لكن يعتقد بعض المراقبين، أنّ الـ"أونروا" حسمت خياراتها، في ظل عدم تقدم المانحين التقليديين لها لسد فجوة العجز المالي الذي تعاني منه، لكنها تنتظر إعلانه تدريجياً، حتى يخف الضغط المتوقع عليها من قرارات تبدو تقشفية جداً، ستطاول الموظفين والقطاعين التعليمي والصحي في المؤسسة الأم للاجئين الفلسطينيين حول العالم.
والتقى مسؤولو الـ"أونروا" على مدار اليومين الماضيين في غزة، مسؤولي الفصائل والمجلس التشريعي، بهدف التوضيح لهم، حول أزمة المنظمة المالية وخطواتها المتوقعة. وقد أشار أحد المسؤولين الذين التقوا أعضاء المنظمة، أنّ هذه الأخيرة مقدمة على خطوات "خطيرة وكبيرة"، إن لم تحل أزمتها خلال الأسبوعين المقبلين.
وقالت نائب مفوض الـ"أونروا" ساندرا ميتشل، في مؤتمر صحافي في غزة، يوم الأحد، إنّ الوكالة لم تتخذ بعد أي قرار بشأن العام الدراسي المقبل، كما لم تتخذ قراراً بتأجيله، مشيرة إلى أنّ القرار النهائي في هذا الموضوع سيصدر خلال منتصف الشهر الجاري.
وفي حين تسرّبت معلومات عن نية الـ"أونروا" تأجيل العام الدراسي في 700 مدرسة لها، في مناطق عملياتها الخمس، لمدة أربعة أشهر، اعتبرت مصادر مطلعة أنّ هذه المعلومات، وإن صحّت، تعني تجميد رواتب 22646 موظفاً في القطاع التعليمي أيضاً، مشيرة إلى أنّ الوكالة لم تنف هذه الشائعات بشكل قاطع، وإن قالت إنها لم تتخذ بعد قراراً في هذا الشأن بشكل نهائي، وأجلّت الإعلان عن قراراتها حتى منتصف الشهر الجاري.
وتلفت المصادر إلى أنّ الـ"أونروا" سرّحت في شهر يوليو/تموز الماضي، 85 في المائة من الموظفين الأجانب الذين كانوا يعملون لديها من خلال العقود، وقدمت عروضاً للتقاعد المبكر لموظفيها الفلسطينيين، لكن العروض لم تكن مغرية، ولم يقدّم أحد منهم للحصول عليها.
ويرى مراقبون أنّ الأزمة المالية إن لم تحل جزئياً أو كلياً، فإنّ الـ"أونروا" ستكون عاجزة عن دفع رواتب موظفيها في سبتمبر/أيلول المقبل، وستكون المرة الأولى التي تقدم الوكالة على هذا الأمر، وهو ما يُبقي كل الاحتمالات واردة.
اقرأ أيضاً: لاجئون في غزة يعتبرون أزمة أونروا "مؤامرة"
في هذا السياق، يقول رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة "حماس"، عصام عدوان لـ"العربي الجديد"، إنّ الـ"أونروا" تناور من أجل تأجيل العام الدراسي الجديد، لأكثر من نصف مليون طالب فلسطيني، في المناطق الخمس التي تقدم فيها خدماتها. ويوضح عدوان، أنّ الأزمة التي تتحدث عنها الإدارة العليا لوكالة الغوث ليست حديثة، هي امتداد لأزمات منذ سنوات عدّة، مشيراً إلى أنّ المنظمة كانت تقوم بترحيل العجز إلى موزانة العام الذي يليه للتغلب عليها.
ويحمّل عدوان، الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة في تقليص الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين في مختلف مناطق وجودهم، مؤكداً أنّ "الاحتلال الإسرائيلي عمل خلال السنوات الأخيرة في الضغط على الدول المانحة من أجل وقف تقديم الدعم لموازنة الأونروا العامة، وهو ما نتج عنه تفاقم الأزمة حالياً".
ويلفت عدوان إلى أنّ توقف خدمات اللاجئين وتأجيل بداية العام الدراسي سيقود إلى انفجار شعبي وفصائلي في وجه الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي، مشيراً إلى أنّ "الاحتلال سيشتعل بكرة النار التي قام بإضرامها". وتوقّع عدوان، أن تشهد الأيام المقبلة تصعيداً تدريجياً في وجه المنظمة، لمنع المؤامرة الحاصلة في تصفية قضية اللاجئين، وسياسة تقليص الخدمات التي وصلت إلى حدّ المساس بقطاعات هامة وأساسية كالتعليم والصحة.
أما رئيس المكتب التنسيقي للجان الشعبية للاجئين، معين أبو عوكل، فيعتبر أنّ الإجراءات الأخيرة للمنظمة تهدف إلى توجيه الأزمة نحو اللاجئ الفلسطيني، عوضاً عن أن تتحمل الأمم المتحدة والاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن حالة التدهور في موازنة الـ"أونروا".
ويقول أبو عوكل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "على الإدارة العليا للمؤسسة الدولية، العمل بشكل فوري لإيجاد حلّ لمليون طالب قبل بدء العام الدراسي، أو فلتقدّم استقالتها ولترحل فوراً"، مشدداً على أن الشعب الفلسطيني سيقف في وجه أي مخططات تستهدف قضية اللاجئين. ويلفت أبو عوكل، إلى أنّ "الانفجار في وجه الاحتلال أصبح وشيكاً، إذا لم تقدم الأونروا على إعادة خدماتها".
وكانت ميتشل قد أشارت في مؤتمرها الصحافي، في غزة، إلى أنّ الاتصالات مستمرة مع جميع الأطراف الدولية والعربية، من أجل توفير الدعم المالي اللازم لاستمرار العمل، وأعلنت كذلك أنّ مفوض الـ"أونروا" العام، سيتحدث إلى وزراء الخارجية العرب في القاهرة عن الأزمة المالية.
وشددت ميتشل على أنّ "مسؤولية المجتمع الدولي تكمن في توفير الدعم للمنظمة حتى إيجاد حل كامل لقضية اللاجئين"، موضحة أنّ "الأونروا ستبعث برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومجلس الأمن والهيئة العمومية لتشرح لهم الأزمة المالية التي تعانيها، وللمطالبة بتوفير تمويل، لتلاشي جميع المخاطر المترتبة على أي توقف لمشاريعها.
وهو ما أكدّ عليه النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي أحمد بحر، الذي قال، في حديث صحافي، إنّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مشكلة دولية، وعلى الأطراف المعنية أنّ تتحمل مسؤوليتها تجاههم، مشدداً على أنّ أي تقليص في خدمات الـ"أونروا" يشكل مخالفة واضحة وصريحة لقرارات الأمم المتحدة وميثاقها، واتفاقيات اللجوء، وقواعد القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
اقرأ أيضاً: وقف التعليم في "أونروا" قنبلة موقوتة