بعد مرور أكثر من قرن على تشييده، لا يزال "البريد المركزي" وسط العاصمة الجزائرية واحداً من المعالم المعمارية الجميلة والبارزة في الجزائر وشمال أفريقيا.
بدأت أشغال بناء القصر، خلال الفترة الاستعمارية، وتحديداً سنة 1910، واستمرّت ثلاث سنوات. حينها أُطلقت عليه تسمية "البريد الجديد"، قبل أن يتّخذ تسميته الحاليّة سنة 1985.
إضافةً إلى موقعه الجغرافي الذي يحتلّ قلبَ العاصمة النابض، يتميّز المبنى بزخارفه التي تشمل جدرانه وأسقفه، وبمعالمه المستوحاة من فنون العمارتين الأندلسية والعثمانية.
مؤخّراً، كشفت الحكومة الجزائرية عزمها تحويل المبنى إلى متحف خاصّ بتاريخ الاتّصالات والبريد، خلال الأشهر القادمة، وهي العملية التي قالت إنها تتطلّب تأهيلاً بميزانية تصل إلى نحو 8 ملايين يورو.
يعتقد الكاتب المهتمّ بالتراث الثقافي للجزائر العاصمة، مهدي برّاشد، أن تلك الخطوة في محلّها، مضيفاً في حديثٍ إلى "العربي الجديد" أنه ينبغي تحويل العديد من المباني الأثرية في الجزائر العاصمة وغيرها من المدن إلى متاحف".
وبحسب برّاشد "يُفترض ألاّ تكون تلك البنايات ملكيّات شخصيّة، بل أملاكاً عامّة".
وحتّى قبل الإعلان عن تلك الخطوة، كان "البريد المركزي" بمثابة متحف حقيقي، ولعلّه المتحف الذي يشهد أكبر إقبال من الزوار في الجزائر، حيث يُعتبر وُجهة سياحية مفضّلة لكثير ممّن تجذبهم جمالياته المعمارية، أو الذين يقصدونه بهدف الحصول على خدمات البريدية، فضلاً عن المارّة الذين يزدحم بهم طيلة اليوم.
وخلال السنتين الماضيتين، احتضن المبنى تظاهرة باسم "المتحف في الشارع"، جمعت، في كلّ صائفة عددًا من المتاحف الجزائرية، بهدف الاقتراب من الجمهور.
في الـ 25 آب/ أغسطس الجاري، ستنطلق فعاليات الدورة الثالثة من التظاهرة وتستمر إلى غاية الـ 29 منه، بمشاركة 16 متحفاً من مختلف المدن الجزائرية.
يقول محافظ التظاهرة، نعيم طويل، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن "التظاهرة تأتي في محاولة لسدّ نقص في الثقافة المتحفية لدى الجزائريين"، مضيفاً أن هذا النقص دفع إلى التفكير في ابتكار طرائق لتشجيع الناس على زيارة المتاحف.
لا يتضمّن المعرض معروضات ومقتنيات المتاحف المشاركة، بل منشورات ومواد تعرّف بها، إضافةً إلى ورشات موجّهة للأطفال حول صناعة الأدوات الحجرية والرسومات الصخرية وغيرها.
يؤكّد طويل أن التظاهرة شهدت إقبالاً كبيراً في دورتيها السابقتين، وأنها حقّقت نتائج طيّبة؛ إذ "بات الكثيرون يزورون المتاحف بفضلها".