لكل جبهة من جبهات اليمن التي تدور فيها مواجهات مسلحة حكاياتها، وإنْ اختلفت فيها الأطراف الداعمة للشرعية، إلا أن العدو في كل الجبهات واحد، وهو مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، أو ما يطلق البعض عليه "تحالف الانقلاب في اليمن على الشرعية".
"العربي الجديد" زارت جبهة مريس الواقعة شمال الضالع، وهي إحدى أبرز الجبهات المشتعلة في اليمن. فمريس تُعدّ الخط الأول للدفاع عن مدينة الضالع، وحصنها المنيع، وسقوطها يُسقط ورقة مهمة من يد الشرعية، هي ورقة محافظة الضالع بكاملها، لما لمريس من أهمية كموقع استراتيجي مهم يتحكم بكل مناطق الضالع. وتعيد معركة مريس الحالية للأذهان أول عام لصالح في الحكم في العام 1979، عندما انطلقت ضده ثورة مسلحة من هذه المنطقة، وكادت أن تقضي على حكمه، واستعان حينها بمليشيات الحوثيين أيضاً التي قامت بالممارسات نفسها كما اليوم قبل أن تتدخل دول عربية وتنقذ حكم صالح، لذلك فإن معركة اليوم أيضاً دافعها هو ذلك التاريخ الذي يعيد تكرار نفسه.
ويتمترس عدد كبير من أبناء هذه المنطقة من شباب "المقاومة" عند حدودها مع مديريتي دمت وجبن، بعد أن تمكّنت "المقاومة" من تحرير بعض القرى والجبال في مريس التي كانت المليشيات تحتلها، وانتقلت المعركة إلى داخل مديرية دمت.
عندما دخل الحوثيون وقوات صالح إلى دمت بعد انسحاب مفاجئ لـ"المقاومة" بسبب عدم التنسيق بين مكوّناتها، تشتّت عناصر "المقاومة"، بمن فيهم الذين ينتمون إلى مريس، لأن جزءاً من "المقاومة" كانت متواجدة في دمت. وكان على مريس أن تقوم بالدور الأبرز لوقف تمدد المليشيات نحو الضالع، فحاول شباب "المقاومة" في مريس لملمة قواهم وإعادة تموضعهم في محاولة لرصّ الصفوف لمواجهة المليشيات.
وبسبب تخوّف المليشيات من "مقاومة" مريس، حاولت المليشيات الاستعانة بحيلها المعروفة، كما يقول مصدر قيادي في "المقاومة"، وأرسلت بعض تابعيها من "المتحوثين" لإقناع أهالي هذه المنطقة بالسماح لعناصر المليشيات بالمرور من هذه المنطقة، باتجاه مدينة الضالع، مركز المحافظة. ومع أن المليشيات أكدت بأنها لن تتوقف في مريس أو تستخدم أراضيها كمنطقة لإطلاق عملياتها العسكرية ضد مدينة الضالع، إلا أن أهالي مريس رفضوا وأعلنوا المقاومة ضد المليشيات، حتى أن محاولات المليشيات كانت دافعاً كبيراً لأهالي المنطقة للخروج للمقاومة، وبدأوا رصف الصفوف والدخول في حرب ضد المليشيات.
كانت الكثير من المعوّقات تقف في وجه "المقاومة" في مريس، لا سيما وضع الجرحى والحصول على السلاح، مع الحصار من الجهة الجنوبية، وبالتالي كان على "مقاومة" مريس أن تواصل القتال ضد المليشيات والتواصل مع الضالع الجنوبية، لتخفيف الحصار وفتح ممر آمن لنقل الجرحى ووصول السلاح. وأبدت قيادات الضالع مرونة في الأمر، وفق ما أكده القيادي في "المقاومة" يوسف العمودي لـ"العربي الجديد"، الذي أوضح أن "المقاومة الجنوبية دفعت بتعزيزات لمقاومة مريس وساعدتها لوجستياً".
اقرأ أيضاً: اليمن: تحرير مريس وغارات مرتقبة ضد الحوثيين في تعز
الزائر لهذه المنطقة يدرك أهميتها ووضعية "المقاومة" فيها، لا سيما في جبهات القتال، فهناك يقف الشباب وكبار السن في متاريس ليل نهار، وعيونهم منصبّة لمراقبة تحركات ما يسمونه العدو. من هؤلاء "المقاومين" الحاج مسعد الذي يقترب من مشارف الستينات من عمره، ويشكّل وجوده عند جبهات القتال بين الشباب دافعاً لهم، كما يقولون. ويؤكد مسعد أنه يتمترس في مقدمة الجبهات ليحمي أبناءه وأسرته ويحصّن مستقبلهم، قائلاً: "أنا في آخر عمري ولم أستطع تأمين مستقبل أبنائي وأبناء المنطقة بسبب الأنظمة الفاسدة، لذلك سأحاول هذه المرة القيام بشيء لأبنائي وللوطن".
فيما يروي أحد المقاتلين، يدعى سالم، قصة زميل له قُتل وهما يتقدمان في أحد المواقع المهمة. يقول سالم: "كنا في ليلة من الليالي التي أحرزنا تقدّماً فيها، وفي لحظات حرجة، ونحن ننتظر أوامر قيادة المقاومة في الهجوم، عند قرابة الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، فوجئنا بزميل لنا يقول إنه سيذهب لمنزله، فسألناه ونحن مستغربون لماذا يترك الجبهة في هذا التوقيت، فأجاب أنه سيذهب ليطلب الدعاء من والدته، حتى يرضى الله علينا ويكرمنا بالنصر والشهادة". ويضيف سالم: "غادر زميلنا مسرعاً، وبعد نصف ساعة عاد من المنزل وهو مبتسم، وما هي إلا دقائق حتى انطلقت المعركة، وبدأنا الهجوم وتقدّمنا مسافة كبيرة، وبعد نحو ثلاث ساعات من المعارك استشهد رفيقنا. وعلى الرغم من الحزن الذي عمّ الجبهة، إلا أن استشهاده كان دافعاً لكل شباب المقاومة ليتقدّموا أكثر".
وعلى الرغم من أن المقاتلين في صفوف المقاومة ينتمون لأطراف عدة مختلفة، إلا أنهم تركوا أحزابهم وانتماءاتهم واجتمعوا في خندق واحد. فتجد واحداً يقول إنه طبيب وآخر مهندس وثالث يؤكد أنه مدرّس، فيما رابع يؤكد أنه لم يدرس بل أمّي، وآخر يعرّف نفسه على أنه مزارع، وغيرهم من خريجي الجامعات والموظفين، تجمعهم جبهة واحدة وعدو واحد هو المليشيات، وهدف واحد وهو تحرير منطقتهم وبلدهم وإقامة الدولة المدنية الحديثة وإسقاط الانقلاب.
وفي جعبة "المقاومين" الكثير من الروايات عن الأحداث التي تحصل معهم في جبهات القتال. ومن بينها يروي صدام شرح، لـ"العربي الجديد"، أنه "أثناء معركة تحرير يعيس، تمكّنّا من أسر ثلاثة عشر مسلحاً، فسألناهم لماذا تقاتلون في صفوف هذه المليشيات، ولماذا تأتون لتقتلونا، بينما نحن ندافع عن مناطقنا، ولم نذهب لنقتلكم في مناطقكم". ويضيف: "جميعهم أجابوا إجابات متقاربة وكادوا يجمعون على أنه غُرّر بهم، باستثناء مسلح واحد، قال إنه اختلف مع أسرته، فقرر الانتحار وانخرط في القتال مع المليشيات".
ويحكي الكثير من "المقاومين" في الضالع عن لحظات كانت مؤثرة في مواجهاتهم مع مليشيات الحوثيين وقوات صالح، لا سيما عندما لجأت "المقاومة" إلى مكبرات الصوت لإطلاق شعاراتها، والتي يقول البعض ممن التقت "العربي الجديد" بهم "إنهم كانوا عندما يريدون إثارة الرعب بين مسلحي المليشيات، يقوم من يملك مكبّر الصوت بإطلاق شعارات المقاومة من متراسه، ويرددها المقاومون من مختلف الجبهات والمتاريس من شرق الجبهات إلى غربها، وهو ما يُرعب مسلحي المليشيات، الذين يقومون بإطلاق النار والقذائف بشكل هستيري، ويصل أحياناً إلى هروبهم من بعض المواقع، بينما رجال المقاومة يعودون للضحك لحال المليشيات بعد إشغالهم واستنزاف رصاصاتهم".
تميّزت "مقاومة" أبناء مريس بالتنظيم، فمع الحصار على منطقتهم منذ ثمانية أشهر، وعدم وصول مساعدات إنسانية إلى منطقتهم طوال تلك الفترة، بقي سوق وحيد يعمل وسط إجراءات أمنية مشددة عليه. وعلى الرغم من اعتراض البعض، إلا أن "المقاومة" باتت تدرك وضع منطقتها ووضع السكان، فعملت على تنظيم السوق، وتعاملت بشدة مع أي شخص اشتبهت فيه. وزرعت العشرات من عناصرها في السوق، وتعاملت مع أي حركة مخلّلة بالأمن بحزم.
ولم يغب دور النساء أيضاً في هذه المعارك من خلال تزويد المقاتلين في صفوف "المقاومة" بالأكل والشراب، فيما يقوم بعض المواطنين من كبار السن بشراء بعض الخضروات والفواكه، ويوزعونها على "المقاومين" في الجبهات. وهناك من يتكفل بنقل الجرحى، وآخرون يعملون على تنظيم الطرقات لتسهيل نقل الجرحى.
اقرأ أيضاً: خسائر كبيرة للحوثيين في "مريس" الاستراتيجية في الضالع