تمثل الترجمة - إضافة إلى أبعادها الثقافية الحضارية - فعلاً سياسياً واقتصادياً، حيث يمكنها أن تلعب دوراً في تعزيز القوى الاستعمارية أو السلطوية، كما أنه يمكنها أن تكون وسيلةً لمقاومتها.
هكذا، اختار "المؤتمر الدولي السنوي للترجمة"، في دورته السابعة، التي اختُتمت أول أمس في الدوحة، من "سياسة الترجمة بين التصوّرات والسلطة" عنواناً رئيساً، اندرجت تحته معظم الأوراق التي قدّمها باحثون ومختصّون وممارسون في مجال الترجمة التحريرية والشفوية.
شارك في المؤتمر باحثون من مصر وإسبانيا والمملكة المتّحدة والبرتغال والصين وإيران وتركيا وبلجيكا وسويسرا والسعودية والمغرب والجزائر وكندا والولايات المتّحدة، وجرى التركيز على اعتبار أن الترجمة حلقة وصل بين المبادلات العالمية للمعاني وما تنطوي عليه هذه المبادلات من علاقات بين القوى؛ ليناقشوا التأثيرات التي تخضع لها الترجمة، وما تفرضه أيضاً ودورها في صياغة خطاب السلطات.
طرحت أوراق كثيرة الدور البصري والسمعي للترجمة، متناولةً الفرق بين الدبلجة، والنّص الذي يظهر على الشاشة ("السترجة") وعلاقة هذا بسياسات البلدان ومساعي السّلطات إلى التحكُّم في الشعوب.
هنا، كان للباحثة المتخصّصة بنظريات الترجمة التحريرية والفورية والسمعية والبصرية، ألين ريمايل، جلسة رئيسية ناقشت فيها "الترجمة السمعية البصرية والتمكين"؛ حيث ترى أن هذا النوع من الترجمة أداة لا تقتصر فقط على تمكين المجتمعات، محليّاً ودولياً، من الوصول إلى المعلومات، "بل تقوم أيضاً بإيصال رسائلها ومخاوفها واهتماماتها، باستخدام لغاتها الخاصة، عبر منتجاتها المترجمة".
في إطارٍ تطبيقي، قدّمت الباحثة جراسا شورم ورقة بعنوان "الترجمة السمعية البصرية كأداة للتلاعب بعقول الجماهير: البرتغال كنموذج مثير للفضول". تخلُص الباحثة في موضوعها إلى أن البرتغال، خلافاً لبلدان أخرى مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، لا تتّبع الدبلجة في الترجمة السمعية والبصرية، وإنما تستند إلى الطريقة التقليدية المتمثّلة بترجمة النص على الشاشة؛ وذلك "لأسباب رقابية تاريخية تتذرّع بالاقتصاد، لكن، في الحقيقة، فإن إيصال الرسائل السياسية من خلال انتقاء نوع الترجمة هذا سيكون أسهل على السلطة".
من جهتها، ذهبت الباحثة كريمة بوزيان إلى رصد ترجمة الإعلانات الإلكترونية من الإنجليزية إلى العربية، محلّلةً دلالاتها السيمائية وعلاقة العامل البصري بذلك النصّي (المُترجَم). تنطلق بوزيان في ورقتها من الاستراتيجيات التي خضعت لها معظم الترجمات الإعلانية إلى اللغة العربية؛ إذ تراوحت ما بين النقل الكامل، وإنشاء نصوص جديدة، وبقاء بعض النصوص غير مترجمة أصلاً.
هكذا، تتبّع الباحثة الرسائل التسويقية التي تنطوي عليها الإعلانات ومدى تأثيرها بالجمهور بعد معالجتها لغوياً، لتخلُص إلى أن هذه المعالجة "أثرت بشكل كبير على دلالات العناصر النصية المنقولة، وكذلك على دلالات العناصر البصرية؛ ما أدّى إلى فقدان الدلالات معناها الجوهري".