تطوّرت الأساليب الفنية الزخرفية في العهد المملوكي، خاصة خلال القرن الرابع عشر، ما انعكس على الأعمال الخطوطية، حيث برزت رشاقة الحروف وتناسق أجزاءها وتزيين سيقانها ورؤسها ومداتها وأقواسها بالفروع النباتية والأزهار، كما تم زخرفة أرضياتها بتكوينات زخرفية متنوعة.
انتشرت نماذج عديد من الخطوط المطوّرة في تلك المرحلة ومنها النقوش الموجودة في مسجد الظاهر بيبرس، ومسجد السلطان الغوري، ومسجد السلطان حسن، ومسجد الأقمر، والصالح طلائع، ومدرسة السلطان برقوق، وغيرها من التكايا والخانقوات في مصر وسورية تحديداً.
"الخط التذكاري المملوكي من النقوش إلى الرقمنة" عنوان المحاضرة التي يلقيها الباحث والخطاط محمد هادي عند الرابعة والنصف من عشر بعد غدٍ الثلاثاء في فضاء "القلم" في القاهرة، والتي يسلط خلالها الضوء حول إحياء خط الثلث أيام المماليك.
تدور المحاضرة حول عملية تحليل الخط واستخراج أبجدية كاملة منه، وكيف خضع هذا الخط إلى التطوير واستخدامه في إنتاج أعمال فنية خطية وغرافيكية، وتحويله إلى حرف رقمي يدعم اللغة العربية والفارسية والأردية في استخداماته ضمن التكنولوجيا الحديثة في الهواتف والحواسيب.
يعود هادي إلى نشأة خط الثلث في القرن الرابع الهجري (الثاني عشر الميلادي)، ولكن لم يأخذ حظّه في الانتشار إلا بعد قرنين، حيث جرى اعتماده للمرة الأولى لصك النقود والكتابة على شواهد القبور وفي نقوش مختلفة خلال الفترة المملوكية، وقلّ استعمال الخط الكوفي تدريجياً والذي كان سائداً في العصور السابقة.
ومن المعروف أن إعادة الاهتمام بالثلث ساهم في ظهور العديد من المدارس الخطية في تلك الفترة، ومن أمثلتها مدرسة الشيخ شمس الدين الزفتاوي، ومدرسة ابن أبي رقيبة في القاهرة، كما أن حجم الخط ونوعه ووضوحه كان يتحدّد وظيفته التي تعبّر عن طبيعة استخدامه، فنُقشت أسماء السلاطين والولاة مثلاً لتشير إلى قوّتهم ونفوذهم حيث تتابين عدد الألقاب ومراتبها من سلطان ووالٍ إلى آخر، ويختلف شكله على مدخل الأبنية بحسب استخداماتها في الدولة.
يُذكر أن هذه المحاضرة ضمن سلسلة محاضرات غير منتظمة ينظّمها فضاء "القلم" للمهتمين بتصميم وبرمجة الحرف العربي ضمن برنامج "أصيل" وهو تعاون هولندي- مصري لإعادة ربط النص العربي بجذوره التاريخية وإيصاله بشكل متكامل إلى المستقبل الرقمي.