نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً للكاتبة، جيني نوردبيرغ، عن ظاهرة الفتيات اللواتي يخضعن لتربية كأنهن ذكور في أفغانستان، وتالياً نص الترجمة الكاملة للتقرير.
أفغانستان البلد الأسوأ في العالم لولادة الإناث، بحسب بيانات الأمم المتحدة. هناك يربي بعض الآباء بناتهم كأبنائهم. ولدى بلوغها، تتحول الفتاة التي كانت ترتدي زي الصبيان أو "الباشا بوش" في لغة الداري، إلى ارتداء أزياء الفتيات.
عندما تشاهد مهران بنت السادسة، وهي تلعب كرة القدم، في مدرستها في كابول، ستظن أنّ كون الطفل فتاة ليس سيئاً في أفغانستان. توحي تعبيراتها، وهي تتحرك في الملعب الذي تغطيه طبقة خفيفة من العشب بالرضى المتمثل في تلك الابتسامة عندما تصل أخيراً إلى الكرة. وتصوب مهران الكرة بقدمها، وهي ترتدي صندلاً خفيفاً يكشف عن قدميها بكل ما أوتيت من قوة. وترتدي قميصاً مسدلاً على بنطالها، بينما يتبعثر شعرها الأسود القصير في جميع الاتجاهات.
لا تبدو مرتّبة بل هي متسخة. إلا أنها لا تكترث كثيراً، فليس هناك من حاجة كي تبدو مهران جميلة أو مرتبة أو خجولة، كما يتوقع من الفتيات الأفغانيات أن يكنّ. فالسائد أن تبتعد الفتاة عن النشاط البدني المجهد، وهي ترتدي ملابسها المحتشمة، وتجمع كل شعرها بعناية تحت الحجاب.
وتظهر بيانات الأمم المتحدة، أن متوسط أعمار النساء في أفغانستان بلغ 44 عاماً. وتعتبر "الباشا بوش" الفتيات السريات في هذا المجتمع الشديد المحافظة. فهناك يحتفظ الذكور لأنفسهم بالحظوة. فيما تواجه الأم التي تنجب أنثى بخيبة الأمل.
قالت لي والدة مهران أول مرة التقيتها إنّ "النميمة تطارد العائلة". وشرحت لي كيف دفعها وجود أربع بنات لديها، إلى أخذ بنتها الصغرى إلى الحلاق وقص شعرها قبل عام، وتعديل اسمها إلى اسم مذكر، حتى تقدمها إلى العالم الخارجي كولد بقميص وسروال.
عندما بدأت بحثي عام 2009 بعد مقابلتي مهران للمرة الأولى، كان هناك إنكار وجود مثل تلك الفتيات، من جانب كثير من الخبراء الأجانب المختصين في أفغانستان. وما كان ظاهراً أنّ من غير المحتمل، أن يسمح الفصل القاسي بين الجنسين في أفغانستان، بمثل هذه الانحرافات. لكنّها في الحقيقة، ممارسة قديمة يرجعها الأفغان إلى ما قبل دخول الإسلام إلى البلاد".
وفي خداع جمعي لعلّ أفضل وصف له هو صيغة "لا تسألْ لا تُخبرْ"، تحتفظ كل أسرة أفغانية بسرّ مثل ذلك الطفل. ولهذا السبب لا يوجد عدد محدد لـ"الباشا بوش" في أفغانستان. لكن خلال خمس سنوات من بحثي في هذه الممارسة قابلت العشرات من أولئك الفتيات، إضافة إلى النساء اللواتي مررن بتجربة التنشئة بمظهر وسلوك الصبيان الأفغان".
ينتشر هؤلاء الأطفال، والذين يمكن أن يمثلوا جنساً ثالثاً تقريباً، عبر مجموعات عرقية ومناطق جغرافية مختلفة. وبحسب المعلمين والقابلات والأطباء الأفغان فليس من النادر أن تجد "الباشا بوش" في كل مدرسة أو أسرة ممتدة. فتلقّي التعليم يكون أسهل في معظم المناطق المحافظة، حيث لا تتمكن سوى القليل من الفتيات من الالتحاق بالمدارس. كما أنّ الأسر قد تحتاج إلى طفل يمكنه الحركة أكثر لقضاء احتياجات الأسرة أو مرافقة الشقيقات".
بينما يتقبل المجتمع الأفغاني إلى حدٍ كبير التناقض الواضح المتعلق بـ"الباشا بوش" بالنسبة للصغيرات، فإنه يتطلب أن تتبع جميع الفتيات في نهاية الأمر أسلوب المرأة الأفغانية "السليم".
ومن أهم ما يتضمنه ذلك الزواج والإنجاب. ولذلك ينبغي على المرأة أن تظهر أنها ظلت طاهرة وحسنة السلوك منذ مفارقتها الطفولة ودخولها مرحلة البلوغ. وذلك هو الوقت الذي يسدل فيه الستار حتماً بالنسبة لمعظم فتيات "الباشا بوش"، فيؤتى لها بفستان وتمر فجأة إلى طور المرأة الشابة وتستعد للزواج.
ويكون لـ"الباشا بوش" التي قضت حياتها حتى تلك المرحلة كولد، رؤية معتمة عما تمر به الشابات. فعادة تكون الفتيات الصغيرات في أفغانستان أقل حركة، ويتربين على عدم التعبير بحرية، ورفع صوتهن. كما ينتظر منهن أن يعرفن الطبخ وأفلام بوليوود الرومانسية، أكثر مما يعرفن إطلاق البنادق، أو حشر أجسادهن في سراويل الجينز وجاكيتات الجلد.
وترفض بعض الفتيات آراء آبائهن ببساطة. فإحدى فتيات "الباشا بوش"، وهي في الخامسة عشرة من عمرها، لا تنوي أبداً العودة لتصبح امرأة محدودة الحرية والحركة بعد أن عاشت كل حياتها كولد. تقول الفتاة: "تستطيع البنات القيام بجميع الأعمال التي يقوم بها الأولاد، أعرف ذلك لأني أقوم به".
كما أكدت لي سيدة عاشت 20 سنة من عمرها كولد وشاب، قبل أن ترغم على التحول إلى امرأة وتُزوج من رجل اختاره والداها، أنّ عنصراً من المقاومة والارتباك يبقى نتيجة للتنشئة على الجانب الآخر. وتضيف "اضطررت إلى تغيير أفكاري وكل شيء داخل عقلي". هكذا وصفت الانتقال الصعب إلى وجود منحصر أكثر، كزوجة أفغانية مطيعة.
وتعتبر الظاهرة من أوضح أعراض المجتمع المنفصل الذي يتحتم تغييره. فعندما يعاني جنس من الكبت وعدم الرغبة فيه، يكون هناك دائماً من يحاولون العبور إلى الجانب الآخر، للوصول الى الحريات البسيطة، التي يجب أن تكون لكل إنسان. كما أن هناك ظواهر مشابهة في المجتمعات التي عانت فيها جماعات من القمع لأسباب دينية أو عرقية.
وأنفق العالم الغربي أكثر من 30 مليار دولار أميركي في المساعدات من أجل فهم أفغانستان والمساعدة في تحسين وضع النساء ما بين عام 2006 و2011. ورعى المانحون الأجانب خلال تلك الفترة أكثر من 700 مشروع يتعلق بالنوع.
والآن نترك أفغانستان، حيث لم تتحسن حقوق النساء إلا بالنذر اليسير. ويجب أن تدفعنا ظاهرة "الباشا بوش" المختبئة، والمتصلة بمعالجة الفصل بين الجنسين بصورة مبتكرة طوال هذا الوقت، إلى السؤال عمّا فاتنا أيضاً خلال جهود استمرت عقداً لتغيير أحد أكثر بلدان العالم فقراً وتخلفاً. بينما يتطلب ميلاد فتاة، جهوداً مستمرة لا يمكننا أن نتخيلها على الإطلاق.