"إخوان" وعسكر: أهذه مصر؟

10 ابريل 2014

مرسي والسيسي معاً في مايو أيار 2012 (أ.ف.ب)

+ الخط -

كثيرون ظنّوا أن الخارطة البشرية والسياسية المصرية لمفاعيل 30 يونيو/ حزيران لن تكون قابلة للتغيير، أو لإعادة التشكّل، لزمن طويل. كان الزخم البشري والسياسي الذي أدى إلى إطاحة محمد مرسي، وتعيين حكومة "مدنية"، يسيطر عليها العسكر من وراء ستار، هائلاً وهادراً وقادراً على اقتلاع كل مَن يقف في وجهه. لكن هذا الزخم الهادر لم يدم طويلاً، إذ تبدّدت، مع الوقت، "السَّكْرة" وبقيت الفكرة. فإن كانت تلك الهبَّة الجماهيرية الهادرة قد قامت لسببٍ (أخونة الدولة ومحاولة تغيير شكلها الذي عهده المصريون)، فإن ألف سبب وسبب يدعو إلى الاعتقاد بأنها لن تكون الشكل النهائي للحراك الجماهيري المصري.
وهذا ما بدأ يظهر، الآن، رغم حالة القمع غير المسبوقة، والتي تشنها الأجهزة الأمنية المصرية ضد طيف واسع من النشطاء السياسيين والمواطنين العاديين الذين لا يريدون عودة الدولة البوليسية باسم "الاستقرار" و"الأمان".
ما هو مهم، هنا، أنَّ مَن يفعل ذلك ليس "الاخوان" وحلفاؤهم.. وليس انطلاقاً من أجندتهم وأهدافهم، حتى وإن تلاقى حراكهم مع حراك "الاخوان".  فليست، فقط، القوى المنضوية في إطار ما يعرف بـ"تحالف دعم الشرعية" هي مَنْ تهزّ المشهد المصري الذي تشكَّل ما بعد "التفويض"، بل قوى سياسية ليبيرالية ويسارية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات وطنية ونقابية، قد تكون شاركت في المجهود السياسي والجماهيري لإطاحة حكم الإخوان، لكنها لم تفعل ذلك، كما يعبّر بعض ناطقيها ورموزها، من أجل تسليم السلطة إلى العسكر على طبق "مليونيٍّ"، وإنما من أجل أن تبلغ "الثورة" المصرية أهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. وهذه الأخيرة هي التي ستكون، على الأرجح، سبب أي هبوب جماهيري مصري قادم.
هذا المتغيِّر لم يكن واضحاً غداة النشوة التي أصابت عديدين لإطاحة محمد مرسي، وجماعته، لكنَّ هناك مَن توقّعه. علينا أن نتذكر أن مرسي لم يأتِ على ظهر دبابة، بل عبر صندوق انتخابي، غير أنه لم يُحسن، ومَن حوله، إدارة استحقاقات هذا الصندوق التي تتجاوز مجرد الوصول إلى البرلمان والإقامة في "الاتحادية".. والأهم، ربما، أن لا شيء تغيّر في حياة الناس اليومية.
طبعا ثمّة مَن يجادل، هنا، أن سنة في الحكم غير كافية لتحقيق أثر اجتماعي واقتصادي ملموس في الشارع.. وهذا صحيح، لكن ما هو صحيح، من وجهة نظري، أن لا مؤشرات دلّت على ذلك في سياسات مرسي، فهو لم يختلف كثيراً، على صعيد الخيارات الاقتصادية، عن نهج مبارك، بل حاول التصالح مع رجالاته الاقتصاديين.
ما يدفع هذه القوى إلى "إعادة التموضع"، بما في ذلك جزء من حركة "تمرد" التي يُعزى إليها الفضل في دفع الجماهير المصرية للخروج إلى الشوارع، مطالبين مرسي بانتخابات مبكرة، ليس فقط عدم حصولها على قطعةٍ من كعكة السلطة، بل إدراكها أن الجماهير التي خرجت لإطاحة مرسي يمكن لها أن تخرج (بصرف النظر عن العدد) لإطاحة السيسي، الرئيس القادم. هذا قانون حتمي، فعندما لا تتحسن حياة الناس لن تكفي، حينها، "طلَّة" السيسي ولا "سحره" في الشارع. فالناس يعطونك "تفويضاً"، ثم "ينتخبونك"، لأنهم يظنون أنك قادر على صنع فرق حقيقي في حياتهم، ويسحبون هذه الثقة، عندما لا يحدث فرق يُذكر.. فكيف إذا انقلبت الأمور إلى العكس؟
المؤكد، الآن، أن لا شيء تحقق من الأهداف التي ضحى في سبيلها عدد كبير من نساء ورجال وشبان مصر. لا شيء. إلا إذا اعتبرنا أن كسر حاجز الخوف ومعرفة الطريق الى التغيير، اللذين تمتّع المصريون بهما في السنوات الثلاث التي تلت "ثورة 25 يناير"، هدفاً وإنجازاً.. لكن حتى هذين لم يتحوّلا، للأسف، إلى إنجاز مسلَّم به، وغير قابل للاسترداد، كما يحصل الآن.
لا الحرية، اليوم، مضمونة، ولا الكرامة مصانة، ولا العدالة الاجتماعية تحقَّق بعضها (فتحقُّقها كاملة مجرد طوبى)، فلِمَ لا نتوقع اتّساعاً في رقعة الاحتجاجات التي لا ترمي، على الأرجح، إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإنما إلى تصحيح الخلل الفادح في الحياة العامة المصرية الراهنة.
هناك حراك شعبي مصري مضطرد الآن، وسيتواصل مستقبلاً، لكن المطلوب، لكي يتحول هذا الحراك إلى برنامج عمل، أن تُجري القوى السياسية المنخرطة في مسعى التغيير مراجعة نقدية لمواقفها السابقة، وخصوصاً "الإخوان"، الذين يتوجب عليهم التبرّؤ التام، الواضح، الذي لا لبس فيه ولا غمغمة، من الإرهاب الذي يحصد أرواح مصريين.. فمن دون ذلك، لن يكون عمل المرحلة المقبلة "على بياض"، كما يقول المصريون.
إشارة فائضة عن الحاجة:
ما سبق هو موقف كاتب هذه السطور على ما قيل عنه شخصياً، وعن هذا المشروع الذي ينخرط فيه، باعتبارهما اندراجاً في "أخونة" خفيِّة. أَظن أنه صعب، إن لم يكن مستحيلاً، على يساري عتيق مثلي، أن يكون "إخوانيا".. كل ما في الأمر إني، والعديد مثلي، سواء في هذا المشروع أوغيره، لم ننخرط في سعار العداء للإخوان، ولم نصدح في أبواق المديح للعسكر الذي ينبغي أن يكون على الحدود، لا في الشارع، ولا في سدَّة الحكم.
كان ذلك موقفي من قبل، وسيظل من بعد. فلم يُضحِّ مئات الآلاف من الشباب العربي بأرواحهم لكي يعود الاستبداد من الشباك، بعدما ظننا أنه خرج من الباب.

 

 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن