ورغم وقوع العديد من الاحتكاكات بين الطرفين، خلال الفترات الماضية، لكن سرعان ما كان يتم تطويقها، بسبب عدم رغبتهما في فتح معركة يرى البعض أنّها لا بد من وقوعها في النهاية، في وقت تعمل فيه أطراف عدة على الدفع إليها وتسريعها.
ظهرت أقوى المعطيات على إمكانية فتح هذه المعركة قريباً، حين قامت "النصرة" باعتقال قائد المجلس العسكري في درعا، العقيد أحمد فهد النعمة، وما قيل عن معاملة سيئة تلقاها من جانب "الجبهة"، التي بثت مقاطع فيديو تتضمن اعترافه بتسليم بلدة خربة غزالة في ريف درعا للنظام. اعترافات يقول ناشطون، وبعض الضباط المفرج عنهم ممن كانوا برفقة النعمة، إنّها انتزعت منه بالقوة وتحت التعذيب.
وقد أشاع تواصل اعتقال النعمة ومعه قائد "فوج الفرسان الأول"، موسى أحمد المسالمة"، أجواء توترٍ بين "النصرة" و"الحر" في الجنوب، تداخل فيها العامل العشائري، بالنظر لكون الرجلين ينتميان إلى عائلات كبيرة في درعا، يقاتل بعض أفرادها في صفوف "الحر"، في حين ينضوي آخرون تحت لواء "النصرة"، وقد أقدم الأهالي في بعض المناطق على طرد عناصر الأخيرة من مناطقهم.
وكان أكثر من خمسين تشكيلاً مسلحاً في المحافظة الجنوبية، طالبوا "الجبهة" بالكشف عن مصير النعمة، تحت طائلة وقف أي تعاون عسكري معها، وهذا ما ردت عليه "النصرة" بأنّها ستحيلُ النعمة إلى "الهيئة الشرعية" لمحاكمته بتهمة الخيانة.
ويلفت مراقبون إلى أنّ توقيت اعتقال النعمة وإعلانه، بعد عودته من الأردن، عن تشكيل " جبهة ثوار جنوب سوريا "، الأمر الذي دفع "النصرة" إلى الاعتقاد أنّ هدف تشكيل "جبهة ثوار الجنوب" الحقيقي هو محاربتها هي بالدرجة الأولى، وليس محاربة النظام، وذلك بالتنسيق مع الأردنيين والأميركيين، سيّما بعد التقدم الكبير الذي أحرزته قوات المعارضة، ومن بينها "النصرة"، في ريف درعا الشمالي وريف القنيطرة المحاذي للحدود مع إسرائيل.
وهو ما أثار قلق إسرائيل، كما ذكر موقع (آنتيلجنس أونلاين) الفرنسي المتخصص في شؤون الاستخبارات، والذي لم يستبعد أن يقوم سلاح الطيران الإسرائيلي بضرب مواقع "النصرة" في تلك المنطقة.
ولعل ما يرتبط بذلك، خفوت الحديث الذي تصاعد قبل أكثر من شهر، عن إمكانية فتح معركة الجنوب والانطلاق نحو دمشق، وتراجع هذا الأمر نتيجة تردد واشنطن في تسليم أسلحة متطورة لقوات المعارضة، في ظل مخاوف أردنية ـ إسرائيلية من تنامي قوة "النصرة" في تلك المنطقة.
ولا يقتصر التوتر بين "الحر" و"النصرة" على منطقة الجنوب، بل يشمل كثيراً من المناطق التي يقاتلان فيها، جنباً إلى جنب، قوات النظام و"داعش" في شمال البلاد وشرقها.
وأساس الخلاف بين الطرفين في تلك المناطق، يتعلق بالتضييق على سكان المناطق التي توجد فيها قوات المعارضة، وعدم امتثال هؤلاء السكان في فض خلافاتهم لقرارات المحاكم أو الهيئات الشرعية، التي تُهيمن عليها "النصرة" والفصائل الإسلامية، وهو أمر مشابه لما حصل مع "داعش"، وأدى في النهاية إلى معارك طاحنة ضده.
وفي مدينة دير الزور، شرقي سورية، أقدمت "الجبهة" على اعتقال ناشطين بسبب انتقادهم للتضييق الذي تمارسه الفصائل الإسلامية على السكان. كما جرى اعتقال عدد من الرجال والنساء بسبب مشاركتهم في عرس جماعي مختلط في المدينة، بدعوى تنافي ذلك مع تعاليم الإسلام.
وفي اللاذقية نشب خلاف بين "الحر" و"النصرة" على خلفية مقتل عنصر من الأخيرة، بتفجير نفذه "الجيش الحر" بسيارة ظن أنّها تابعة لـ "داعش". أعقب ذلك قيام "الجبهة" بالاعتداء على قياديين في "الحر" وخطف أحدهم، وعدم قبول الدية لأهل القتيل، بعد أن حكمت المحكمة أنّ قتل عنصر "النصرة" كان عن طريق الخطأ.
وإضافة إلى المعطيات الميدانية المذكورة، فإنّ زيارة رئيس "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، أحمد الجربا، إلى واشنطن، على رأس وفد رفيع المستوى، قد تشكل، بحسب بعض المصادر، عامل ضغط لتسريع فتح معركة مع "جبهة النصرة"، التي صنفتها الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي.
وكانت مصادر في "الائتلاف" قالت إنّ من بين أهداف الزيارة، تعزيز جهود مكافحة الإرهاب ضد المجموعات المتطرفة، وضرورة حصول المعارضة العسكرية " المعتدلة" على أسلحة نوعية، تساعدها في تغيير الواقع الميداني على الأرض في مواجهة قوات النظام.
ولعل ما حدث في درعا، والذي تزامن مع بدء زيارة الجربا لواشنطن، يدعم الحجج الأميركية بتنامي نفوذ الجهاديين أو المتشددين على حساب المعتدلين، الذين يطلب "الائتلاف" تزويدهم بالسلاح النوعي، وقد يجد "الائتلاف" نفسه أمام مقايضة لتزويده بالسلاح مقابل مواصلة وتوسيع الحرب على "المتشددين"، وهي خطوة سيبحثها تفصيلاً اجتماع دول "أصدقاء سوريا" الذي سيعقد في لندن الجمعة المقبل.
ومع وجود رغبة لا شك فيها، لدى أطراف عدة محلية وإقليمية ودولية، بمحاربة ما يوصف بالتنظيمات المتشددة ، ومن ضمنها "النصرة" المحسوبة على "القاعدة"، فإن ثمة رغبة قوية أيضاً، لدى بعض الأطراف، على الأقل، بعدم إضعاف الفريق الذي يقاتل قوات النظام، والذي تعد "النصرة" حتى الآن أقوى أعمدته، بالنظر لتمرسها في القتال والروح العالية لدى مقاتليها ، خاصة مع حقيقة أن سبعين في المائة من عناصرها هم من السوريين، والباقي من " المهاجرين" أو المقاتلين الأجانب، خلافا لتنظيم "داعش" الذي يشكل المهاجرون أغلبية فيه، ما سهل عزله ومحاربته.