سُحبُ دخان أسود في كل مكان. ركام هنا وحجارة، صُبغ بعضها بلون الدماء، تتناثر هناك، وعشرات الجثث المتحللة مبعثرة في الشوارع والأزقة. هذا هو الوصف الأقرب إلى الحال التي آلت إليها بلدة خزاعة، الواقعة شرقي مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة.
ومنذ اليوم الأول للعدوان البري على القطاع، تعرضت خزاعة لحصار مشدد، ولعمليات إعدام ميداني لمن حاول الهرب من منزله، إلى جانب عمليات عدوانية طالت جميع المنازل في الحيّ المكتظ.
وبعد دخول التهدئة الإنسانية حيز التنفيذ، قبل أن تنهيها إسرائيل، تمكن "العربي الجديد" من دخول المنطقة، التي انتشلت طواقم الدفاع المدني والطواقم الطبية منها جثامين أكثر من ثلاثين شهيداً، فيما لا تزال عمليات البحث جارية تحت أنقاض المنازل.
ويقول أحد سكان البلدة، سمعان النجار (25 عاماً) الذي كان قد فرّ من المكان بأعجوبة وعاد إلى تفقد منزله الذي وجده مدمراً، إن مئات المواطنين لا تزال جثامينهم محاصرة تحت أنقاض منازلهم المدمرة، واصفاً الدمار الذي حلّ بالبلدة بأنه الأكبر على مستوى القطاع. ويضيف النجار لـ"العربي الجديد": "رائحة الموت تفوح من كل مكان في خزاعة بسبب تحلل جثث الشهداء. المحاصرون لم يكن بقدرتهم توفير أدنى مقومات الحياة، وهم يتعرضون للقصف المدفعي الإسرائيلي على مدار الساعة، ولأيام طويلة".
وتحدث النجار عن عمليات إعدام ميدانية تعرض لها مواطنون من قبل قوات الاحتلال خلال محاولتهم مغادرة البلدة، لافتاً إلى أن "جيش الاحتلال اعتقل فلسطينيين وأعدمهم ميدانياً"، للانتقام من المقاومة التي أوقعت به عشرات القتلى في اشتباكات لم تتوقف للحظة واحدة.
وذكر شاهد العيان على مجزرة خزاعة أن المواطنين الذين نجوا من الموت قصفاً، لم ينجوا من الموت جوعاً وعطشاً، مؤكداً أن البلدة خلال الحصار والعدوان عليها تحولت إلى مدينة أشباح حقيقية، لا يسكنها إلا الموت، وحتى أولئك الجرحى، الذين كانت إصاباتهم متوسطة وطفيفة، استشهد جزء كبير منهم.
ولم يحاول أحد الخروج من بلدة خزاعة المحاصرة خلال العدوان، إلا واستهدفته المدفعية الإسرائيلية بقذائفها، أو أطلق عليه قناصة الجيش الإسرائيلي، المتمركزون أعلى المنازل المرتفعة، النار بشكل مباشر، تقول مواطنة من البلدة تدعى، نادية النجار.
وذكرت النجار لـ"العربي الجديد" أن عدداً قليلاً فقط تمكن من الهروب من البلدة والنجاة بصعوبة بالغة. وأكدت أن الدمار في البلدة شرس، وأنه كلما كان التصدي للعملية الإسرائيلية والمقاومة شديدين، كانت المدفعية الإسرائيلية تدك منازل المواطنين انتقاماً.
وكانت قوات إسرائيلية مدرعة قد تقدمت نحو بلدة خزاعة شرقي مدينة خانيونس قبل 15 يوماً وفصلت البلدة عن المناطق المحيطة بها. وخلال أول ساعات التهدئة الإنسانية، التي بدأت اليوم، قبل إعلان انتهائها، انسحبت الآليات من البلدة وتموضعت على الحدود.
وقبل اقتحام البلدة، التي تبلغ مساحتها قرابة الـ 40 ألف متر مربع ويقطن فيها 12 ألف نسمة، نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، نزحت عشرات العائلات الفلسطينية إلى الأحياء الغربية لمدينة خانيونس.