23 اغسطس 2024
"الإصلاح" اليمني وأبوظبي.. مجدّداً
ليس هذا اللقاء الأول الذي جرى بين قيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح مع ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، فقد سبقه لقاء في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في الرياض، ولكن لم يعقبه أي تحسن بالعلاقة بين الطرفين، وإنما أعقبته حملة إعلامية شرسة ضد حزب الإصلاح في وسائل الإعلام الإماراتية والمقرّبة منها، عدا عن عمليات اغتيالات طاولت قيادات إصلاحية كبيرة أيضاً، ذكرت تقارير غربية أنها تتم بدعم إماراتي، كما سابقا في محاولة اغتيال القيادي الإصلاحي، إنصاف مايو، في عدن في منتصف 2015، وأفاد موقع البازفيد الأميركي بأن الإمارات تقف خلفها.
جاء لقاء 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، على هامش "منتدى المواطنة الشاملة"، وحضره وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هامت، وظهر بعده لقاء بين القياديين الإصلاحيين، محمد اليدومي وعبد الوهاب الأنسي، مع محمد بن زايد، لم يكشف عن تفاصيل ما جرى فيه، واكتفت الأخبار بالصيغة البروتوكولية المعتادة عن مناقشة الملف اليمني.
ويدرك الجميع حجم الخصومة التي تكنها الإمارات، وترتكز عليها سياساتها الخارجية والداخلية، ضد كل ما له علاقة بالحركات الإسلامية، وخصوصا منذ ما بعد ربيع الثورات العربية التي وقفت الإمارات بقوة في وجهها، ودعمت كل الثورات المضادة للربيع العربي، والتي لا تزال المنطقة العربية كلها رهينة لتداعياتها. وكان ينبغي أن تكون لهذا العداء
الإماراتي للثورات، وفوبيا الربيع العربي، لحظة استثناء في المشهد اليمني، نظرا لخصوصية الوضع والمعركة في اليمن، ما عمل على اجتماع الثورة والثورة المضادة في متراس واحد في جبال اليمن وسهولها ووديانها، ما كان يمثل نقطة التقاء وتصحيح للصورة المغلوطة والمشوهة التي تكنها الإمارات لكل حركات التغيير في العالم العربي. غير أن خصوصية الوضع في اليمن هي أن إسقاط ثورة 11 فبراير سيؤدي إلى تحكم إيران بالمشهد اليمني، ومن ثم الإقليمي، لأن البديل عن هذه الثورة سيؤدي إلى فراغ، لن تملأه سوى مليشيات المشروع الإيراني. وهذا ما حدث، بسبب أنه لم يكن في أجندة الأشقاء في الخليج من عدو وجودي واستراتيجي سوى تيارات الثورة الربيعية، وفي مقدمتهم الإسلاميون، وليس إيران ومليشياتها التي تحتل دولا عربية بكاملها اليوم، وفي طريقها إلى التهام المزيد في ظل حالة الإخفاق للتحالف العربي في اليمن.
اشتداد حملة الشيطنة ضد حزب الإصلاح وكوادره، وإنكار جهوده الكبيرة في عملية المقاومة والتحرير، كانت هي اللغة والتوجه الواضح لدى الإمارات طوال الحرب، ما يعني أن للإمارات هدفا معلنا، هو ضرب كل ما له علاقة بثورات التغيير. واستفادت إيران ومليشياتها من هذا الموقف في العراق وسورية، وفي اليمن أيضاً، وأدى إلى إخفاق التحالف في حسم الحرب في اليمن، بفعل هذه السياسة التي تغفل كثيرا تعقيدات الواقع اليمني المعقد، فكثرة التكهنات عن لقاء قادة "الإصلاح" بمحمد بن زايد، وما سيترتب عليه، لا تفيد، فمن المبكر جدا الحديث عن تحسّن في العلاقة بين الطرفين، خصوصا وأن الإمارات، أو بالأصح حكومة أبو ظبي، لا زالت ترى في نفسها وكيلا حصريا لاجتثاث ما تسميه الإسلام السياسي، وكل ما له علاقة بثورات الربيع العربي، عدا ما تشهده العلاقة بين الإمارات والحكومة الشرعية اليمنية نفسها، والتي سعت الإمارات، منذ اللحظة الأولى، إلى تقويضها بإيجاد مليشيات مسلحة خارج إطار مؤسسات الدولة الشرعية في المناطق المحرّرة.
والأهم من هذا كله أن قيادة حزب الإصلاح، هي الأخرى، في سبيل الخروج من دائرة الاستهداف الواقعة تحتها، والتي تمولها وتغذيها الإمارات في الدخل اليمني، وتجعل الحزب دائما الطرف الذي يقدم التنازلات تلو التنازلات، تجنبا لمزيد من الاستهداف له، ولكوادره، ما يجعل فكرة المكاشفة مع قيادة الإمارات مستبعدةً في هذه المرحلة، وهو ما لا يخدم الشرعية، ولا "الإصلاح" نفسه الذي ينبغي أن يسعى إلى مكاشفة حقيقية وصريحة بشأن سياسة الاستهداف التي تناله وتنال كوادره ودوره في إطار معركة التحالف.
عدا عن ذلك، يحاول "الإصلاح" عدم توسيع جبهة المواجهة على حساب الجبهة الوطنية
الكبرى، وهي جبهة إسقاط الانقلاب، ولكن المبالغة في تقديم التنازلات بهذا الشكل على حساب الحزب وكوادره ليست من السياسة بمكان، بقدر ما هي خطوة جبانة، لا تصلح عنوانا لمصالحة حقيقية تؤسّس لعلاقة شراكة في معركة وطنية، قدّم فيها "الإصلاح" الكثير.
ليس المطلوب من الحزب اليوم تقديم التنازلات من دون ضمانات حقيقية لعدم الاستمرار في حملاتٍ استهدافه إعلاميا وسياسيا وأمنيا أيضاً، فهذه السياسة ليست ذات جدوى، بقدر ما تعمل على إضعافه يوما بعد آخر، كما أثبتت التجارب السابقة، وإنما المطلوب منه المكاشفة والمصارحة، فضلا عن المطالبة بضماناتٍ حقيقيةٍ لاستكمال معركة التحرير، وعدم استهدافه بعد ذلك، والتعاطي معه من خلال بوابة الشرعية اليمنية كأحد مكوناتها.
لكن ما ليس مفهوما هو الموقف الإماراتي المفاجئ الذي استدعى قدوم قيادة "الإصلاح" إليها، إلى عاصمتها، لتدور بشأن ذلك أسئلة عديدة، خصوصا في ظل المطالب الدولية المتزايدة لإيقاف الحرب، والمضي نحو السلام في اليمن، وأيضاً من دون أدنى فهم لتعقيدات الحالة اليمنية وجذورها، ما يعني أن الإمارات ربما تسعى إلى اللقاء بقادة "الإصلاح" للظهور أنها على علاقة طيبه بهم، وأنها لا تستهدفهم مطلقا، ولديها أبوابها المشرعة مع كل الأطراف اليمنية.
بات مثل هذا اللقاء ضروريا جدا لإيقاف مزيد من العبث في الملف اليمني، لكن السؤال عما إذا كانت هناك جدية من الإمارات في هذا السياق أم لا يعد الأمر مجرد تكتيك، لاستئناف اللعبة مجدّدا في ضرب كل ما له علاقة بقوى الثورة والتغيير في اليمن، وتصفيته وشيطنته. وهذا ما لا يمكن التنبؤ به الآن. ولكن دعنا ننتظر الأيام، وربما الأسابيع والشهرين المقبلين، على أقل تقدير.
جاء لقاء 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، على هامش "منتدى المواطنة الشاملة"، وحضره وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هامت، وظهر بعده لقاء بين القياديين الإصلاحيين، محمد اليدومي وعبد الوهاب الأنسي، مع محمد بن زايد، لم يكشف عن تفاصيل ما جرى فيه، واكتفت الأخبار بالصيغة البروتوكولية المعتادة عن مناقشة الملف اليمني.
ويدرك الجميع حجم الخصومة التي تكنها الإمارات، وترتكز عليها سياساتها الخارجية والداخلية، ضد كل ما له علاقة بالحركات الإسلامية، وخصوصا منذ ما بعد ربيع الثورات العربية التي وقفت الإمارات بقوة في وجهها، ودعمت كل الثورات المضادة للربيع العربي، والتي لا تزال المنطقة العربية كلها رهينة لتداعياتها. وكان ينبغي أن تكون لهذا العداء
اشتداد حملة الشيطنة ضد حزب الإصلاح وكوادره، وإنكار جهوده الكبيرة في عملية المقاومة والتحرير، كانت هي اللغة والتوجه الواضح لدى الإمارات طوال الحرب، ما يعني أن للإمارات هدفا معلنا، هو ضرب كل ما له علاقة بثورات التغيير. واستفادت إيران ومليشياتها من هذا الموقف في العراق وسورية، وفي اليمن أيضاً، وأدى إلى إخفاق التحالف في حسم الحرب في اليمن، بفعل هذه السياسة التي تغفل كثيرا تعقيدات الواقع اليمني المعقد، فكثرة التكهنات عن لقاء قادة "الإصلاح" بمحمد بن زايد، وما سيترتب عليه، لا تفيد، فمن المبكر جدا الحديث عن تحسّن في العلاقة بين الطرفين، خصوصا وأن الإمارات، أو بالأصح حكومة أبو ظبي، لا زالت ترى في نفسها وكيلا حصريا لاجتثاث ما تسميه الإسلام السياسي، وكل ما له علاقة بثورات الربيع العربي، عدا ما تشهده العلاقة بين الإمارات والحكومة الشرعية اليمنية نفسها، والتي سعت الإمارات، منذ اللحظة الأولى، إلى تقويضها بإيجاد مليشيات مسلحة خارج إطار مؤسسات الدولة الشرعية في المناطق المحرّرة.
والأهم من هذا كله أن قيادة حزب الإصلاح، هي الأخرى، في سبيل الخروج من دائرة الاستهداف الواقعة تحتها، والتي تمولها وتغذيها الإمارات في الدخل اليمني، وتجعل الحزب دائما الطرف الذي يقدم التنازلات تلو التنازلات، تجنبا لمزيد من الاستهداف له، ولكوادره، ما يجعل فكرة المكاشفة مع قيادة الإمارات مستبعدةً في هذه المرحلة، وهو ما لا يخدم الشرعية، ولا "الإصلاح" نفسه الذي ينبغي أن يسعى إلى مكاشفة حقيقية وصريحة بشأن سياسة الاستهداف التي تناله وتنال كوادره ودوره في إطار معركة التحالف.
عدا عن ذلك، يحاول "الإصلاح" عدم توسيع جبهة المواجهة على حساب الجبهة الوطنية
ليس المطلوب من الحزب اليوم تقديم التنازلات من دون ضمانات حقيقية لعدم الاستمرار في حملاتٍ استهدافه إعلاميا وسياسيا وأمنيا أيضاً، فهذه السياسة ليست ذات جدوى، بقدر ما تعمل على إضعافه يوما بعد آخر، كما أثبتت التجارب السابقة، وإنما المطلوب منه المكاشفة والمصارحة، فضلا عن المطالبة بضماناتٍ حقيقيةٍ لاستكمال معركة التحرير، وعدم استهدافه بعد ذلك، والتعاطي معه من خلال بوابة الشرعية اليمنية كأحد مكوناتها.
لكن ما ليس مفهوما هو الموقف الإماراتي المفاجئ الذي استدعى قدوم قيادة "الإصلاح" إليها، إلى عاصمتها، لتدور بشأن ذلك أسئلة عديدة، خصوصا في ظل المطالب الدولية المتزايدة لإيقاف الحرب، والمضي نحو السلام في اليمن، وأيضاً من دون أدنى فهم لتعقيدات الحالة اليمنية وجذورها، ما يعني أن الإمارات ربما تسعى إلى اللقاء بقادة "الإصلاح" للظهور أنها على علاقة طيبه بهم، وأنها لا تستهدفهم مطلقا، ولديها أبوابها المشرعة مع كل الأطراف اليمنية.
بات مثل هذا اللقاء ضروريا جدا لإيقاف مزيد من العبث في الملف اليمني، لكن السؤال عما إذا كانت هناك جدية من الإمارات في هذا السياق أم لا يعد الأمر مجرد تكتيك، لاستئناف اللعبة مجدّدا في ضرب كل ما له علاقة بقوى الثورة والتغيير في اليمن، وتصفيته وشيطنته. وهذا ما لا يمكن التنبؤ به الآن. ولكن دعنا ننتظر الأيام، وربما الأسابيع والشهرين المقبلين، على أقل تقدير.