بين النأي المتسرع، الذي أعلنه النسور، والمشاركة المتحمسة التي عبر عنها وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، الذي نقل عنه خلال اجتماع جدة حثه المجتمعين على الإسراع في ضرب التنظيم، ودعوته لكافة الدول المعنية للانضمام للتحالف، عاشت المملكة حالة من التخبط، في ظل سؤال مزمن: كيف أمكن للنسور أن ينأى بنفسه عن تحالف شارك ملكه بصياغته، ويشارك فيه حلفاء بلاده التاريخيون، يواجه خطراً يتهدد أول ما يتهدد مملكته، وإن لم تكن الفطنة هي التي خانت الرئيس، فإن ما خانه غياب المعلومة، خاصة أنه ليس طرفاً في صناعة السياسة الخارجية والأمنية للمملكة، والتي يحتكرها الملك.
أدرك رئيس الوزراء بعد ساعة من تصريحه أنه أخطأ، فانطلقت حملة تسريبات للتحايل على ما أدلى به، عندما نقلت مواقع إخبارية عن مصادر حكومية أن "أي قرار سيتخذه مستقبلياً حول التحالف سيعلن عنه في حينه"، وهو التصريح الذي أعاد التأكيد عليه الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، بعد يومين في مؤتمر صحافي، كان الهدف منه بيان موقف الحكومة من التحالف الدولي.
اختفى النسور عن مشهد التحالف، ليضطلع القادة الأمنيون بمهمة إنجاز المشاركة الأردنية فيه، بعد أن تأخر إعلانها بفعل تصريح رئيس الحكومة، فالتقى رئيس هيئة الأركان المشتركة، الفريق أول الركن مشعل الزبن، مساعدة الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي ومكافحة الإرهاب، ليزا موناكو، ليتفقا على ضرورة "نسج شراكات إقليمية أقوى لمكافحة داعش".
وبدأ الترويج للحرص الدولي على مشاركة الأردن في التحالف، حين قال مصدر أردني مسؤول لـ"العربي الجديد" أن أميركا حريصة بشكل كبير جداً على مشاركة الأردن في التحالف، وهو الحرص الذي ترجم بلقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالعاهل الأردني قبل يوم من مؤتمر جدة، والذي خرج بتأكيد الطرفين على ضرورة مواجهة الإرهاب من دون أن يذكر بيان اللقاء "داعش" بالاسم، وهو حرص ترجم بمساعدات عسكرية أميركية للأردن، وبدبلوماسية عراقية عظمت من أثر الأردن في التحالف، خلال لقاء بين نائب رئيس الوزراء العراقي صالح المطلك، والسفير الأردني في بغداد، محمد القرعان، يوم الأربعاء الماضي، تبعه بيان صادر عن السفارة العراقية في عمّان، يوم الخميس، يؤكد ضرورة التحرك الأردني لـ"درء خطر تنظيم داعش".
حراك الأيام الخمسة، كان واضحاً أن الهدف منه ليس ضم الأردن للتحالف، الذي أكد مصدر أردني عشية تصريحات النسور لـ"العربي الجديد"، أن بلاده طرف فيه، قبل ولادته، بل كان يهدف إلى طمس تلك التصريحات والتحايل عليها.
وما تصريحات وزير الخارجية ناصر جودة، المحسوب على الديوان الملكي، أكثر من حكومة عبد الله النسور، خلال اجتماع جدة، إلا دليل على أن الأردن استعد جيداً للحرب على التنظيم، بل شارك في صياغة منطلقات التحالف.
ونقلت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن جودة تصريحات أطلقها في الاجتماع، تقترب من الأمنية أكثر منها دبلوماسية، حين قال إن "أي مقاربة في مواجهة هذا الخطر يجب أن تراعي عامل الوقت، فما نحن بصدده اليوم ليس تهديدا محتملا بل هو خطر حالي، مما يستدعي التعامل معه فورا، وأي تأخير أو مماطلة تصب في غير مصالحنا وتهدد أمننا".
بانضمام الأردن للتحالف، تكون المملكة قد صمت آذانها عن المطالبات الحزبية والنيابية التي دعتها إلى عدم المشاركة في التحالف خوفاً من التعرض لعمليات انتقامية من قبل التنظيم أو المتعاطفين معه من الأردنيين، لكنها راهنت وهي تصم آذانها على قدرتها العسكرية على مواجهة مخاطر التنظيم الآتية من الخارج، وقدرتها الأمنية على التعامل مع المتعاطفين معه في الداخل والتي ترجمت بحملة أمنية اعتقل خلالها كل من أعلن تعاطفه العلني مع التنظيم.
يبقى تحديد الدور المنوط بالأردن في التحالف، والذي لن يصل، بحسب مراقبين، حدّ المشاركة في العمليات العسكرية، بل سيبقى في حدود تقديم الدعم الاستخباري واللوجستي للقوات المشاركة بضرب "داعش".