ما إنّ ترمي طائرات قوات النظام حممها، من البراميل المتفجرة والقنابل، على أحد الأحياء في مدينة حلب، حتى يهرعون إلى المكان، بقبعاتهم البيضاء، وبعدتهم المتواضعة، ولكنّ بعزيمة جبارة.
يغوصون في أعماق الموت والدمار، علّهم ينقذون شخصاً، شيخاً كان أو طفلاً أو امرأة، من الموت تحت ركام منزله.
ينتظرهم من تجمهر حول مكان سقوط البرميل بفارغ الصبر، ويرجوهم أهل الضحايا، وقد يلومهم البعض على التأخير، فلربما تحت ذاك الكم الهائل من الركام طفلة تصيح (أنا عايشة.. أنا عايشة)، أو رجل يمد يده في إشارة إلى أنّه ما يزال على قيد الحياة.
إنهم فرق الدفاع المدني في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة. هذا الجهاز الذي تأسس تحت ضغط الحاجة، وانبثق من فكرة إنسانية بحتة هي "انتشال الضحايا"، كما يقول القائمون عليه في حلب.
كانت تغيب عن أهالي حلب، قبل الثورة أهمية مثل هذا الجهاز ومعرفة وظيفة رجاله الإنسانية، لكن مع شراسة قصف قوات النظام لمناطق المدنيين، لم يعد بالإمكان تجاهل الدور الإنساني الكبير الذي يقوم به هؤلاء، إذ ازدادت الحاجة لمن يسهم في رفع الأنقاض عن العالقين، وانتشال الجثث، من هنا قرر بعض أبناء المدينة تشكيل فوج للدفاع المدني في المدينة.
يقول مدير الدفاع المدني في حلب، عمار سلمو لـ "العربي الجديد": "رجال الدفاع المدني يعملون بما يتوفر لديهم من معدات كانت في البداية بسيطة، لكن تم تزويدنا مؤخراً، ببعض المعدات الثقيلة، وذلك بعد مرور فترة طويلة على تأسيس الجهاز". وأوضح أنّه "لا يستطيع أيّ دفاع مدني في العالم الوقوف أمام السلاح الشيطاني المتمثل في "البراميل المتفجرة"، لما يحدثه من تدمير هائل في مكان سقوطه.
وأشار سلمو إلى أنّ أهم الصعوبات التي تعترض عمل فريق الدفاع المدني هي كثافة القصف، والنقص في المعدات المتطورة، ولاسيّما الوسائد الهوائية، والمعدات الحرارية، لافتاً إلى التغييب المقصود للمعدات الحرارية التي تستخدم لتعقب الأشخاص تحت الركام، "هذه الأجهزة ممنوعة بقرارٍ من الدول التي تسمي نفسها صديقة للثورة السورية، وذلك بسبب خوفها من أنّ تقع بيد المقاتلين، بحسب زعمها".
ويصل عدد العاملين في جهاز الدفاع المدني في حلب وريفها، إلى 350 عاملاً، بينما يتحدث المعنيون بالأمر عن حاجة المحافظة إلى أضعاف هذا العدد.
ووصف قائد فوج الدفاع المدني في مدينة حلب، خالد حجو، العمل اليومي بالشاق، خاصة ساعات العمل التي قد تمتد على مدار اليوم، مؤكداً استمرار الجهاز في القيام بواجباته، رغم استهداف النظام لمقرّاته وللعاملين فيها، ورغم كل المعوقات. "عندما تلتقط جريحاً من تحت الركام، تنبعث في داخلك مشاعر إنسانية لا توصف"، حسب قوله.
وكانت تكررت حالات استهداف مباشر لفرق الدفاع المدني، لعل أبرزها مقتل ثلاثة عاملين في الجهاز، إثر استهداف طيران النظام الحربي لسيارتهم في مدينة الباب، الواقعة في الريف الشرقي لمحافظة حلب.
من جانبه أكدّ رئيس "مجلس محافظة حلب الحرة"، عبد الرحمن ددم، على دعم الجهاز بكل الإمكانيات المتاحة، معبراً عن أمله في توسيع عمل الجهاز ليكون بحجم العمل المطلوب، ولافتاً إلى الإمكانات المادية المحدودة التي تعيق توسعته حالياً.
بينما أعلنت إدارة الدفاع المدني عزمها تشكيل مركز تدريبي للأعضاء القدامى والموظفين الجدد، وأشارت إلى أنً المركز سيكون على المستوى الوطني، دون الإفصاح عن مكانه لأنّه سيقام داخل الأراضي السورية.
ولجئت بعض المجالس المحلية في مدن محافظة حلب إلى التعاقد مع أشخاص من غير العاملين في الدفاع المدني عندما تستدعي الحاجة الملحة إليهم، مع ازدياد وتيرة القصف الذي تشهده معظم مناطق حلب وريفها.
وأعرب علاء نعمة، أحد العمال الذين تم التعاقد معهم، عن أمله في أن يتم توظيفه براتب ثابت، حتى يستطيع تأمين الطعام لأسرته.
وشهد مطلع الشهر الحالي اعتصاماً لرجال الدفاع المدني في حلب، طالب المعتصمون خلاله الحكومة السورية المؤقتة، تأمين رواتب لعوائل وأسر شهداء الدفاع المدني، وعلم "العربي الجديد" من مصادر مطلعة استجابة الحكومة المؤقتة لمطالبهم.