حصل "العربي الجديد" على وثيقة تتضمّن محاور وخلاصات الحوارات السرية، والتي جرت بين مسؤولين وأكاديميين حاليين وسابقين إسرائيليين وفلسطينيين في العاصمة البريطانية، برعاية المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصال والأبحاث "بايكوم"، وباستضافة المعهد الملكي للشؤون الدولية "شاتام هاوس".
وجاء في الوثيقة أن الاجتماعات، والتي لم يذكر تاريخ عقدها، "تدارست بالتحليل والنقد أربعة نماذج لصنع السلام الإسرائيلي – الفلسطيني، وهي نموذج المفاوضات الثنائية على أساس المُحددات والأطر المتفق عليها، ونموذج المفاوضات الإقليمية، ونموذج الخطوات أحادية الجانب البناءة ونموذج الكونفدرالية الإسرائيلية الفلسطينية".
وبحسب الوثيقة الصادرة عن "بايكوم"، بتاريخ غير محدد في مارس/آذار الماضي، فإن "المشاركين اتفقوا على أن أي عملية ناجحة تتطلب أيضاً مشاركة قوية من طرف ثالث، فضلا عن إنشاء حركات اجتماعية شعبية تشجع السلام والاعتراف المتبادل".
وذكرت أن من شأن مشاركة طرف ثالث ضمان احترام الأطراف للحقائق على أرض الواقع اليوم، بدلاً من أن تظل محاصرة في عقلية التسعينيات، والتي تسعى إلى بذل جهد إضافي لحل الصراع.
وأوضحت الوثيقة، التي جاءت في 15 صفحة، أن المشاركين في الحوار لم يظهروا أي "شهية تُذكر" للعودة إلى نموذج التفاوض الثنائي الكلاسيكي، مع الميل أكثر للبحث عن نموذج "هجين" بين النماذج الأربعة المختلفة، يتضمن إطاراً إقليمياً لعملية سلام على أساس الابتعاد عن "الحوافز المتتابعة" لصالح "الحوافز المتوازية"، وإلغاء شعار "لا شيء متفق عليه إلى أن يتم الاتفاق على كل شيء".
وجاء في الوثيقة أن "النموذج الهجين" يعطي المزيد من المرونة في العملية، مع إمكانية دمج عناصر من النموذج الكونفدرالي، مثل السماح لبعض المستوطنين الإسرائيليين بالبقاء في دولة فلسطينية مع عدد مماثل من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل، مما يساعد على حل بعض القضايا الأساسية المستعصية حتى الآن.
وكانت "العربي الجديد" قد نشرت الأسبوع الماضي عن مصادر صحافية بريطانية عن مفاوضات سرية جرت في لندن بين سياسيين وأكاديميين إسرائيليين وفلسطينيين، وقالت صحف ومواقع إعلامية بريطانية وإسرائيلية إنها اطلعت من المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصال والأبحاث "بايكوم" على معلومات تفيدة بعقد جلسة مفاوضات بين شخصيات سياسية وأكاديمية إسرائيلية وفلسطينية في محاولة لاختراق الجمود الذي تمر به عملية السلام بين الجانبين.
ولم تكشف المصادر الصحافية عن هوية أي من المشاركين في هذه المفاوضات، أو عن توقيت تلك الاجتماعات، غير أن تقريراً أعده المراسل العسكري لصحيفة "ذي إيفنينغ ستاندارد"، روبرت فوكس، ونُشر أمس الخميس، أفاد بأن "بايكوم" استضاف الاجتماعات بالتعاون مع المعهد الملكي للشؤون الدولية، "شاتام هاوس".
وتعرض الوثيقة النموذج الأول، والذي تدارسه المجتمعون، والقائم على نموذج للمفاوضات الثنائية بين فرق إسرائيلية وفلسطينية تناقش القضايا مباشرة بدلاً من استخدام الولايات المتحدة كدولة وسيطة.
أما "النموذج الإقليمي" فيرى المتحاورون، طبقاً للوثيقة، بأنه بات في وضع أفضل من السابق، كما يرى المتحاورون، إذ قربت المخاوف من صعود تنظيم "داعش"، والمخاوف من محاولة إيران للهيمنة الإقليمية، بين إسرائيل وعدد من الدول السنية مثل مصر والأردن والسعودية والإمارات والكويت والمغرب. ويمكن أن يتيح هذا التقارب فرصة لتصميم نموذج إقليمي واقتصادي جديد يمكن أن يساعد على كسر الجمود الذي يعاني منه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ورأى المجتمعون أن اختيار هذه الدول السنية العربية في المفاوضات، وتشجيعها على تحفيز التنازلات الإسرائيلية من خلال مواءمتها مع إشارات إيجابية بالتطبيع والتنسيق الأمني والتعاون الاقتصادي يمكن أن يُغير الرأي العام في الجانبين ويحمي الاتفاق من المفسدين المحليين والإقليميين.
ويرى المشاركون في الاجتماعات أن نموذج مشاركة الدول العربية يساعد على حل قضية القدس، كما يمكن أن تلعب مصر والأردن دوراً مهماً في الترتيبات الأمنية المتعلقة بغزة والضفة الغربية على التوالي.
وعرفت الوثيقة النموذج الثالث بنموذج "الخطوات أحادية الجانب البناءة"، ذلك أن الصعوبات الهيكلية في التوصل إلى اتفاق نهائي، إلى جانب الأخطار الناجمة عن استمرار الوضع القائم، والتهديد المحدق بإمكانية إستمرار الأمر الواقع في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تزيد من جاذبية بعض الخطوات أحادية الجانب التي قد تقرب الجانبين نحو حل الدولتين.
ويستند هذا النهج إلى أساس "إدارة الصراع" على المدى القصير من أجل تهيئة الظروف لحل النزاع على المدى الطويل. وتعد هذه الاستراتيجية أفضل وبناءة أكثر عند تنسيقها بين الجانبين لمنع الجهات المعادية من ملء أي فراغ.
وعلاوة على ذلك، فإن ما يحول "الانفرادية" إلى "الانفرادية البناءة" هي السياسات التي تعزز نموذج الدولتين وتحسن قدرة الأطراف على التفاوض فيما بعد.
وفي حين أن النماذج الثلاثة للمفاوضات الثنائية، والإطار الإقليمي، ونموذج الخطوات الأحادية البناءة، تتخيل جميعاً نهاية مماثلة، أي حل الدولتين، فإن النموذج الرابع، "نموذج الكونفدرالية"، يمثل نهجا أكثر راديكالية، يقوم على أساس دولتين مستقلتين بعناصر من الحكم المشترك بشأن مسائل معينة - مثل الأمن والاقتصاد - والتعاون المكثف في المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل المياه والفضاء الإلكتروني ومكافحة الإرهاب والبيئة.
وفي السياق الإسرائيلي - الفلسطيني، يتوخى هذا النموذج قيام دولتين سياديتين لكل منهما برلمان خاص بها (إسرائيل وفلسطين) في الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن، ما يسمح بعد فترة انتقالية بحرية تنقل الأشخاص والبضائع والخدمات عبر حدودها الداخلية، أي إسرائيل والضفة الغربية وغزة.
وفي النموذج الكونفدرالي - حسب الوثيقة - سيتعامل الجيش الإسرائيلي في المقام الأول مع الأمن الخارجي الفلسطيني، بما في ذلك القيام بدوريات على المعابر الحدودية إلى إسرائيل والحدود الدولية للضفة الغربية وغزة.
وعلاوة على ذلك، ففي حين أن جميع المواطنين الحاليين في إسرائيل وفلسطين سيحافظون على وضعهم القانوني، يمكن السماح بإقامة الإسرائيليين في فلسطين والفلسطينيين في إسرائيل، استنادا إلى نظام الحصص والمعايير التي يمكن تعديلها بمرور الوقت. ومن شأن مثل هذا النموذج أن يسمح للمستوطنين الإسرائيليين بالحفاظ على مساكنهم في فلسطين، وأن يحظى عدد متساوٍ من الفلسطينيين، بمن فيهم اللاجئون، بالإقامة في إسرائيل.
وستساعد المكونات الأمنية للاتحاد، مثل الوجود المستمر لجيش الدفاع الإسرائيلي في غور الأردن، على تخفيف الكثير من المخاوف الحالية لإسرائيل وتزويدها بالقدرة على منع تهريب الأسلحة، واحتمال استيلاء حماس على الضفة الغربية، والتهديدات من تنظيم "داعش" أو "القاعدة".
وعلاوة على ذلك، قد يساعد هذا النموذج على حل قضيتين أخريين بشأن الوضع النهائي، وهما المستوطنات واللاجئون، من خلال السماح للمستوطنين بالبقاء في دولة فلسطينية وعدد محدود من اللاجئين "للعودة" إلى إسرائيل.
كما أن الاتحاد الكونفدرالي الذي يتمتع بدرجة من التعاون الاقتصادي والتكامل بين الدولتين يوفر مزايا مالية خاصة، وأن الاقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني يكمل كل منهما الآخر.
ومن شأن هذا النموذج الاقتصادي أن يشمل التجارة والاستثمار المشترك (وربما حتى العملة)، ويفتح أسواقاً في العالم العربي والإسلامي لإسرائيل، فضلاً عن وصول أفضل للمواطنين والسلع والخدمات الفلسطينية إلى الغرب. ومن المتوقع أن يعمل الاتحاد الأوروبي عن كثب مع هذا الاقتصاد المتكامل.
وأخيراً، فإن نموذج الكونفدرالية يوفر أيضاً الشرعية للهوية التاريخية للطرفين. ومع ذلك، فإن الانتقال من "نموذج الفصل" الكلاسيكي لاتفاقات أوسلو (المعروف في إسرائيل باسم نحن هنا، وهم هناك) إلى نموذج أكثر تكاملاً يثير، حسب الوثيقة، مخاوف خطيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين المشاركين في النقاش، وقد شعر الإسرائيليون بالقلق من أنه نظراً لتاريخ العداوة لليهود في المنطقة، فإن مفهوم الحدود المفتوحة وحرية الحركة وخلط مئات الآلاف من الإسرائيليين والفلسطينيين سيخلق كابوساً أمنياً من شأنه أن يجعل من الصعب منع الهجمات الإرهابية.
كذلك أعرب كثيرون عن قلقهم من أنه، بسبب الاتجاهات الديموغرافية، فإن اتحاداً "ما بعد وطني" سيهدد في المستقبل الطابع القومي اليهودي لإسرائيل، ما يجعله حلاً غير مقبول لجزء من الرأي العام الإسرائيلي. في الواقع، في كثير من العيون الإسرائيلية، فإن مثل هذا الاختلاط بين السكان هو ما يعادل دولة ثنائية القومية، وهي حقيقة يعارضها الأغلبية.
وأما التصور الأخير الذي طرحته الوثيقة، بعنوان "النموذج الهجين"، أو "النموذج المختلط"، فهو عبارة عن توليفة من النماذج الأربعة السابقة، مع الابتعاد عن "الحوافز المتتابعة" إلى "الحوافز المتوازية"، كما فعلت الجامعة العربية مؤخراً، وإسقاط شعار "لا شيء متفق عليه حتى يتم الاتفاق على كل شيء"، ما سيعطي المزيد من المرونة في العملية.
وتُشكل المقترحات الجذرية التي تظهر في إطار النموذج الكونفدرالي، مثل السماح لبعض المستوطنين الإسرائيليين بالبقاء في دولة فلسطينية مع عدد مماثل من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل، أيضاً جزءاً أساسياً من هذا النموذج، ما يساعد على حل بعض القضايا الأساسية المستعصية حتى الآن.