05 اغسطس 2018
"الشّهداء يعودونَ هذا الأسبوع" إلى قاووش غوّار!
مُنذُ بداية أيلول وأنا أحاوِل العودَة إلى الماضِي. الماضي يَرتبط جدًا بكلمة "العودَة"، جذرُها: عادَ، ويختلف استخدامها عن "رَجَع"؛ والآن دعونا نتتبّع استخدامها في القرآن الكَريم، بوصفه أحد أهم المصادر الفصيحة، فقد وردت كلمة "عادَ" ومشتقاتها (38) مرّة، وحملت، كما وضّح اللّغويون، معنيين أساسيين هما: تِكرار الفِعل، تقول الآيات: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"، "عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا"، أمّا المعنى الآخر فهو ارتِداد الشيء أو الإنسان إلى سالف عهده، تقول الآيات: "قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ"، "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ"، في حين أنّ كلمة رجع وردت (104) مرّات، وحملت معاني النّكوص، والانتقال الآني مِن مكان إلى مكان، ونِسبة شيء إلى شخص بعينه، وردّ الكلام بين الأشخاص. هذه القيمة المعرفيّة الوحيدة التي يُمكن أن أُحمّلها لهذا النّص؛ كي لا يذهب وقتكم أدراج الرّيح. لأجل ما سبق نقول: حقُّ العودة وعودة اللاجئين، ونقول: الرّجوع إلى الوطن عبرَ "غزّة أريحا أولًا".
على أيّة حال، عِند العودة إلى الماضي، وفي هذا الوقت من العام تحديدًا، أتذكّر قصّة "الشّهداء يعودون هذا الأسبوع" للجزائِريّ الراحل الطّاهر وطّار. تدور أحداث القصّة في إحدى قُرى الجزائِر، حيثُ يتلقى "الشيخ العابِد" رسالة آتية من ابنه الشّهيد مفادها أنّه سيعود ورفاقه الشّهداء خلال بضعة أيام، يتبعها حُلم/ رؤية، إذ يرى الشّيخ العابد ابنه في المَنام فيخبره بهذا.
يحاوِل وطّار مِن خلال هذا الفِكرة المُستحيلة وعبر شخصيّة العم العابد أن يداهم ويُحاكم ويُعرّي الواقع الذي آلت إليه الأمور بعد التّحرر. يَذيع صيت الرّسالة في القرية، وتسيطر الأفكار على الشّيخ العابد والد الشّهيد، وتعقبها سلسلة من الأسئلة لرموز النّظام السّياسي والتّنظيمي في القرية، رئيس البلديّة الذي قَتَل مصطفى "ابن الشيخ العابد الذي سيعود" أباه لأنّه كان جاسوسًا، شيخ الجامع الذي يطرد الشّيخ العابد ويتّهمه بالكفر، مسؤول الماليّة، وأصدقاء الشّهيد، وآلاف الأسئلة: كيف ستعيش بدون امتيازات والد الشّهيد؟ هَل سأعيد ما تقاضيته كوني أبًا لشهيد بأثر رجعي؟ ماذا عَن رخصة سيارة الأجرة؟ تباغته الأجوبة: على الشّهداء إن عادوا أن يصدروا شهادات ميلاد عوضًا عن شهادات الوفاة وهذا يحتاج إلى سنين في المحاكم، عليهم أن يعبّئوا نموذج الانتساب إلى الحزب، ويثبتوا ولاءهم، عليهم أن يجتهدوا للحصول على المناصِب، عليهم..
في الحقيقة لن يعود شهداء الطاهر وطّار، كما لن يتكلّم والد دريد لحّام "غوّار" من الجنّة في كاسك يا وَطن، وإنّ فكرة عودة الشّهداء "طيّرت السّكرة" لدى القرية/ الدولة التي أثبت وطّار في قصّته اختلاف معاني الموت والحياة لديها، وأكّد في ذاتِ سياق كاسك يا وطن التي كتبها الماغوط: "إحمد الله إنّه طلعلك بهالوطن قبر نقرألك الفاتحة عليه، رايتكم صارت جرافات، وثمن دمكم بالبنوك، وما بقي من القضيّة غير هالشّفة"، لن يعود شُهداء الطاهِر وطّار الذينَ تحوّلوا من القداسة إلى الكوابيس، كما لن يعرف أحدٌ كيف ماتَ الشّيخ العابد على قضبان السّكك الحديديّة، هَل دفعه أحدُ المنتفعين الجُدد؟ أم هل هي بداية للمواجهة مع الشّهداء؟ وهل كتب وطّار القصّة عن الجزائِر فقط؟
لماذا إلى الآن؟ وكما كتبَ وطّار قصّته، كتب دريد لحام وآخرون مسلسل "عودة غوّار" في عام 1998، هذا المُسلسل الذي حاول أن يعالج بعض القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة، تهكّم أيضًا عبر مشاهد السّجن التي أدّى بطولتها الفنان ناجي جبر على الأوضاع السّياسيّة: داخِل القاووش يفكّر ناجي جبر "أبو عنتر" بعمل انتخابات حرّة ونزيهة ليكتب كلّ شخص حريّة ضميره، يعيد الانتخابات عدّة مرّات حتّى يفوز بنسبة 110%، ويبدأ بإرساء قواعد الحكم الذاتي داخِل القاووش، ويعيّن أحد السّجناء شرطيًا ورجل مخابرات، ويفتتح سجنًا داخل السّجن، وإذاعة، ويضع قواعد لا حصر لها، هذه الدراما لا تُشبه الواقع بشيء، وإنّ أيّ تشابه يتحمّل مؤلّف الواقع مسؤوليّته، ويُحال إلى المجلس التّشريعي في غزّة للنّقاش.
لا أريد أن أقول شيئًا، نحنُ الذين ما زلنا في بطن الأحداث وتداعياتها لا نعرف ماذا نقول، وإلى أينَ سنصل؟ فقط أردتُ كلغويّ توضيح الفرق بينَ عاد ورجع، وأردت التّرفيه عنكم بقراءة قصّة ومشاهدة مُسلسل، ولا ضير إن أضفتم إلى ما سبق مَشهد "غُزّوا وريّحوا" من مسرحية الزّعيم للزّعيم عادل إمام، فاليوم مناسبة جيّدة للترفيه عن النّفس..
على أيّة حال، عِند العودة إلى الماضي، وفي هذا الوقت من العام تحديدًا، أتذكّر قصّة "الشّهداء يعودون هذا الأسبوع" للجزائِريّ الراحل الطّاهر وطّار. تدور أحداث القصّة في إحدى قُرى الجزائِر، حيثُ يتلقى "الشيخ العابِد" رسالة آتية من ابنه الشّهيد مفادها أنّه سيعود ورفاقه الشّهداء خلال بضعة أيام، يتبعها حُلم/ رؤية، إذ يرى الشّيخ العابد ابنه في المَنام فيخبره بهذا.
يحاوِل وطّار مِن خلال هذا الفِكرة المُستحيلة وعبر شخصيّة العم العابد أن يداهم ويُحاكم ويُعرّي الواقع الذي آلت إليه الأمور بعد التّحرر. يَذيع صيت الرّسالة في القرية، وتسيطر الأفكار على الشّيخ العابد والد الشّهيد، وتعقبها سلسلة من الأسئلة لرموز النّظام السّياسي والتّنظيمي في القرية، رئيس البلديّة الذي قَتَل مصطفى "ابن الشيخ العابد الذي سيعود" أباه لأنّه كان جاسوسًا، شيخ الجامع الذي يطرد الشّيخ العابد ويتّهمه بالكفر، مسؤول الماليّة، وأصدقاء الشّهيد، وآلاف الأسئلة: كيف ستعيش بدون امتيازات والد الشّهيد؟ هَل سأعيد ما تقاضيته كوني أبًا لشهيد بأثر رجعي؟ ماذا عَن رخصة سيارة الأجرة؟ تباغته الأجوبة: على الشّهداء إن عادوا أن يصدروا شهادات ميلاد عوضًا عن شهادات الوفاة وهذا يحتاج إلى سنين في المحاكم، عليهم أن يعبّئوا نموذج الانتساب إلى الحزب، ويثبتوا ولاءهم، عليهم أن يجتهدوا للحصول على المناصِب، عليهم..
في الحقيقة لن يعود شهداء الطاهر وطّار، كما لن يتكلّم والد دريد لحّام "غوّار" من الجنّة في كاسك يا وَطن، وإنّ فكرة عودة الشّهداء "طيّرت السّكرة" لدى القرية/ الدولة التي أثبت وطّار في قصّته اختلاف معاني الموت والحياة لديها، وأكّد في ذاتِ سياق كاسك يا وطن التي كتبها الماغوط: "إحمد الله إنّه طلعلك بهالوطن قبر نقرألك الفاتحة عليه، رايتكم صارت جرافات، وثمن دمكم بالبنوك، وما بقي من القضيّة غير هالشّفة"، لن يعود شُهداء الطاهِر وطّار الذينَ تحوّلوا من القداسة إلى الكوابيس، كما لن يعرف أحدٌ كيف ماتَ الشّيخ العابد على قضبان السّكك الحديديّة، هَل دفعه أحدُ المنتفعين الجُدد؟ أم هل هي بداية للمواجهة مع الشّهداء؟ وهل كتب وطّار القصّة عن الجزائِر فقط؟
لماذا إلى الآن؟ وكما كتبَ وطّار قصّته، كتب دريد لحام وآخرون مسلسل "عودة غوّار" في عام 1998، هذا المُسلسل الذي حاول أن يعالج بعض القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة، تهكّم أيضًا عبر مشاهد السّجن التي أدّى بطولتها الفنان ناجي جبر على الأوضاع السّياسيّة: داخِل القاووش يفكّر ناجي جبر "أبو عنتر" بعمل انتخابات حرّة ونزيهة ليكتب كلّ شخص حريّة ضميره، يعيد الانتخابات عدّة مرّات حتّى يفوز بنسبة 110%، ويبدأ بإرساء قواعد الحكم الذاتي داخِل القاووش، ويعيّن أحد السّجناء شرطيًا ورجل مخابرات، ويفتتح سجنًا داخل السّجن، وإذاعة، ويضع قواعد لا حصر لها، هذه الدراما لا تُشبه الواقع بشيء، وإنّ أيّ تشابه يتحمّل مؤلّف الواقع مسؤوليّته، ويُحال إلى المجلس التّشريعي في غزّة للنّقاش.
لا أريد أن أقول شيئًا، نحنُ الذين ما زلنا في بطن الأحداث وتداعياتها لا نعرف ماذا نقول، وإلى أينَ سنصل؟ فقط أردتُ كلغويّ توضيح الفرق بينَ عاد ورجع، وأردت التّرفيه عنكم بقراءة قصّة ومشاهدة مُسلسل، ولا ضير إن أضفتم إلى ما سبق مَشهد "غُزّوا وريّحوا" من مسرحية الزّعيم للزّعيم عادل إمام، فاليوم مناسبة جيّدة للترفيه عن النّفس..