يتواضع الكاتب المسرحي، عبد الكريم برشيد، في تقديم كتابه "الصدمة المزدوجة - المسرح والحداثة"، على أنه "مجرد مقدمة"، مُصرّاً على أن يكون هذا الكتاب "مدخلاً لعالم المسرح" في مشروعه النظري الجديد الذي يؤرخ فيه حياة المسرح ابتداء من التمثيل الغريزي وصولا إلى المؤسسة المسرحية.
يعبر بنا برشيد في كتابه المصنف تحت "دراسات مسرحية" في مناطق جديدة في تاريخ المسرح، ووفقا لرؤيته "الاحتفالية" يتعرض لها محاولاً فهم إشكاليات تأسيس المسرح العربي الحديث. فقد وظف أدواته ومعرفته والسياقات التاريخية والوجودية لملء الفراغات، وإعادة اكتشاف المقدمات بالعودة إلى لحظة تأسيس المسرح، أي "لحظة الاحتفال الغريزيّ الأوّلي، الذي يرتقي جماليا، حتى يصبح فنّا مركبا، ويرتقي أدبيا حتى يصبح نصّا مسرحيا كاملا"، ثم ربطه بين صدمتين أساسيتين في الوجود العربي "صدمة المسرح وصدمة الحداثة"، متفادياً في بحثه الوقوع في مآزق الأيديولوجية والرؤية الانتقائية والمدرسية والتجزيئية.
إذن؛ هو بحث إجرائي يطرح أسئلة فطرية ويبحث في زمن العولمة عن مسرح عربي بخلفياته العرقية والثقافية والتاريخية، ومدى الثورة الحداثية - الاجتماعية، التي أنتجها للجمهور بعد انفتاحه الوجداني على أخلاق الآخر الأوروبي خلال فترة استعمار المنطقة العربية، ابتداء من مصر.
يجد الباحث أن الظاهرة المسرحية طالما انطلقت من نزعة فطرية لدى الإنسان، تجسدت في المحاكاة ومشابهة الآخر، إلا أن الباحثين العرب أهملوا دراسة التمثيل في سياقاته لصالح الاهتمام بصيغة وأصل واحد للمسرح، وهو الأصل اليوناني القديم. وبناء عليه، ظلّ المسرح العربي حبيس الشكل والقالب بدون مضمون. كما يستخلص برشيد مقارنة مع تطور التيارات المسرحية الأوروبية بمنطلقات فكرية، جعلت المسرح الأوروبي مسرحا وجوديا وعبثيا وجدليا، أي متعددا قادرا على فلسفة الظواهر الاجتماعية والدينية وغيرها. في هذا الاستنتاج يرتكز برشيد على أن "التمثيل/ المحاكاة هو الأساس لأية حياة مسرحية تكونت وتطورت عبر التاريخ".
وبالنظر إلى خصوصيات المسرح العربي القديم وتأثره بما حوله، يرى الباحث المغربي أن ما ميز التمثيل العربي هو أنه متعدد الانتماءات بحكم أنه يقع على ملتقى الطرق بين ثقافتين، آسيوية وأخرى متوسطية. وفي مقارنة مع اليوناني المتأثر بالنحت والتصوير، فإن العربي متأثر بالخطابة والشعر والحكي الشهرزادي والارتجال، مما جعل الممثل العربي أكثر حرية وحيوية. كما أن احتفاله بخيال الظل وبالمسارح الشعبية أدى في أواسط القرن التاسع عشر إلى مولد المؤسسة المسرحية الحديثة في العالم العربي تحت استعماره من القوى الغربية، التي جلبت ثقافتها معها.
حينها، تراجع العقل العربي عن تقبل فكرة "الثياترو" المؤسسة المسرحية الأوروبية المضادة لقيمه الإسلامية المحافظة، التي لا تجمع الرجال مع النساء تحت سقف واحد، ولكنه عندما اكتشف أنه مسرح يخاطب ثقافة الإنسان واكتشاف الآخر والانخراط في روح الحداثة، اعتنق العربي المسرح الحديث والبسيط مصحوبا بالإعجاب والاندهاش. وهنا يجد برشيد أن المدن العربية القديمة التي انقسم فيها المجتمع إلى اثنين تعاملت مع المسرح بصيغتين، الأولى، تمثل الظواهر الاحتفالية القديمة، والأخرى هي مسرح واحد، فنشأ مسرح جديد بصيغة مركبة نتيجة تفاعله بين ثقافتين.
وهنا ، يجد المؤرخ أن "إنتاج الفرجة الاحتفالية نتيجة هذا التلاقي أعطى مسرحا هجينا يتحكم فيه تياران، تيار تأصيلي بذات عربية، والثاني تغريبي- تجريبي نسبة التغريب فيه غالبة عليه.
ولكن في أواسط السبعينيات شهدنا تأسيسا لتيار مسرحي عربي ثالث من ناحية الشكل والمضمون والمنهج، ويتجاوز قومية التيار الأول المنغلقة على ذاتها، كما يتجاوز عولمة التيار الثاني وينطلق من (النحن) الواقعية في اشتغالها، التي تؤمن بالآخر والاختلاف والتعدد، وبنفس الوقت يحافظ على ذاته ولا يمّحي.
إن المسرح الاحتفالي العربي ذاك هو "وليد صدمة الوجود وصدمة الحضارة، ويتجه إلى الحقيقة والجمال"، ولكنه وجد نفسه مضطرا إلى أن يختار بين "الأصالة أو المعاصرة".
ويستنتج برشيد أن هذا التيار التجريبي ربح الصناعة المسرحية وآلياتها ولكنه ضيع الفن وصدقه، وحدث هذا الانفصام بشكل نهائي في القرن التاسع عشرعندما انغلق المسرح في بنايات ضخمة. وحفاظا على الروح الاحتفالية القديمة مع الحديثة، ناهض مسرحيون كثيرون، ومنهم المغربي الراحل، الطيب الصديقي، بناء المسارح وزجها في هندسية معمارية. ويعتبر برشيد تجربة الصديقي المسرحية من أهم التجارب، لأنه وافق فيها بين النظامين الأساسيين في بنية التفرج وبنية الاحتفال والتعييد التمثيلي، وأدخل (الحلقة) إلى المسرح وأخرج مسرحا من آخر، واستطاع أن يقلل الارتباط بين الفن والبناية.
(صحافية فلسطينية)
يعبر بنا برشيد في كتابه المصنف تحت "دراسات مسرحية" في مناطق جديدة في تاريخ المسرح، ووفقا لرؤيته "الاحتفالية" يتعرض لها محاولاً فهم إشكاليات تأسيس المسرح العربي الحديث. فقد وظف أدواته ومعرفته والسياقات التاريخية والوجودية لملء الفراغات، وإعادة اكتشاف المقدمات بالعودة إلى لحظة تأسيس المسرح، أي "لحظة الاحتفال الغريزيّ الأوّلي، الذي يرتقي جماليا، حتى يصبح فنّا مركبا، ويرتقي أدبيا حتى يصبح نصّا مسرحيا كاملا"، ثم ربطه بين صدمتين أساسيتين في الوجود العربي "صدمة المسرح وصدمة الحداثة"، متفادياً في بحثه الوقوع في مآزق الأيديولوجية والرؤية الانتقائية والمدرسية والتجزيئية.
إذن؛ هو بحث إجرائي يطرح أسئلة فطرية ويبحث في زمن العولمة عن مسرح عربي بخلفياته العرقية والثقافية والتاريخية، ومدى الثورة الحداثية - الاجتماعية، التي أنتجها للجمهور بعد انفتاحه الوجداني على أخلاق الآخر الأوروبي خلال فترة استعمار المنطقة العربية، ابتداء من مصر.
يجد الباحث أن الظاهرة المسرحية طالما انطلقت من نزعة فطرية لدى الإنسان، تجسدت في المحاكاة ومشابهة الآخر، إلا أن الباحثين العرب أهملوا دراسة التمثيل في سياقاته لصالح الاهتمام بصيغة وأصل واحد للمسرح، وهو الأصل اليوناني القديم. وبناء عليه، ظلّ المسرح العربي حبيس الشكل والقالب بدون مضمون. كما يستخلص برشيد مقارنة مع تطور التيارات المسرحية الأوروبية بمنطلقات فكرية، جعلت المسرح الأوروبي مسرحا وجوديا وعبثيا وجدليا، أي متعددا قادرا على فلسفة الظواهر الاجتماعية والدينية وغيرها. في هذا الاستنتاج يرتكز برشيد على أن "التمثيل/ المحاكاة هو الأساس لأية حياة مسرحية تكونت وتطورت عبر التاريخ".
وبالنظر إلى خصوصيات المسرح العربي القديم وتأثره بما حوله، يرى الباحث المغربي أن ما ميز التمثيل العربي هو أنه متعدد الانتماءات بحكم أنه يقع على ملتقى الطرق بين ثقافتين، آسيوية وأخرى متوسطية. وفي مقارنة مع اليوناني المتأثر بالنحت والتصوير، فإن العربي متأثر بالخطابة والشعر والحكي الشهرزادي والارتجال، مما جعل الممثل العربي أكثر حرية وحيوية. كما أن احتفاله بخيال الظل وبالمسارح الشعبية أدى في أواسط القرن التاسع عشر إلى مولد المؤسسة المسرحية الحديثة في العالم العربي تحت استعماره من القوى الغربية، التي جلبت ثقافتها معها.
حينها، تراجع العقل العربي عن تقبل فكرة "الثياترو" المؤسسة المسرحية الأوروبية المضادة لقيمه الإسلامية المحافظة، التي لا تجمع الرجال مع النساء تحت سقف واحد، ولكنه عندما اكتشف أنه مسرح يخاطب ثقافة الإنسان واكتشاف الآخر والانخراط في روح الحداثة، اعتنق العربي المسرح الحديث والبسيط مصحوبا بالإعجاب والاندهاش. وهنا يجد برشيد أن المدن العربية القديمة التي انقسم فيها المجتمع إلى اثنين تعاملت مع المسرح بصيغتين، الأولى، تمثل الظواهر الاحتفالية القديمة، والأخرى هي مسرح واحد، فنشأ مسرح جديد بصيغة مركبة نتيجة تفاعله بين ثقافتين.
وهنا ، يجد المؤرخ أن "إنتاج الفرجة الاحتفالية نتيجة هذا التلاقي أعطى مسرحا هجينا يتحكم فيه تياران، تيار تأصيلي بذات عربية، والثاني تغريبي- تجريبي نسبة التغريب فيه غالبة عليه.
ولكن في أواسط السبعينيات شهدنا تأسيسا لتيار مسرحي عربي ثالث من ناحية الشكل والمضمون والمنهج، ويتجاوز قومية التيار الأول المنغلقة على ذاتها، كما يتجاوز عولمة التيار الثاني وينطلق من (النحن) الواقعية في اشتغالها، التي تؤمن بالآخر والاختلاف والتعدد، وبنفس الوقت يحافظ على ذاته ولا يمّحي.
إن المسرح الاحتفالي العربي ذاك هو "وليد صدمة الوجود وصدمة الحضارة، ويتجه إلى الحقيقة والجمال"، ولكنه وجد نفسه مضطرا إلى أن يختار بين "الأصالة أو المعاصرة".
ويستنتج برشيد أن هذا التيار التجريبي ربح الصناعة المسرحية وآلياتها ولكنه ضيع الفن وصدقه، وحدث هذا الانفصام بشكل نهائي في القرن التاسع عشرعندما انغلق المسرح في بنايات ضخمة. وحفاظا على الروح الاحتفالية القديمة مع الحديثة، ناهض مسرحيون كثيرون، ومنهم المغربي الراحل، الطيب الصديقي، بناء المسارح وزجها في هندسية معمارية. ويعتبر برشيد تجربة الصديقي المسرحية من أهم التجارب، لأنه وافق فيها بين النظامين الأساسيين في بنية التفرج وبنية الاحتفال والتعييد التمثيلي، وأدخل (الحلقة) إلى المسرح وأخرج مسرحا من آخر، واستطاع أن يقلل الارتباط بين الفن والبناية.
(صحافية فلسطينية)