يقدم سكوت يانج نفسه الإجابة المناسبة على هذا السؤال من خلال كتابه "Holistic Learning"، والذي نشره عام 2007، والذي يتحدث فيه عن مفهوم التعلم الشامل، الطريقة التي تعتمد على مذاكرة أقل وتعلم أكبر. وسنقدم هنا أبرز الأدوات التي تمكننا من عملية التعلم الشامل.
ما هو التعلم الشامل؟
يجب بداية تعريف عملية التعلم الشامل وهي عبارة عن عملية نسج وربط للمعلومات التي تقوم بتعلمها الآن بكل شيء تعلمته وفهمته مسبقاً، وهي مضادة لعملية التعلم بالتلقين، والتي تعني محاولة إدخال المعلومات داخل المخ اعتقاداً منك بأنه يمكنك إخراجها عند الاحتياج إليها.
يقول سكوت بأن مخ الإنسان يتكون من مجموعة من الأعصاب المرتبطة والمتداخلة، عكس جهاز الكمبيوتر الذي ينظم المعلمومات في ملفات منفصلة ومنعها من التداخل في بعضها. وإذا كان التعلم بالتلقين يقوم على تنظيم المعلومات في صناديق متفرقة، مما يعني عدم ربط المعلومات ببعضها البعض وصعوبة الوصول إليها عند الحاجة، فإن عملية التعلم الشامل تعمل على تنظيم المعلومات في شبكات متداخلة مما يعني سهولة الوصول إليها عند الحاجة.
كيف تتم عملية التعلم الشامل؟
يذكر سكوت ثلاث خطوات يتم من خلالها التعلم بشكل شامل.
- البدء بالنموذج المعرفي (Start with a Model) إذا أراد المهندس إنشاء أحد المباني فإنه لا يشرع في البناء على الفور، ولكنه يقوم أولاً ببناء نموذج توضيحي للمبنى الذي يريد إنشاءه. هذا النموذج ليس عليه أن يكون مطابقاً للمبنى، ولكنه بمثابة تمثيل سريع للمبنى الذي تحاول الوصول إليه. كذلك النموذج المعرفي، فالهدف في الأساس هو تكوين بناء معرفي سليم يمكننا من خلاله ربط المواد ببعضها. لكن للوصول لهذا المبنى، علينا الوصول إلى تمثيل سريع للمفهوم الذي نحاول ربطه أو فهمه. ومن دون بناء العشرات من النماذج المعرفية، لن نستطيع الوصول إلى البناء المعرفي الصحيح.
- تكوين البناء المعرفي (Create a Construct) البناء المعرفي هو مجموعة من النماذج المعرفية التي تم ربطها ببعضها البعض. يمكننا تشبيه هذه العملية بعملية بناء المنازل، إذا وضعت مجموعة من الطوب بشكل عشوائي ومتفرق ثم قمت بإخفاء طوبة منهم، لن تستطيع الوصول إليها. ولكن إذا قمت ببناء منزل من هذا الطوب ثم قمت بإزالة طوبة أو اثنتين، سيسهل عليك معرفة أي طوبة قد اختفت ويمكنك وضعها بسهولة. ويعد تكوين البناء المعرفي هو الهدف الأساسي من عملية تعلمك، فإن كان هدفك هو الوصول إليه، ستتمكن من تكوينه في النهاية، وإلا فإن المعلومات ستصبح منفصلة عن بعضها ولن تستطيع الاستفادة منها في حياتك.
- ربط المعلومات ببعضها وهنا تقوم بربط البناءات المعرفية ببعضها ونسج خيوط الاتصال بينهما، والتأكد من تماسك البناء المعرفي الذي قمت ببنائه.
كيف نقوم بتطبيق عملية التعلم الشامل بشكل عملي؟
للقيام بعملية التعلم الشامل، هناك مجموعة من الأدوات والخطوات العملية التي يمكننا اتباعها.
* استخدم مخيلتك الحسيّة كثير ما يُنصح بمحاولة استخدام الصورة في التعلم (Visualization)، بينما ينصح سكوت بضرورة تكوين تجربة حسية كاملة في التعلم حيث تقوم بمحاولة ربط المعلومات التي تحاول فهمها وبناء نموذج في صورة تجتمع فيها حواس النظر والسمع والشم واللمس والتذوق. كلما استخدمت مدركاتك الحسية في تكوين هذه الصورة، كان النموذج واضحاً وأقرب إلى الدقة. في البداية قم باستخدام الورقة والقلم لتسجيل تشبيهاتك، وعندما تعتاد الأمر ستصبح العملية تلقائية وسهلة بالنسبة إليك.
* استخدام التشبيهات بينما يشكل التصور الخطوة الأولى لتكوين النماذج، تكون التشبيهات بمثابة الرابط الذي يجمع النماذج والوحدات البنائية بعضها البعض. تعمل التشبيهات على تحويل الأفكار المجردة إلى أجسام مادية واضحة وملموسة. أحد أهم التشبيهات هي تشبيه أينشتاين للكون بأنه "قماشة مصنوعة من الزمان والمكان"، ما قام به أينشتاين هنا هو ربط وحدتين معرفتين معقدتين ببعضهما البعض ليكون بناء معرفي أكبر وهو الكون. وأحد التمارين التي يمكن من خلالها استخدام التشبيهات هو استخدام مقولة "يذكرني هذا بـ ...".
* المراجعة والكشف وهنا تقوم بالنظر في الوحدات المعرفية لديك ومحاولة الكشف عن نقاط الضعف وأخطاء الفهم حتى تعمل على تصحيحها في أقرب فرصة، مما يساعد في تماسك البناء المعرفي. يتم هذا عن طريق التطبيق وحل المشاكل المختلفة والحصول على تقييم لأدائك، كما يمكنك اختبار معرفتك بشكل ذاتي، ويمكنك إعادة مذاكرة الكتب والملاحظات لمراجعة ما تعلمت. الهدف هنا هو اختبار فهمك والخضوع لكشف معايير الجودة حتى تتأكد من أن ما تعلمته قابلاً للاستخدام، مثلما يكون البناء قابلاً للسكن.
باستخدام هذه الطرق، تكون قد كوّنت عدة بناءات معرفية عن طريق التخيّل الحسي، والربط بينها عن طريق التشبيهات، وقمت بالكشف عن مناطق الضعف في فهمك عن طريق المراجعة والكشف.
هل تناسب هذه الطريقة كل المواد؟
يقول سكوت بأن التعلم الشامل مفيد للعديد من المجالات مثل الرياضيات والعلوم ودراسة الثقافات والفلسفة والصحة وعلم النفس. بينما هناك بعض المجالات التي لا يمكن استخدامه فيها بشكل كامل مثل القانون والتاريخ وحفظ المصطلحات اللغوية. هناك أنظمة معدة خصيصاً لمثل هذه المجالات، ولذلك فإنها خارج نطاق هذا الكتاب وهذه الطريقة.
ماركو بولو التعلم
في الآونة الأخيرة، قام علماء النفس بالكشف عن أبحاث جديدة في علوم التعلم، والتي تبحث في سؤال "كيف نتعلم؟"، ومن المثير أن إحدى الطرق المفيدة في التعلم حسب هذه الأبحاث هي ما يسمى بالـ Chunking (تكوين الوحدات المعرفية)، والتي تنصح ببناء وحدات صغيرة وتوصيلها ببعضها لتكون وحدات أكبر مثلما نقوم تجميع قطع الأحجية، وهذه الطريقة تعد مشابهة تماماً لطريقة سكوت في تكوين النماذج والبناءات المعرفية وربطها ببعضها البعض عن طريق التشبيهات والتخيلات وما إلى ذلك. وبسبب ما توصل إليه سكوت يانج فقد جرت استضافته في كورس Learning How to Learn، والذي تقدمه باربرا أوكلي مع جامعة كاليفورنيا وقد وصفته بـ "ماركو بولو" التعلّم لما له من مغامرات في التعلّم.
يمكن معرفة المزيد عن التعلم والمذاكرة عن طريق قراءة كتاب "التعلم الشامل" لسكوت يانج، أو الدخول إلى مدونته وقراءة نصائحه المختلفة التي يقدمها للطلبة منذ عام 2008 حتى الآن.