فتحت قضيّة الجندي الإسرائيلي، الذي وثقته الكاميرات الفلسطينية شاهراً سلاحه بوجه شاب فلسطيني في الخليل، ملفَّ تأثير الشبكات الاجتماعية على الانضباط العسكري لدى جنود الاحتلال الإسرائيلي.
وبعدما قام عدد من جنود الاحتلال بتصوير أنفسهم وهم يحملون لافتات تأييد للجندي المذكور، وصفت كل من "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت" تصرفات الجنود، التي أيدها وزير الاقتصاد المتطرف، نفتالي بينت، بأنها بمثابة "ثورة ديجيتال" لا بد من الالتفات إليها، خاصة بعد أن قطع الجنود "حبال" التواصل مع القيادة العسكرية في القنوات الرسمية، وانتقلوا مباشرة لبث آرائهم والتعبير عن مواقفهم على صفحات التواصل الاجتماعي.
وكشف المحلل العسكري لهآرتس، النقاب عن وجود بحث أكاديمي أجراه عقيد في الجيش الإسرائيلي، بيّن أن لشبكات التواصل الاجتماعي وعوالم الديجيتال الافتراضية أثراً سيئاً وسلبياً على انضباط جنود جيش الاحتلال، وولائهم لقادتهم العسكريين ولأنظمة الجيش الصارمة.
سلطة الميديا الجديدة أم القيادة؟
وقال البحث الذي أعده العريف أول روبين مالكا، وسبق نشر ملخصه في إحدى دوريات الجيش، إن الجيل الجديد للمجندين في الجيش الإسرائيلي الذين ولدوا في قلب الثورة التكنولوجية وثورة الشبكات الاجتماعية، يكبرون ليصبحوا جنوداً يعانون من قصور في مهاراتهم الاجتماعية وفي قدرتهم على إقامة علاقات اجتماعية داخل الوحدة العسكرية، وعجزهم عن الانقطاع عن الهواتف الذكية والتسليم بسلطة قائدهم العسكري المباشر.
وفحص البحث قدرات الشبان والشابات الإسرائيليات المرشحين للخدمة في أجهزة الأمن الإسرائيلية، في مجال إقامة علاقات اجتماعية وعلاقات شخصية، والقدرة على تذويب حدود الفرد مقابل التسليم بسلطة القائد، والتكتل الاجتماعي في صفوف الفرقة العسكرية، وهي إحدى القيم والمواصفات التي يوليها الجيش الإسرائيلي أهمية كبيرة، ولا سيما أن الجيش اعتبر وشكل على مدار عقود طويلة بوتقة صهر لخلق الهوية الإسرائيلية الجديدة.
وبحسب البحث فإن حياة الجيل الجديد وانغماسه في العالم الافتراضي والشبكات الاجتماعية، أفقدته القدرات والمهارات اللازمة للعيش في الواقع الحياتي الطبيعي خارج الحياة الافتراضية التي اعتاد عليها الجيل الجديد في البيوت. ووفقاً للبحث، فإن هذه القدرات تتراجع أكثر فأكثر مع نمو أجيال "افتراضية" جديدة، وهي ظاهرة ستتفاقم مع الوقت، لأن الجيل الجديد يجد نفسه فجأة في أتون حياة عسكرية حقيقية واقعية لها شروطها ومتطلباتها، ومن شأن هذا الانتقال بحسب البحث، أن يؤدي إلى فقدان البوصلة وفقدان السيطرة على الذات والتحكم بها. فلا مجال في الحياة العسكرية الواقعية أمام المجند الجديد سوى أن يدرس خياراته وعباراته في الردّ على ما يسمع حوله أو يُوجّه له من قبل "زملائه" الجنود أو قادته العسكريين.
لكن اللافت في الدراسة المذكورة أنه مع سرعة تمكّن الجيل الصاعد من الخبرات والتغييرات الهائلة والسريعة في المنظومات التكنولوجية ومنظومات الاتصالات الحديثة، مقابل "بطء شديد" لدى الجيل الأكبر في الجيش، ما يضرّ بصورة بالغة بسطوة وسلطة الجيل الأكبر في الجيش الإسرائيلي.
قيادة قديمة جنود جدد
وفي هذا السياق، يورد البحث إشارة إلى جمود في الجهاز والمؤسسة العسكرية في التعامل ومواكبة التطوير المستمر للعالم الافتراضي، مقابل سرعة الجيل الناشئ في فهم هذه التطورات.
ويوصي البحث الجيش الإسرائيلي وقيادته بوضع خطة شاملة لمواجهة هذه العوائق والمخاطر، بهدف إعادة بناء وإقامة شبكات تواصل "اجتماعية" مع الجنود وبين الجنود أنفسهم، خاصة وأنه يبدو أن الجيش لا يعرف لغاية الآن سبل مواجهة هذه الظاهرة.
وكان وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، ورئيس أركان الجيش، بني غانتس، علقا مثلاً على قضية الجندي في الخليل، بالقول، إن شبكات التواصل الاجتماعي ليست هي العنوان لتوجيه الانتقادات لسياسة الجيش وقادته.
ويخشى الجيش بالتالي أن يقود الانغماس في العالم الافتراضي عند الجنود إلى ضياع البوصلة والمفاهيم العسكرية الأساسية، خاصة عند الجيل الصاعد، ومن اعتاد على عدم تقييد حريته ولا الانصياع لسلطة وأوامر طرف آخر.