منذ عام 2003 ودول أوروبية عدة تدق ناقوس الخطر: "أنجبوا مزيداً من الأطفال". أكثر من عقد من الزمن ولم تأتِ التحذيرات بنتيجة، بحسب ما تظهر الأرقام. الانخفاض مستمر في الولادات، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر مستقبلاً في "القارة العجوز". وقد أعاد كثيرون في الأشهر الأخيرة، استقبال بعض دول القارة الأوروبية للمهاجرين واللاجئين، إلى انخفاض نسبة الولادات.
في عام 2012 سجّلت الدنمارك 10.4 ولادات لكل ألف مواطن، ما يعني انخفاضاً بنسبة 17 في المائة منذ بداية الألفية الثالثة. أما الجارة السويد فقد أشارت أرقامها إلى 11.9 ولادة لكل ألف مواطن مع زيادة بنسبة 1.7 في المائة.
وتشير الأرقام الأوروبية لعام 2013، الوطنية منها والمركزية في أجهزة الاتحاد الأوروبي، إلى أن امرأة واحدة من بين كل سبع نساء دنماركيات (13.2 في المائة) وصلت إلى سنّ الخمسين من دون أن تنجب. وهذا تزايد كبير خلال عقدين من الزمن، إذ لم تكن النسبة إلا 10 في المائة في عام 1996. والمسألة لا تتعلق بالنساء فحسب، بل إن 20.4 في المائة من الرجال الدنماركيين بلغوا الخمسين من دون أن ينجبوا. أما في ألمانيا، فإن امرأة واحدة من بين أربع نساء بلغن ما بين 44 و48 عاماً، لم تنجب.
اليوم، وبعد عامين من تلك الأرقام، تدقّ السلطات الوطنية ناقوس الخطر بحزم، هي التي لا تتدخل عادة في الشؤون الخاصة واختيارات الناس. لكن اللافت في القلق الديموغرافي الأوروبي، هو أن الأمر لا يتعلق فقط بمجتمعات صغيرة. حتى ألمانيا التي تحصي نحو 80 مليون نسمة، تدقّ ناقوس الخطر. في تقرير لمعهد هامبورغ للاقتصاد العالمي صادر في مايو/ أيار الماضي، تبيّن أن ألمانيا تجاوزت اليابان في انخفاض نسبة الولادات. وثمة تحذيرات على خلفية عوامل عديدة لعل أبرزها الوضع الاقتصادي، من أن تصل نسبة سكان ألمانيا الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و65 إلى 54 في المائة في عام 2030، في حال استمرت الحال على ما هي عليه. أما اليوم، فهي تبلغ 61 في المائة.
ويحذّر خبراء في الخصوبة والديموغرافيا من أن دولاً عدة في أوروبا، من الجنوب في إيطاليا والبرتغال وحتى دول شرق أوروبا ووسطها كبولندا وسلوفاكيا والمجر صعوداً نحو الشمال والغرب، سوف تعاني خلال مائة إلى مائة وخمسين عاماً من اندثار، إذا استمرت نسب الإنجاب على حالها بواقع منخفض هو 1.4 طفل لكل امرأة. ويشير الخبراء إلى أن الإنقاذ من الانهيار الديموغرافي ممكن، مع 2.1 لكل امرأة كمتوسط.
اقرأ أيضاً: ألمانيا تعزف منفردة
لعل حجج بعض الخبراء القائلة بأن المهاجرين سوف يساهمون في زيادة نسب الولادات وتغطية الحاجة إلى اليد العاملة في سوق العمل، قد تحمل بعض الصحة على المدى القريب، لكنها ليست واقعية على المدى المتوسط وذاك البعيد. وهؤلاء الخبراء وصلوا في القياسات العلمية التي يجرونها منذ عقدين، إلى الاستنتاج بأن المجتمعات المهاجرة لا تختلف كثيراً في تبنيها للسائد لجهة عدد الولادات. قبل خمس سنوات، كانت نسب الإنجاب بين النساء المهاجرات والنساء الدنماركيات والسويديات متساوية.
في الدنمارك لوحدها، تفيد أرقام الإحصاء الدنماركي الصادرة في أغسطس/ آب الماضي، بما يزيد القلق من التوجهات المستقبلية. وهو أمر ينسحب على بقية الدول الشمال وبقاع واسعة في أوروبا. في الأول من يوليو/ تموز، سُجّل الآتي: 1030 مواطناً فوق المائة عام، مع زيادة 61 في المائة بالمقارنة مع العقد الأخير. وقبل عام، كان العدد 1040 شخصاً، فيما لم يكن يتعدّى 115 شخصاً في عام 1997. إلى ذلك، يبلغ متوسط الأعمار في الدنمارك 82.7 للإناث و78.5 للذكور. أما متوسط سنّ الزواج عند الطرفين، فهو 23 للنساء و35 للرجال، في حين أن الأكثرية تخوض تجربة الطلاق ما بين 40 و49 عاماً. وتبيّن الأرقام أن 66.5 في المائة من الدنماركيين هم بين 15 و66 عاماً، بينما 18 في المائة هم دون 14 عاماً ونحو 15 في المائة هم فوق 65 عاماً.
ومثلما تحذّر بلدان أوروبية كثيرة من خطورة طغيان الشيخوخة خلال سنوات قليلة، فإن دول اسكندنافيا ومنها الدنمارك والسويد والنرويج تخشى من مؤشرات انخفاض نسب الخصوبة بين شعوبها. وقد أقرّت الدنمارك في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي بأن الانخفاض الحالي لديها هو الأكبر منذ عام 1967. وانطلاقاً من هنا، بدأت السلطات المختلفة بما فيها أحزاب سياسية وفعاليات اجتماعية وإعلامية، بحملة تتوجّه إلى الشابات الدنماركيات تدعوهن إلى الإنجاب وعدم التأخر في قرارهن. ومن الواضح أن السنوات الأخيرة تكشف أرقاماً مقلقة حول سن الزواج والإنجاب. في ما يتعلق بالنساء مثلاً، يبدو أن متوسط سن الإنجاب بلغ 31.8 للمرة الأولى.
وتنظم حملات إعلامية ورسمية في البلديات المختلفة تتوجه إلى الطالبات الجامعيات في محاولة لإقناعهن علمياً بأنه كلما تأخرن بالإنجاب كلما انخفضت نسبة الخصوبة لديهن. وما تقوم به بلدية كوبنهاغن مثلاً في الجامعات أشبه برجاء. ويتدخل العلماء محاولين إقناع الرجال بأن نسبة الخصوبة لديهم تنخفض 40 في المائة مع التقدّم في العمر".
اقرأ أيضاً لاجئون في الدنمارك: بينما ننتظر لمّ الشمل تموت عائلاتنا