في عام واحدٍ فقط، مثّلت الفرنسية، سوكو، (1985) في فيلمين اثنين، أحدهما مُرشَّحٌ لـ6 جوائز "سيزار"، المُعادِل الفرنسي لـ "أوسكار" هوليوود، نالت عن دورها فيه ترشيحاً في فئة أفضل ممثلة. إنه فيلم "الراقصة" (2016) الذي يروي مقتطفات من سيرة الراقصة الأميركية، ماري لويز فولّر، المعروفة باسم لوي فولّر (1862 ـ 1928)، رائدة الرقص الحديث التي تميّزت أعمالها بتصاميم فنية تجديدية، مستخدمة لذلك أشرعةً بيضاء، تلتفّ بها أثناء رقصها، ساهمت الإضاءة المدروسة والدقيقة في إضفاء رونق جميل عليها.
و"الراقصة" مُرشَّحٌ أيضاً لجوائز "سيزار"، والتي أعلنت نتائج حفلتها الـ42، مساء أمس الجمعة، في فئات أفضل ممثلة في دور ثانٍ (ميلاني تييري)، وأفضل أمل تمثيلي نسائي (ليلي ـ روز دِبّْ)، وأفضل أزياء (أناييس رومان)، وأفضل ديكور (كارلوس كونتي)، بالإضافة إلى أفضل أول فيلم، لمخرجته ستفاني دي غويستو. فيه، تُقدِّم سوكو، المغنية والمؤلّفة الموسيقية، أحد أدوارها البديعة، المختلف كلّياً عن دورها في Voir Du Pays لمورييل ودلفين كولِن، المتمثّل بشخصية جندية فرنسية، تقيم وفرقتها العسكرية 3 أيام في قبرص، كمحطة استراحة نفسية وجسدية، بعد خدمة طويلة في أفغانستان (وما يُصادفه الجنود من مصاعب ومخاوف واضطرابات وتحدّيات أثناءها)، وقبل العودة إلى فرنسا.
بعد 4 أشهر على عرضه الدولي الأول، في مسابقة "نظرة ما" في الدورة الـ69 (11 ـ 22 مايو/أيار 2016) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ، أُطلقت العروض التجارية الفرنسية لـ "الراقصة" في 28 سبتمبر/أيلول 2016، وشاهده 215 ألفاً و413 مُتفرِّجاً، لغاية 14 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
لكن الأهمّ كامنٌ في الأداء التمثيلي لسوكو، خصوصاً أثناء تقديمها اللوحات الراقصة مع تلك الأشرعة الثقيلة، أو في حالاتها النفسية والجسدية المُثقلة بهمومٍ وضغوط وتحدّيات. فشخصية لوي فولّر محمَّلة بذكرى أليمة، تتمثّل بحياة رتيبة مع والدها في مزرعة أميركية، قبل وفاته، وانتقالها إلى كنف والدتها المتديّنة، والمقيمة في دير.
لم تستطع لوي فولّر التأقلم مع المناخ المتزمّت الذي فرضته والدته عليها، فانساقت إلى شغفها الفنّي (الرقص)، وهاجرت إلى فرنسا، واخترقت الحواجز كلّها، لتؤكّد براعتها في تحديث الرقص، وفي إدخال مفردات أدائية تجديدية فيه، وفي فرض شروطها وطقوسها على المشهد الفني الفرنسي. وهذا كلّه لن يتحقّق بسهولة، إذْ تواجه فولّر مصاعب جمّة في عالم مليء بالخدع والاحتيالات والمؤامرات، ومحاولات التقليل من أهمية الجهود التجديدية التي أرادت صُنعها، ونجحت لاحقاً في تحقيق ذلك.
وإذْ يمتلئ "الراقصة" بحالاتٍ نفسية وجسدية مُرهِقة، بهدف تحقيق المبتغى الفنيّ في صنع جماليات جديدة؛ فإن Voir Du Pays يضع مارين (سوكو) في مواجهة تحدّ من نوعٍ آخر، وإنْ يتشابه وتحدّيات لوي فولّر، على مستوى الإرهاق النفسي والجسدي. فالحرب في أفغانستان لن تكون "نزهة سياحية"، لشدّة الارتباك والقلق الناتجين من مواجهات دائمة مع العدو.
والأيام الثلاثة التي يُفترض بها أن تكون حيّزاً لاستراحة نفسية وجسدية من تداعيات مأزقٍ خطر يتعرّض له فريق مارين، إذْ يخضع الجميع لجلسات علاجية صارمة أثناء الاستراحة المطلوبة تلك، تتحوّل إلى مزيدٍ من تمزّقات روحية ونفسية ومعنوية.
اقــرأ أيضاً
لكن سوكو، واسمها الأصلي ستفاني ألكسندرا مينا سوكولينسكي، بدأت التمثيل عام 2002، في أفلام تلفزيونية وأخرى قصيرة، قبل أن تُشارك في عددٍ من الأفلام الروائية الطويلة، منها "النجدة، أصبحتُ في الـ30 من عمري" (2004) لماري ـ آن شازيل: 3 صديقات يكتشفن معاً أشكالاً مختلفة من الحياة اليومية، تليق بأعمارهنّ. وهذا يأتي في مرحلة اختبارها تجربة غنائية موسيقية متنوّعة، توّجتها بإصدار أسطوانة أولى بعنوان NotSokute، عام 2007، تتضمّن 5 أغنيات. علماً أن العام نفسه دفعها إلى شهرةٍ ملحوظة في عالم الغناء، بتأديتها أغنية "سأقتلها"، التي قدّمتها في شريط "فيديو كليب"، ساهم في شهرتها.
في السينما، تُشارك سوكو التي تجمع أصولاً عديدة بفضل جذور والديها (الأب روسيّ بولنديّ والأم فرنسية إيطالية) في عدد من الأفلام، يعود بعضها إلى بدايات الألفية الثالثة، كـ "كلارا، في ذلك الصيف" (2002) لباتريك غرانبيرّيه، مؤدّية فيه أحد الأدوار الرئيسية: مراهقات يعشن تجارب عاطفية أثناء عطلة الصيف. والمُراهَقَة ستكون جزءاً أساسياً من البدايات التمثيلية الأولى لسوكو، بالإضافة إلى عالم الرقص، إذْ تؤدّي دوراً في "صديقاتي" (2006) لسيلفي إيمي، الذي يتابع حكاية 4 صديقات يرغبن في إدخال حساسية انفعالية على البراعة التقنية في رقصة الـ "هيب هوب"، بالاستعانة بالرقص الهنديّ.
المُراهقة أيضاً، معطوفة على غليانٍ ذاتيّ يثير رغبة التمرّد على سلطة الأهل. هذا ما تُقدِّمه سوكو في "وداعاً بلوندي" (2012) لفيرجيني ديبانت. أو المُراهقة المُصابة بهستيريا، في "أوغستين" (2012) لأليس فينوكور، في نهاية القرن الـ19. في فيلم "ديبانت"، تعيش غلوريا (سوكو) غضباً وسعياً دؤوباً إلى كسر الطوق الذي يخنقها، فتُصاب باضطرابات عصبيّة. وتنخرط أوغستين في عالم الطبّ والاكتشافات العلمية لحالات نفسية وعصبيّة.
في أدوارها هذه، تبدو سوكو كأنها تختار ما يُشبه سيرتها وعمرها، وما يُلائم رغباتها التعبيرية، عبر أداء تمثيليّ محترف. في "الراقصة"، تعكس تقدّماً واضحاً في آلية اشتغالها، بتأديتها دوراً صعباً ومعقّداً.
اقــرأ أيضاً
و"الراقصة" مُرشَّحٌ أيضاً لجوائز "سيزار"، والتي أعلنت نتائج حفلتها الـ42، مساء أمس الجمعة، في فئات أفضل ممثلة في دور ثانٍ (ميلاني تييري)، وأفضل أمل تمثيلي نسائي (ليلي ـ روز دِبّْ)، وأفضل أزياء (أناييس رومان)، وأفضل ديكور (كارلوس كونتي)، بالإضافة إلى أفضل أول فيلم، لمخرجته ستفاني دي غويستو. فيه، تُقدِّم سوكو، المغنية والمؤلّفة الموسيقية، أحد أدوارها البديعة، المختلف كلّياً عن دورها في Voir Du Pays لمورييل ودلفين كولِن، المتمثّل بشخصية جندية فرنسية، تقيم وفرقتها العسكرية 3 أيام في قبرص، كمحطة استراحة نفسية وجسدية، بعد خدمة طويلة في أفغانستان (وما يُصادفه الجنود من مصاعب ومخاوف واضطرابات وتحدّيات أثناءها)، وقبل العودة إلى فرنسا.
بعد 4 أشهر على عرضه الدولي الأول، في مسابقة "نظرة ما" في الدورة الـ69 (11 ـ 22 مايو/أيار 2016) لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ، أُطلقت العروض التجارية الفرنسية لـ "الراقصة" في 28 سبتمبر/أيلول 2016، وشاهده 215 ألفاً و413 مُتفرِّجاً، لغاية 14 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
لكن الأهمّ كامنٌ في الأداء التمثيلي لسوكو، خصوصاً أثناء تقديمها اللوحات الراقصة مع تلك الأشرعة الثقيلة، أو في حالاتها النفسية والجسدية المُثقلة بهمومٍ وضغوط وتحدّيات. فشخصية لوي فولّر محمَّلة بذكرى أليمة، تتمثّل بحياة رتيبة مع والدها في مزرعة أميركية، قبل وفاته، وانتقالها إلى كنف والدتها المتديّنة، والمقيمة في دير.
لم تستطع لوي فولّر التأقلم مع المناخ المتزمّت الذي فرضته والدته عليها، فانساقت إلى شغفها الفنّي (الرقص)، وهاجرت إلى فرنسا، واخترقت الحواجز كلّها، لتؤكّد براعتها في تحديث الرقص، وفي إدخال مفردات أدائية تجديدية فيه، وفي فرض شروطها وطقوسها على المشهد الفني الفرنسي. وهذا كلّه لن يتحقّق بسهولة، إذْ تواجه فولّر مصاعب جمّة في عالم مليء بالخدع والاحتيالات والمؤامرات، ومحاولات التقليل من أهمية الجهود التجديدية التي أرادت صُنعها، ونجحت لاحقاً في تحقيق ذلك.
وإذْ يمتلئ "الراقصة" بحالاتٍ نفسية وجسدية مُرهِقة، بهدف تحقيق المبتغى الفنيّ في صنع جماليات جديدة؛ فإن Voir Du Pays يضع مارين (سوكو) في مواجهة تحدّ من نوعٍ آخر، وإنْ يتشابه وتحدّيات لوي فولّر، على مستوى الإرهاق النفسي والجسدي. فالحرب في أفغانستان لن تكون "نزهة سياحية"، لشدّة الارتباك والقلق الناتجين من مواجهات دائمة مع العدو.
والأيام الثلاثة التي يُفترض بها أن تكون حيّزاً لاستراحة نفسية وجسدية من تداعيات مأزقٍ خطر يتعرّض له فريق مارين، إذْ يخضع الجميع لجلسات علاجية صارمة أثناء الاستراحة المطلوبة تلك، تتحوّل إلى مزيدٍ من تمزّقات روحية ونفسية ومعنوية.
في السينما، تُشارك سوكو التي تجمع أصولاً عديدة بفضل جذور والديها (الأب روسيّ بولنديّ والأم فرنسية إيطالية) في عدد من الأفلام، يعود بعضها إلى بدايات الألفية الثالثة، كـ "كلارا، في ذلك الصيف" (2002) لباتريك غرانبيرّيه، مؤدّية فيه أحد الأدوار الرئيسية: مراهقات يعشن تجارب عاطفية أثناء عطلة الصيف. والمُراهَقَة ستكون جزءاً أساسياً من البدايات التمثيلية الأولى لسوكو، بالإضافة إلى عالم الرقص، إذْ تؤدّي دوراً في "صديقاتي" (2006) لسيلفي إيمي، الذي يتابع حكاية 4 صديقات يرغبن في إدخال حساسية انفعالية على البراعة التقنية في رقصة الـ "هيب هوب"، بالاستعانة بالرقص الهنديّ.
المُراهقة أيضاً، معطوفة على غليانٍ ذاتيّ يثير رغبة التمرّد على سلطة الأهل. هذا ما تُقدِّمه سوكو في "وداعاً بلوندي" (2012) لفيرجيني ديبانت. أو المُراهقة المُصابة بهستيريا، في "أوغستين" (2012) لأليس فينوكور، في نهاية القرن الـ19. في فيلم "ديبانت"، تعيش غلوريا (سوكو) غضباً وسعياً دؤوباً إلى كسر الطوق الذي يخنقها، فتُصاب باضطرابات عصبيّة. وتنخرط أوغستين في عالم الطبّ والاكتشافات العلمية لحالات نفسية وعصبيّة.
في أدوارها هذه، تبدو سوكو كأنها تختار ما يُشبه سيرتها وعمرها، وما يُلائم رغباتها التعبيرية، عبر أداء تمثيليّ محترف. في "الراقصة"، تعكس تقدّماً واضحاً في آلية اشتغالها، بتأديتها دوراً صعباً ومعقّداً.