كثيرةٌ هي الانتقادات التي وُجّهت إلى تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، حتّى قبل انطلاقها في نيسان/ أبريل الماضي، من بينها ما وصفه بعضهم بتغييبها للجانب الأمازيغي من تاريخ وثقافة المدينة.
منذ اليوم الأوّل، بدا أن القائمين على التظاهرة أخذوا هذا الانتقاد بعين الاعتبار، إذ خصّصت "ملحمة قسنطينة الكبرى"، التي عُرضت في الافتتاح، مساحةً لا بأس بها للفترة النوميدية، التي بدأت حوالي سنة 202 قبل الميلاد، وقد امتدّت مملكة "نوميديا" من غرب تونس حالياً إلى أجزاء من ليبيا والمغرب مروراً بالجزائر، حيث اتّخذت من سيرتا (الاسم القديم لـ قسنطينة عاصمةً لها).
ضمن هذا التوجّه، يأتي العمل المسرحي الجديد الذي قُدّم عرضه الأول، مساء أمس، في "المسرح الجهوي مالك حدّاد" في قسنطينة بعنوان "الحب المفقود". عملٌ يعيد ربط القائد النوميدي ماسينيسا(238 - 148 ق. م) بذاكرة سيرتا التاريخية وكفاح الأمازيغ ضدّ الغزاة الرومان.
أمام جمهور اكتظّت به القاعة، وعلى مدى ساعة ونصف، استوحى العرضُ وقائع تاريخية، ووظّفها ضمن قالب فني يجمع بين الملحمي والتراجيدي، ليقدّم لوحاتٍ مليئة بالحركة والصراع، دون أن تخلو من بعدٍ إنساني.
يروي العمل قصة حب بين صوفينيسبا وموحّد مملكة نوميديا، ماسينيسا، وسط جوّ يخيّم عليه الصراع بين أخوة الأرض والدم من جهة، وبينهم وبين المحتلّ الروماني من جهة أخرى.
تشكّل صوفينيسبا (نسيمة زايشي) شخصية محورية في العرض، من خلال سعيها الحثيث إلى التقريب بين ماسينيسا وسيفاكس، وتوجيه الصراع بينهما نحو العدو الحقيقي، إذ تدعو الرجلين الذين أحباها وتزوجاها إلى نبذ صراعاتها الذاتية والعشائرية. ويشكّل مشهد موتها بدايةً لدور ماسينيسا البطولي ضدّ الاحتلال.
المسرحية من إخراج الممثّل والمخرج أحمد بن عيسى الذي قدّم في الفترة الأخيرة عدداً من المسرحيات التي اشتغل فيها على تقديم قراءات متعدّدة للأحداث التاريخية، مثل "سيدي الحلوي" و"نجمة".
شارك في العمل الذي كتب نصّه عبد الكريم غريبي 16 ممثّلاً وممثّلة. السينوغرافيا كانت لـ عبد الحليم رحموني والموسيقى لـ محمد لزام والكوريغرافيا لـ ندير بوراوي.
اقرأ أيضاً: ملحمة قسنطينة الكبرى: بطولات بلا أسئلة