قلما التفتت الترجمات العربية إلى نقل الكتاب الفرنسيين من أصول مختلفة، فالكتاب الفرنكفونيين من أصول شرق آسيوية أو جنوب أفريقية أو لاتينية كثر، ولهم مكانة بارزة كرستها الجوائز المرموقة التي حصلوا عليها، ومن أبرز هؤلاء اليوم الكاتب الفرنسي من أصل كونغولي آلان مابانكو (1966) وهو الذي حاز جائزة "رونودو" والأكاديمية الفرنسية وجائزة موناكو للأدب ووصل إلى القائمة القصيرة لمان بوكر في 2015.
وتعد روايته "البازار الأسود" من أبرز رواياته، وقد نقلها مؤخراً إلى العربية المترجم عادل أسعد الميري لتصدر لدى دار "آفاق"، وتقدم إلى القارئ العربي صورة عن مجتمع المهاجرين الأفريقيين في باريس وكيف يعيشون حياتين وربما ثلاثة في وقت واحد ممزقين بين ماضيهم وحاضرهم ومخاوفهم من المستقبل، والعنصرية اليومية والتمييز في التفاصيل وطريقة العيش والفرص.
الشخصية الرئيسية هو "داندي" كونغولي يعيش في باريس، بعد انفصاله عن حبيبته التي تركته وذهبت إلى الكونغو لتعيش مع موسيقي فيها، وهذا هو الحدث الأم لكل الرواية، أن تعود الحبيبة إلى موطنها الأصلي وأن يظل الرجل مشتتاً وهائماً في حي فقير في باريس.
يفتح الراوي حياته على مصراعيها، فيسرد كيف فر من بلده الكونغو، وكيف وأين يعيش في باريس في شقة رثة نكاد نشم رائحتها ونرى فقرها.
قصة حياة عادية مليئة بالغيرة والكراهية والضعف والألم، نرافق الرجل في محنته وفي جولاته في السوق في باريس، في نظرته إلى العالم وتأملاته في المقهى حيث يقضي الوقت مع صديقه العربي الذي يحاول أن يقنعه بقيادة الكفاح من أجل وحدة إفريقيا قوية خلف المرشد الروحي معمر القذافي.
من خلال حديثه نتعرف على الكونغو؛ على الموسيقى والأزياء وشكل الحياة فيها، صورة مضادة لما تحمله تصوراتنا عن بلاد الحرب الأهلية الأطول في عصرنا.
يعيش في استوديو صغير في الدائرة العاشرة في باريس ، بالقرب من محطة مترو "شاتو دو" نتجول معه ونرى أفكاره حتى عن اللغة الفرنسية نفسها. تغيرت حياته عندما التقى جان فيليب، مؤلف مشهور من هايتي فتبدأ الشخصية الأساسية هذه في الكتابة أيضاً.
المدهش هو براعة وبلاغة مابانكو المذهلة في اللغة الفرنسية، إنه يعرفها من الداخل والخارج ويلعب بها من دون تكلف، بأسلوب مليء بالمراوغات والالتواءات والتلميحات، يبدو بسيطًا ولكنه ليس كذلك. لغة عامية ذكية مليئة بالمراجع الثقافية والأفكار القوية حول العلاقات بين السود والبيض والعالم من حوله.
يذكر أن مابانكو شاعر وروائي وأصدر عدة كتب فيها مقالات مطولة في الأدب والسياسية والفلسفة، فهو في الأساس درس الفلسفة، وبدأ شاعراً وكانت أولى مجموعاته عام 1994 بعنوان "من يوم ليوم" ثم أصدر رواية "أزرق أبيض أحمر"، و"ووحده الله يعرف كيف أنام" و"الزجاج المكسور"، وأحفاد الزنوج" وصدر له هذا العام رواية "شائعات أميركا.