17 نوفمبر 2019
"السلام الاقتصادي".. نسخة غزّية من مشروع دايتون
الولايات المتحدة وإسرائيل ماضيتان في تنفيذ مقاربتهما المشتركة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية "مشروع السلام الاقتصادي" أو "المال مقابل السلام"، والذي يقضي بتقزيم الملف الفلسطيني إلى ملف إنساني، مع نزع أي بعد سياسي أو تحرّري عنه. وقد كتبت صحيفة هآرتس العبرية عن خطة يسعى إلى تسويقها جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصهره، وتقضي بأن تستثمر دول الخليج قرابة مليار دولار في تحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، خطوةً أولى في "صفقة القرن" التي تُسقط المطالب السياسية للفلسطينيين، وتحصر مطالبهم في الشق الإنساني، وابتزاز سكان القطاع، حيث يتردّى وضعهم الإنساني، لاستكمال مشروع "السلام الاقتصادي" بنسخته الغزّية، بفرض صفقة نهائية على الفلسطينيين والأردنيين، جوهرها "المال مقابل السلام" للفلسطينيين، و"المال مقابل القدس" في ما يتعلق بالأردنيين.
ولعل هذا الإعلان أو التسريب الذي رافق جولة كوشنر يجعل سهلا على المتابع تفسير تفاهمات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي المفاجئة بين المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، وحركة حماس، ثم الصحوة المفاجئة لمشروع المصالحة الفلسطينية وانخراط السلطة فيه بعد تعنت، إضافة إلى تغير الموقف المصري فجأة من حالة العداء المطلق لـ"حماس"، باعتبارها امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين، إلى وسيط ذي نيات حميدة، وقبول الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مكرها، المضي في هذه المصالحة الجديدة برعاية مصرية، فكل الأطراف كانت تنفذ رغبة أميركية، بعضها مكره من دون أن يدري أو يملك بديلا، وبعضها بعلم ودراية، انخرط في المشروع الأميركي الإسرائيلي الجديد.
لم يأت ذاك التحرّك المصري إلا بضوء أخضر أميركي، حيث سعت واشنطن مبكرا إلى
اختزال الملف الفلسطيني بأزمة إنسانية، والتعامل معه على هذا الأساس، بعيدا عن الرواية الحقيقية أنه صراع شعب تحت الاحتلال ضد محتل غاشم، ويدعم هذا التحليل رضى إسرائيل التام عن هذا التوجه، إذ على الرغم من تصعيدها المستمر خلال الأشهر الماضية، كان واضحا أنها لا تريد شن حرب واسعة ضد قطاع غزة، لأنها تعتقد أنه ليس في مصلحتها انفجار الوضع هناك، وترى أن الأفضل لها أن تنجز بالابتزاز الاقتصادي لحركة حماس ما لم تستطع أن تنجزه بالحسم العسكري، فقد باتت إسرائيل ترى "حماس" أمرا واقعا، وأن التعامل معها بتركيعها من خلال الملف الإنساني أفضل الطرق إلى شراء صمتها، وضمان الهدوء على الحدود مع القطاع. ومن هنا تأتي مقترحات إسرائيلية كالتي عبر عنها أحد قياديي حزب شاس المتطرّف، بعقد هدنة مدتها 15 عاما مع "حماس"، في مقابل رفع الحصار، ثم تتحول إلى هدنة دائمة، يتم تدريجيا العمل على تفكيك مقاومة غزة فكرا وعقيدة، قبل أن ينتهي الحال بتفكيكها قيادةً وتنظيما، كما جرى مع الضفة الغربية، وفصائل منظمة التحرير التي كانت تتبنى الكفاح المسلح.
لا يعني ما سبق أن "حماس" باتت جزءا من مشروع أميركي إسرائيلي، لكن تضييق الحصار، إضافة إلى تعنت الرئيس عباس، قد يدفعانها إلى البحث عن أي حلول تخرجها، ولو مؤقتا، من عنق الزجاجة والوضع المتردي غير المسبوق الذي وصل إليه قطاع غزة، فضلا عن ظرف إقليمي بالغ السوء، تحولت فيه الدول العربية من عمق استراتيجي للفلسطينيين إلى ممارسة الضغط عليهم، وعلى الأردنيين، للمضي في صفقة كوشنر – نتنياهو، وتحول خليجي باتجاه إقامة علاقات مع تل أبيب، في ظل هذه العوامل، يبدو أن "حماس"، وتحت أنّات المحاصرين، ربما تَخضع (أو تُخضع) وتقبل، تحت عنوان إنساني، مبدأ "السلام مقابل رفع الحصار"، وتقبل مكرهة تغليب الملف الإنساني على السياسي.
الخطير في القبول الفلسطيني بهذا الأمر انتهاء المشروع الفلسطيني، وتحويله إلى قضية إنسانية تعني تدريجيا نزع الشرعية عن القيادة الفلسطينية والمقاومة، وتهميش المطالب الوطنية الفلسطينية في الدولة وعودة اللاجئين والقدس، والإقرار بشرعية إسرائيل من النهر إلى البحر، وتدريجيا تحولها من محتل إلى شريك.
أما وأن هذا المشروع عصي على التحقق، ولو حاليا، فإن حجم الضغوط والتآمر التي تجري لتطبيقه يجعل التحذير المبكر منه ضروريا، وهو ما حذّر منه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، بقوله إن "الولايات المتحدة دخلت في لعبة خطيرة جدا، من خلال استبدال الحقوق الوطنية بالمشاريع الإنسانية، ما يتطلب تنفيذ اتفاقات المصالحة، وإيجاد نقطة ارتكاز لشراكة سياسية كاملة، تقوم على أساس برنامج منظمة التحرير".
من دون مزاودةٍ على المحاصرين في القطاع، ومن دون التقليل من حجم الكارثة الإنسانية هناك، على الكل الفلسطيني رفض هذه المشاريع التصفوية التي تدخل اليوم من بوابة الاقتصاد، فهناك مشروع دايتون جديد، ونسخة غزية من مشروع "الفلسطيني الجديد"، أو "السلام الاقتصادي"، يجرى العمل أميركيا وإقليميا وإسرائيليا على تطبيقه في القطاع، وللأسف بأموال عربية، فبعد الانتهاء من تطبيقه في الضفة الغربية، فإنه لو نجح في غزة سيعني نهاية القضية الفلسطينية، بأموال خليجية، ورعاية أميركية، وعجز فلسطيني.
ولعل هذا الإعلان أو التسريب الذي رافق جولة كوشنر يجعل سهلا على المتابع تفسير تفاهمات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي المفاجئة بين المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، وحركة حماس، ثم الصحوة المفاجئة لمشروع المصالحة الفلسطينية وانخراط السلطة فيه بعد تعنت، إضافة إلى تغير الموقف المصري فجأة من حالة العداء المطلق لـ"حماس"، باعتبارها امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين، إلى وسيط ذي نيات حميدة، وقبول الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مكرها، المضي في هذه المصالحة الجديدة برعاية مصرية، فكل الأطراف كانت تنفذ رغبة أميركية، بعضها مكره من دون أن يدري أو يملك بديلا، وبعضها بعلم ودراية، انخرط في المشروع الأميركي الإسرائيلي الجديد.
لم يأت ذاك التحرّك المصري إلا بضوء أخضر أميركي، حيث سعت واشنطن مبكرا إلى
لا يعني ما سبق أن "حماس" باتت جزءا من مشروع أميركي إسرائيلي، لكن تضييق الحصار، إضافة إلى تعنت الرئيس عباس، قد يدفعانها إلى البحث عن أي حلول تخرجها، ولو مؤقتا، من عنق الزجاجة والوضع المتردي غير المسبوق الذي وصل إليه قطاع غزة، فضلا عن ظرف إقليمي بالغ السوء، تحولت فيه الدول العربية من عمق استراتيجي للفلسطينيين إلى ممارسة الضغط عليهم، وعلى الأردنيين، للمضي في صفقة كوشنر – نتنياهو، وتحول خليجي باتجاه إقامة علاقات مع تل أبيب، في ظل هذه العوامل، يبدو أن "حماس"، وتحت أنّات المحاصرين، ربما تَخضع (أو تُخضع) وتقبل، تحت عنوان إنساني، مبدأ "السلام مقابل رفع الحصار"، وتقبل مكرهة تغليب الملف الإنساني على السياسي.
الخطير في القبول الفلسطيني بهذا الأمر انتهاء المشروع الفلسطيني، وتحويله إلى قضية إنسانية تعني تدريجيا نزع الشرعية عن القيادة الفلسطينية والمقاومة، وتهميش المطالب الوطنية الفلسطينية في الدولة وعودة اللاجئين والقدس، والإقرار بشرعية إسرائيل من النهر إلى البحر، وتدريجيا تحولها من محتل إلى شريك.
أما وأن هذا المشروع عصي على التحقق، ولو حاليا، فإن حجم الضغوط والتآمر التي تجري لتطبيقه يجعل التحذير المبكر منه ضروريا، وهو ما حذّر منه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، بقوله إن "الولايات المتحدة دخلت في لعبة خطيرة جدا، من خلال استبدال الحقوق الوطنية بالمشاريع الإنسانية، ما يتطلب تنفيذ اتفاقات المصالحة، وإيجاد نقطة ارتكاز لشراكة سياسية كاملة، تقوم على أساس برنامج منظمة التحرير".
من دون مزاودةٍ على المحاصرين في القطاع، ومن دون التقليل من حجم الكارثة الإنسانية هناك، على الكل الفلسطيني رفض هذه المشاريع التصفوية التي تدخل اليوم من بوابة الاقتصاد، فهناك مشروع دايتون جديد، ونسخة غزية من مشروع "الفلسطيني الجديد"، أو "السلام الاقتصادي"، يجرى العمل أميركيا وإقليميا وإسرائيليا على تطبيقه في القطاع، وللأسف بأموال عربية، فبعد الانتهاء من تطبيقه في الضفة الغربية، فإنه لو نجح في غزة سيعني نهاية القضية الفلسطينية، بأموال خليجية، ورعاية أميركية، وعجز فلسطيني.