيوبيا. لهذه الشركة وجود فعلي في دول أخرى، إذ تمتلك فروعا في اليمن ومصر، بحسب 60 وثيقة تخص هذه الشركة في الجزر العذراء البريطانية. وتتضمن تلك الوثائق تسجيل الشركة وتوزيع الحصص ووثائق خاصة بالمديرين (الأخوين بشر وبيتر كاربنتر) إضافة إلى فواتير، شيكات، مراسلات بين المالكين وشركة المحاماة أثناء عملية تسجيل الشركة.
شركة أخرى لها نشاط فعلي باسم "شركة شاهر التجارية" ومسجلة في الأوفشور "Shaher Trading overseas Limited"، بتاريخ 12 إبريل/نيسان 1999.
وتمتلك شركة شاهر التجارية فروعاً في اليمن ومصر والسودان وإثيوبيا. وتعمل في مجالات تجارية في اليمن؛ منها القطاع المصرفي مثل بنك اليمن الدولي، وسياحية واتصالات ونفط. كما تحتكر وكالات عالمية مثل كوكا كولا للمشروبات الغازية ومرسيدس بنز وزيروكس. وتظهر الوثائق أن شاهر للتجارة مسجلة في الجزر العذراء البريطانية بأسماء شاهر عبدالحق وعبدالجليل عبدالحق، بيتر جيمس كاربنتر وسكاتليف براين.
وتلقت هذه الشركة تسهيلات من نظام الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح. ولسنوات طويلة مُنحت عقوداً مع وزارة الدفاع اليمنية لإمدادها بمدرعات وعربات ألمانية وتسهيلات جعلتها من أكثر الشركات التي حازت على عقود توريد وصيانة، بحسب وثائق مسربة من وزارة الدفاع اليمنية في ديسمبر/كانون الأول 2012.
وثيقة تسجيل شركة البشائر للاتصالات المملوكة لعائلة بشر في السودان ومسجلة في الأوفشور (العربي الجديد) |
نشاط رابع معروف بشركة البشائر للاتصالات والمسجلة في الأوف شور "Al BashairTelecom SA" بتاريخ 3 أغسطس/آب 2005. تنشط البشائر في السودان بعد أن فازت بعقد إشكالي أصبحت بموجبه المشغل الثاني للهواتف النقالة في السودان. وثارت القضية ضدها في الرأي العام في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2002 عندما نشرت صحف سودانية أسماء (13) شركة تأهلت لنيل رخصة المشغل الثاني للهاتف المحمول.
في البدء، لم تكن شركة البشائر ضمن قائمة الشركات المعلنة، لكنّها أضيفت لاحقا بعد انتهاء المدة المقررة للتنافس على العطاء. وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2003، استبعدت الهيئة القومية للاتصالات جميع الشركات ووقعت العقد مع شركة البشائر، بحسب الهيئة القومية للاتصالات في السودان التي علّلت فوز شركة البشائر بسبب تقدمها بمبلغ كبير للحصول على رخصة التشغيل والمقدرة بـ 150 مليون يورو، مقابل عروض أقل بكثير من شركة البشائر؛ منها شركة أوراسكوم (30 مليون يورو) والمجموعة العربية السودانية (70 مليون يورو).
تظهر الوثائق أن الشركة مسجلة تحت ذات الاسم في جيرسي (جزيرة تقع في القنال الإنجليزي شمال غرب أوروبا) وتُدار من قبل (ليندا بلامبيد، جوليان مارك، جيمس ويثرال).على أن مالك الشركة الحقيقي "Beneficial Owner" هو شاهر عبدالحق.
مئات الوثائق وآلاف الرسائل
تتبع معد التحقيق مئات الوثائق الصادرة عن جهات رسمية في بلدان الملاذات الضريبية الآمنة وبنوك عالمية إضافة لمراسلات إلكترونية صادرة عن مديري شركات الأوفشور التابعة للأخوين بشر، وتكشف عملية تحليل الوثائق عن شهادات لتوزيع الحصص في شركات الأوفشور ووثائق تسجيلها ونسخ من جوازات السفر ووثائق مطلوبة من شركات المحاماة المتخصصة في تسجيل وإدارة تلك الشركات، واتفاقيات موقعة لعقود الشركات وضمانات بنكية وفواتير كهرباء لإثبات محل السكن.
حصل معد التحقيق على وثيقة بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2010 تتضمن طلبا لنقل ملكية أسهم شركة Wishingwell Holding Limited فوراً إلى ملكية عبدالجليل بشر مع الإقرار بتحمل أي تكاليف خاصة بالضرائب، أو أي مسؤولية قد تنشأ عن أي معاملة ذات صلة بنقل الأسهم. ذيّلت الرسالة بأرقام هواتف وعناوين عبدالجليل بشر في القاهرة.
وثيقة أخرى صادرة عن البنك العربي الأفريقي الدولي بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 وموجهة إلى Mossfon Trust Corporation، (شركة محاماة تقوم بعملية تسجيل وإدارة شركات الأوفشور)، توضح أن عبدالجليل عميل للبنك منذ 1996 وأن وضعه المالي جيد.
شهادة ثانية صادرة عن بنك Bank Med بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 إلى شركة المحاماة ذاتها توضح بأن عبدالحليل عميل للبنك منذ 15 عاما، وأن حالته المالية وتعاملاته البنكية جيدة. وفي رأي البنك، فإن عبد الجليل "رجل أعمال لا يمكن أن يأخذ التزامات تجاه شيء لا يستطيع أن ينفذه أو يلتزم به، ويضمن البنك استكمال نقل ملكية أسهم شركة أوفشور لتصبح بالكامل ملك عبدالجليل بشر".
ويظهر كشف حساب لشاهر عبد الحق بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2009 صادر من بنك CommerzBank، ضمن وثائق أخرى لتأسيس شركة أوفشور وترتبط بحساباته في عمليات التهرب الضريبي. ويعد هذا البنك، ثاني أكبر مصارف ألمانيا، وارتبط العام الماضي بفضيحة ذات صلة بمساعدة عملاء متهربين ضريبياً واستمر لسنوات طويلة في مساعدة عملائه على إخفاء أموالهم في بلدانهم الأصلية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، أقر بنك CommerzBank بتسهيله لعملائه في عمليات التهرب الضريبي وأعلن عن تعاونه الكامل مع السلطات الألمانية وموافقته على دفع (20) مليون دولار كغرامة، بموجب صفقة عقدها مع الادعاء الألماني لإغلاق الملف وتعهده بتغيير إجراءاته الخاصة بالتسهيلات التي كانت تعطى لعملائه والتي مكنتهم من التهرب الضريبي.
شاهر والديون المعدومة
في عام 2013، سرّب موظف في البنك المركزي اليمني قائمة سوداء تضم 522 شركة وشخصية تجارية يمنية سحبت قروضاً ولم تسددها، ما أدى إلى تصنيفها ضمن خانة "ديون معدومة"؛ أي غير قابلة للاسترجاع، بموجب التعميم الصادر عن البنك.
شاهر عبد الحق احتل نصيب الأسد فيها لجهة الشركات التي قرر البنك المركزي اليمني وقف التعامل معها أو منحها أي تسهيلات بنكية، ومنها: شركة شاهر التجارية، شركة جبل صلب اليمنية المحدودة، الشركة المتحدة للهندسة والسيارات، الشركة العالمية للتجارة والاستثمار، الشركة المتحدة لصناعة المنظفات، شركة سن رايز التجارية، شركة سن سيت، شركة صنعاء للمرطبات، شركة عدن للمرطبات، فندق تاج سبا، وكالة زيروكس.
مرسيدس بنز
بحسب ما وثقه معد التحقيق، فإن تسجيل شركات بشر في الملاذات الآمنة سهّل لها التهرب من تنفيذ حكم قضائي في قضية نزاع على ملكية وكالة مرسيدس بنز بين شركة محمد سعيد غالب السفاري وأولاده وشركة شاهر للتجارة المحدودة (التابعة للعائلة) في قضية امتدت بين 1989 و 2015 عندما سجل شاهر الوكالة في وزارة الصناعة والتجارة.
خلال تلك الفترة لم ينفذ شاهر عبدالحق الأحكام الصادرة ضده بدءاً بالقرار الأول عام 1990 وانتهاء بالحكم النهائي غير القابل للطعن أو النقض والصادر عن محكمة الاستئناف/الشعبة الثانية بأمانة العاصمة بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2014. قضى ذلك القرار بإلزام شركة شاهر المحدودة، دفع خمسة ملايين مارك ألماني وعشرة ملايين ريال يمني، للوكيل السابق (شركة محمد سعيد غالب السفاري وأولاده).
وبعد صدور الحكم، أصدر قاضي التنفيذ في القضية قرارا حمل رقم (584) بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول 2014 يأمر فيه بنك اليمن الدولي الذي يملك شاهر عبدالحق الجزء الأكبر من أسهمه بالحجز على المبلغ من أرصدة شركة شاهر للتجارة المحدودة لديه. إلا أن البنك رد على طلب المحكمة مؤكداً "عدم إمكانية تنفيذ الحكم لأن أرصدة شركة شاهر مدينة، ومن ثم لا يملك البنك محلاً لتنفيذ أمر الحجز على المبلغ".
يقول رجل الأعمال محمد السفاري لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن يكون حساب شاهر مدينا لدى البنك، هذه الحركة واحدة من أساليب شاهر للتهرب والتحايل على القانون والاستهتار بالقضاء اليمني".
يضيف السفاري: "خلال عقود ناضلت للحصول على حقوقي بقوة القانون وبالطرق الصحيحة والشفافة، لكني لم أجد شيئاً ملموساً، رغم حصولي على حكم نهائي. وسأواصل رغم تكبدنا خسائر وصلت لعشرة مليارات ريال بسبب قضية مرسيدس وبسبب تعنت شاهر عبد الحق". ونجح شاهر في "جعل القضاء يعيد القضية إلى الاستئناف رغم صدور حكم قضائي نهائي وعدم وجود أي صفة قانونية لإعادتها للاستئناف من جديد"، حسبما يشتكي السفاري.
نجل شاهر عبدالحق والفتاة النرويجية
في مارس/آذار من عام 2008، وجدت الشرطة البريطانية جثة الفتاة النرويجية مارتين ماغنوسين في قبو تابع لشقة فاروق، نجل شاهر عبدالحق في لندن. كشفت التحقيقات أن ماغنوسين شوهدت آخر مرة مع فاروق قبل اختفائها بيومين.
غادر فاروق بريطانيا بعد ساعات من الجريمة إلى مصر بواسطة طائرة والده الخاصة ما حرم المحققين البريطانيين من التحقيق معه. من مصر سافر إلى اليمن حيث يعمل بحماية الحكومة ويدير بعض أعمال والده بحسب المحققين النرويجيين والبريطانيين. وخلال الأعوام 2008 و 2015 تواصلت الجهات النرويجية والبريطانية مع السلطات اليمنية لتسليم فاروق ليتسنى التحقيق معه، لكن السلطات اليمنية رفضت بدعم مطلق ومباشر من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح ولكون اليمن لم يوقع على اتفاقية تبادل المطلوبين بين بريطانيا واليمن.
لم تُمنح فيكاس تأشيرة دخول من سفارتي اليمن في هولندا وألمانيا. ثم طُلب منها التواصل مع وزارة الإعلام اليمنية والتي ردت عليها عبر المسؤول الإعلامي أحمد اللهبي، أن شاهر عبدالحق لا يرغب في زيارتها إلى اليمن. وعند سؤاله عن كيف يستطيع رجل أعمال منعي من دخول اليمن، أجاب اللهبي: نعم شاهر يستطيع منعكِ بحسب ما روت فيكاس لصحف بريطانية ونرويجية.
وعلقت وزارة الإعلام اليمنية على قرار السفارتين حجب الفيزا عن فيكاس بالقول إن المنع "ليس بأوامر من شاهر عبدالحق"، وإنما بسبب إجراءات مطلوبة لدخولها إلى اليمن، ولا سيما أن السبب الرئيسي لزيارتها كان مقابلة شاهر عبدالحق الذي بدوره رفض مقابلتها.
سببت القضية مشاكل عدة لشاهر عبدالحق الذي حاول دفع مبلغ مالي لوالد ماغنوسين مقابل إيقاف ملاحقة نجله فاروق، وهو ما رفضته أسرتها، بحسب ما صرح به الوالدان في مارس/آذار الماضي في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية. كما أعلنت شركة كوكا كولا في عام 2011 عن إيقاف تعاملها مع شاهر عبدالحق في اليمن ومصر وليبيا بعد أن رضخت لحملات دولية أطلقها نشطاء نرويجيون.
لكن مُعد التحقيق وثق كون عبدالجليل شقيق شاهر ما زال يدير الشركة، إذ يرأس مجلس إدارة الشركة في اليمن ومصر وليبيا والعمل مستمر في فروعها في الدول الثلاث تحت نفس الإدارة ولم يتغير شيء، وفق ما تظهره البيانات المسجلة على الموقع الإلكتروني للشركة.
تجاهل الرد
تواصل مُعد التحقيق مع عائلة بشر عبر رسائل إلكترونية تضمنت استفسارات عن معظم ما ورد في التحقيق؛ مثل امتلاكه لشركات أوفشور وعلاقته بمديري تلك الشركات وطبيعة عملها. لكن معد التحقيق لم يحصل على أي إجابات عن تلك الأسئلة رغم تنبيه العائلة إلى اقتراب موعد نشر هذا التحقيق، حتى موعد نشر التحقيق.
بسبب الوقائع السابقة وغياب المساءلة يمكن القول إن وضع اليمن ضمن قائمة البلدان العشرين الأكثر فساداً والأقل شفافية في العالم بحسب التقرير الصادر عن منظمة الشفافية العالمية في عام 2015، يعد أمرا طبيعيا وواقعيا.