"القياضة 2".. فهمٌ للتاريخ الإماراتي لا روايته

15 يناير 2015
المنتج محمد سعيد الضنحاني (العربي الجديد)
+ الخط -
يبدو المسلسل الإماراتي "القياضة" الذي يعود بحكايته إلى ستينيات القرن الماضي، أميناً لفكرة أنّ على الدراما الانتقال من التوثيق الحر في التاريخ إلى شرحه وتحليله، والابتعاد عن نقل التراث المتحفي نحو تناوله كأسلوب حياة يعكس قيماً اجتماعية وفكرية.

فمهمتها، بوصفها فناً، أن تعيد تأسيس وعي المشاهد، والارتقاء بحسه الجمالي والفكري. أمّا مهمتها بوصفها ترفيهاً، فهي سبك كل ما سبق في حكاية درامية مسليّة تخدم التراث والتاريخ، لا العكس.

ووفق تلك الرؤية، يلتقط مسلسل "القياضة" بجزأيه من روح المرحلة ما تحتاجه منها حكايته. ويلفت رئيس مجلس إدارة شركة "أرى الإمارات"، وكاتب قصة العمل ومنتجه، محمد سعيد الضنحاني، في حواره مع "العربي الجديد" إلى أنّ "العمل في جوهره وثيقة حيّة عن الإمارات وشعبها منذ ستينيات القرن الفائت، وهو مشغول بتسجيل تفاصيل تاريخية وتراثية تتعلق بنبض الحياة الإماراتية، بوصفها من صلب الدراما والمحرك الرئيسي لها".

إلا أنّ الضنحاني لا يميل إلى توصيف العمل بالتاريخي، فالعمل الدرامي هنا "يقدم فهماً من لحم ودم للتاريخ الإماراتي، وهو لا ينهمك في تتبع حيوات الشخصيات التاريخية وتتبع الأحداث المتعلقة بها في فترة الستينينات، بمقدار ما يقارب النبض الإنساني لتلك الفترة، بوصفه السجل الحقيقي لتاريخ أي مرحلة زمنية.

فعبره يتم تشريح المجتمع ومكوناته واتجاهاته الفكرية التي ستشكل بموجبها مرآة عاكسة للرواية التاريخية كما هي في الواقع، وفي الاهتمام بتفاصيل المكان وما تمليه الفترة الزمنية من تفاصيل سيكتمل فهم تلك المرحلة التاريخية".

ويلفت الضنحاني إلى أنّ ديكورات العمل، تكاملت فيما بينها، لتؤسس قرية تراثية، من شأنها أن تتحول إلى استوديو تصوير لأي أعمال درامية أخرى ذات بعد تراثي للمرحلة الزمنية ذاتها. ويضيف قائلاً: "لقد بلغ اهتمامنا بأدق التفاصيل التراثية في معمار تلك القرية، حد امتلاكها المواصفات الكافية لتكون متحفا عن تلك الفترة الزمنية من تاريخ الإمارات".

ولكن لماذا تصر دراما "القياضة" بجزأيها على فهم التاريخ لا روايته، على الرغم من أنّها وفّرت بيئة طبق الأصل عن المرحلة التاريخية؟
يقول الضنحاني: "للدراما أحكامها، وتقديم التاريخ في واحدة من حكاياتها لا بدّ أن يخضع لضرورات درامية. ونحن في تقديمنا لفهم التاريخ لا روايته، ندعو إلى عدم الاستسلام للتاريخ كبديهيات، وإنّما يجب أن نمتلك حساً نقدياً للرواية التاريخية، التي تحتمل التأويل والتحريف والتشويه والمبالغة أحياناً". أمّا الجانب التراثي في العمل، فهو "واحد من وجوه الحياة في أي مجتمع، ولن تكون تفاصيله حاضرة بشكل زخرفي في العمل، فالحدث المجاني سقط متاع الدراما وذاكرتها".


يُنسب اسم العمل "القياضة" إلى أيام المقيض، وهي الأيام التي كانت العائلات الإماراتية قديماً تنتقل خلالها، أثناء فترة الارتفاع الشديد في درجة الحرارة، إلى مدينة دبا الفجيرة المطلة على مياه بحر عُمان، لما تتمتع به من طقس معتدل.

والحادثة التاريخية/التراثية ستبدو البيئة التي تمهد للحدث الرئيسي في العمل (قصة حب سليمان وعليا حيث تجمعهما أيام المقيض)، وستبدو حدثاً قائماً بحدّ ذاته، يعيد إلى الأذهان المسلسل السوري "ليالي الصالحية" للمخرج بسام الملا، الذي قدّم ضمن حكايته رحلة محفل الحج زمن العثمانيين، بكل ما ينطوي عليه من جوانب تراثية وتاريخية ودينية، الأمر الذي يثير سؤالاً بعينه: هل انشغال "القياضة" بجزأيه بالتفاصيل التراثية، بوصفها من صلب الحكاية، يؤهل مسلسل "القياضة" ليكون نموذجاً لدراما البيئة الإماراتية، قياساً بما يعرف بدراما البيئة الشامية الشهيرة؟

يقول الضنحاني: "أي عمل يكون المكان بطلاً فيه، إلى جانب بقية شخصياته التمثيلية، ينتمي بالضرورة إلى دراما البيئة. لكن المشكلة أنّ مصطلح دراما البيئة نفسه شابه، خلال السنوات الأخيرة، كثيرٌ من الالتباس. فعلى سبيل المثال، يوصف مسلسل مثل "باب الحارة" بأنّه ينتمي إلى دراما البيئة الشامية، ولكن هل هو فعلاً ينتمي إلى هذه البيئة؟ هل بدا ملخصاً لتفاصيلها الزمانية والمكانية؟ ما قرأناه عن العاصمة السورية دمشق القديمة لا يشبه حالها في المسلسل، بالتالي بدا المكان هامشياً في المسلسل، لا بطلاً له. وبالتالي هو أغفل جانباً مهماً من شروط الدراما، أو لم يوفه حقه كما يجب، لتوصف بأنها بيئية. وهذا ما يحاول مسلسل القياضة بجزأيه تجاوزه، وذلك بالتأكيد على بطولة المكان في الحكاية".

بطولة المكان في دراما "القياضة" استدعت أن يعمل فريق كبير لبناء قرية تراثية كاملة، تستحضر تفاصيل الفترة التاريخية التي تدور فيها حكاية العمل، وذلك بإعادة ترميم البيوت القديمة الموجودة في منطقة التصوير (دبا الفجيرة) والتي تعود إلى تلك الفترة (ستينيات القرن الفائت)، إلى جانب بناء عدد من المباني السكنية المماثلة، وأخرى خدمية، بما يضمن بيئة حياتية متكاملة العناصر. وتأكيداً لبطولة المكان، لن يتوقف العمل عند الشكل المعماري له، بل سيرصد حالة التفاعل الإنساني مع المكان، وعلاقة السكان مع محيطهم الحيوي، ولا سيما مع البحر الذي شكّل المورد الأساسي للحياة في تلك الفترة قبل اكتشاف النفط، ومكابدات الناس معه، أي البحر.

لا يخشى كاتب قصة العمل ومنتجه، محمد سعيد الضنحاني، من أن يلقى مسلسله "القياضة" مصير عدد من المسلسلات التي دخلت في لعبة الأجزاء، فخبا بريقها، فهو يؤكد أنّ إنتاج الجزء الثاني لم يكن استثماراً لنجاح الجزء الأول، وإنّما هو استكمال لحالة درامية وصلت ذروتها في الجزء الأول، ولكنّها تركت الأبواب مشرعة لانطلاق الحدث نحو ذرى درامية أخرى، ستشكل في مجملها تفاصيل حكاية الجزء الثاني. وفي هذا السياق يحيلنا الرجل إلى تصريحات إعلامية له، أعلن فيها نية إنتاج جزء ثان من العمل، تزامناً مع إعلان انتهاء تصوير الجزء الأول منه.
المساهمون