أصبح للأسفلت في المغرب شأن عظيم. والمساس بصورته أمام الرأي العام، جريمة تستحق العقاب، والمثول أمام قضاء المملكة. بل تحول "السيد الزفت" كما يسميه المغاربة بالعامية، قادراً على وضعك تحت الحراسة النظرية، ومتابعتك كأنك في حالة اعتقال.
الحكاية ليست من نسج الخيال هنا. بل واقعة مكتملة الأركان وحديث المغاربة كباراً وصغاراً. بطلها "أسفلت جمعة سحيم" (بلدة نواحي مدينة آسفي)، الذي جر الشاب عبد الرحمن المكواري للمساءلة القضائية، بتهمة "السب والقذف في حق رئيس البلدية".
بدأت الحكاية حين اختار الشاب الاحتجاج بطريقته على تعبيد طريق بقريته. ولم يستطع عبد الرحمن السكوت عندما تمكن من اقتلاع الأسفلت بأصابعه، الذي لم تمر سوى أيام قليلة على استصلاحه.
كان الشاب "المسفيوي" بمدينة العيون، يبحث عن قوت يومه عبر التجارة، حيث تقاطرت على منزل عائلته استدعاءات الدرك الملكي.
نقل الأب للصحافة المغربية، أن ابنه رجع على عجل من سفره. وتوجه نحو مقر سرية الدرك، لتحرير محضر حول الواقعة، ليتبين أن "الأسفلت اللعين" له "رب يحميه". تبين أن مكانته ليست بالهينة كما توهم عبد الرحمن، بل هو قادر -وفعلها- على قطع سفره ورزقه، وإدخاله دائرة المشتبه بهم. أظهر "الزفت"، قوة خارقة، وجاهاً لن يقدر أحد مستقبلاً على المساس به، مهما عرت قطرات الشتاء من سوئه، ومهما تآكلات ملامحه فوق الطرقات والشوارع، فهو المنزه الشوائب، وإن حدث ووقع المحظور، وجب توقيره، والبحث عمن يقف خلفه ويحميه ويصون كرامته، أمام محاولات تشويه صورته ومظهره أمام الرأي العام الوطني والدولي.
"الأسفلت المقدس"، أظهر بما لا يدع مجالاً للشك، أنه فوق كل شبهة، لتلتصق الأخيرة بالشاب عبد الرحمن، نكاية في انتشار مقطع الفيديو الذي نقلته على نطاق واسع مواقع التواصل الاجتماعي.
حاول والد الشاب التواصل مع رئيس الجماعة الذي مسّه القول "إن الأسفلت ضعيف هش لم يصمد"، والذي رفض التنازل عن جرّ عبد الرحمن إلى المحاكمة مقيد الحرية. ولم يجد الأب غير إطلاق كلمة بليغة عند المغاربة "دير لي في جهدك.. ونحن لنا الله".
محاكمة عبد الرحمن تحولت اليوم بقوة التضامن معه، وتشارك مقطع الفيديو الذي نشره، إلى قضية رأي عام عند المغاربة. أطلق النشطاء حملة تضامن بعنوان (#كلنا_عبد_الرحمان). فتشارك الوسم سياسيون ومثقفون، ونشطاء، وضعفاء، ومهمشون، ولديهم سؤال: "ماذا اقترف عبد الرحمن في حق الأسفلت ليسجن"؟ "وهل يستحق كل هذا حرمان الشاب من حريته وتركه في حالة اعتقال"؟
وأمام كل هذا، يبدو أن الشوارع والطرق ستتباهى بحفرها وتشققاتها مستقبلاً. لن تخجل، ولن تخاف بعد اليوم أن تكون سبب مساءلة أحدهم عما اقترفه في حقها أو لصالحها. فالحفر حسب الموروث الشعبي من علامات الوسامة لدى البشر إن ظهرت على وجوههم، يقولون "حفرة الزين"، ويخاطب الأسفلت عبد الرحمن السجين، لكم حفركم ولي حفري التي تمثل اليوم "بهاء المظهر والقدرة على امتلاكها دون خجل".
اقرأ أيضاً: المدخل إلى الكارثة